مع نهاية يوم الحادي عشر من فبراير الماضي وعقب تنحي الرئيس السابق حسني مبارك عن الحكم غادر المصريون ميدان التحرير وكل ميادين الجمهورية اعتقادا منهم بأن ثورتهم قد نجحت بعد أن حققت هدفها الأعظم وهو اسقاط النظام. وتلك - مغادرة الميدان- كانت واحدة من أكبر أخطاء الثوار..فإذا كانت الثورة قد أسقطت رأس النظام فإنها لم تسقط كل النظام..وإذا كنا نلتمس الأعذار للثوار في مغادرتهم الميدان فذلك لحداثة المشهد أمام أعينهم. تسعي الثورة - أي ثورة- الي تحقيق هدفين لاثالث لهما..أولهما:اسقاط النظام القائم وثانيهما: اقامة نظام سياسي جديد يتوافق حوله الشعب بكل طوائفه وأطيافه..ومايجري في مصر حاليا يدفعنا لطرح سؤالين هما:1-هل سقط النظام السابق؟ 2-وهل جري بناء النظام السياسي الجديد؟..الإجابة السريعة ستكون بالنفي..فلم يسقط النظام السابق ولم يتم بناء النظام الجديد..يدفعنا السؤالان السابقان الي سؤال جديد هو:من المكلف بإتمام عملية هدم النظام القديم ومن المكلف كذلك ببناء النظام الجديد؟. عندما غادر المصريون ميدان التحرير في 11فبراير الماضي فإنهم أسندوا مهمة إدارة الفترة الانتقالية الي المجلس الأعلي للقوات المسلحة بصفته أمينا ومؤتمنا علي تلك الثورة ولإتمام مابدأه الثوار من هدم بقية قواعد النظام السابق..كان المصريون في شوق لمتابعة انجازات السلطة الجديدة التي أعلنت أنها (تدير) مصر ولا (تحكم) وكان الظن أن المجلس العسكري سوف يستأصل شأفة وبقايا النظام السابق بسرعة كما أنه سيكمل ثورة المصريين بهدم ماتبقي من النظام السابق وهو الهدف الأول للثورة الذي لم يكتمل حتي الآن..لكن جرت في النهر مياه كثيرة وأحداث جعلت المصريين يتساءلون:لماذا لم يكمل المجلس العسكري الهدف الأول للثورة؟..ولماذا تلك التصرفات التي تصدر عن المجلس وتثير القلق والتساؤل بدلا من الاطمئنان. كان لدي الناس الحق في التساؤل والدهشة..فما معني أن تضم أول حكومة يشكلها المجلس بعد الثورة والتي أدت اليمين أمام رئيس المجلس العسكري.. 13وزيرا كانوا من أركان النظام السابق..(!!!) ثم مامعني أن يترك المجلس العسكري الرئيس السابق وأسرته احرارا طلقاء في مدينة شرم الشيخ شهورا عدة دون محاكمة أو محاسبة ولولا جمعة المحاكمة ماجري التحقيق مع مبارك وأسرته (!!!) ثم هل لدي المجلس العسكري تفسير لترك قادة النظام السابق أمثال صفوت الشريف وزكريا عزمي وفتحي سرور الخ تلك القائمة طيلة ثلاثة أشهر- تلت تنحي مبارك -طلقاء دون محاسبة (!!!) ثم ماذا يعني بقاء المجالس المحلية دون حل رغم أن مجلسي الشعب والشوري جري حلهما (!!!). تلك عينة من تساؤلات كثيرة لدي المصريين لم تجد اجابة أو تفسيرا كما أن تلك التصرفات والمواقف أدت الي عدم تحقيق الهدف الأول للثورة وهو اتمام عملية هدم النظام السابق..ولأنه لم يتحقق لذا نزل الثوار والشعب الي ميدان التحرير. الهدف الثاني والأخير للثورة كان بناء نظام سياسي جديد وكان انجاز هذا الهدف مسئولية النخبة المثقفة المصرية مثلما جري في دول عديدة شهدت ثورات مماثلة حيث تتولي النخبة بناء النظام السياسي الجديد لكن من المحزن القول بأن النخبة المثقفة المصرية قد خذلت الثوار والشعب..وبدلا من أن تتفرغ لتلك المهمة حتي يكتمل نجاح الثورة وجدناها وقد انجرفت الي قضايا فرعية بحثا عن مكاسبها السريعة والعاجلة من الثورة..لذا وجدنا بعضها يسعي الي تصدر المشهد الاعلامي للتنظير ومنح المصريين دروسا في الديمقراطية ومنهم من جري مسرعا نحو تأسيس حزبه وربما أحزابه وقنواته الفضائية ومشروعاته الصحفية. ليس لدينا اعتراض-بطبيعة الحال- علي ذلك لكن تحفظنا علي التوقيت وترتيب الأولويات. النتيجة الطبيعية لما سبق أن النخبة المصرية خذلت الثوار وفقدت مصداقيتها لديهم بعد أن فشلت في تحقيق الهدف الثاني للثورة وهو بناء النظام السياسي الجديد..وبعد مرور خمسة شهور علي تنحي مبارك اكتشف المصريون أن ثورتهم تضيع بين يديهم وأمام ناظريهم..فلا النظام القديم سقط (مسئولية المجلس العسكري)..كما أن النظام الجديد لم يتم بناؤه أو حتي وضع لبناته (مسئولية النخبة المصرية)..وجري ذلك لسببين هما: 1- الأداء البطيء للسلطة التي تولت الحكم في مصر عقب تنحي الرئيس السابق 2- فساد قطاع كبير من النخبة وتدافعها لتحقيق مكاسبها العاجلة..لهذين السببين لم يجد المصريون بدا من العودة الي ميدان التحرير في محاولة منهم لاستعادة أيام الثورة المجيدة مستخدمين وسيلة الضغط الوحيدة التي يملكونها-الآن- وهي الحشد في الميدان..لذا نرجو من السادة الأفاضل هواة الفضائيات عدم مطالبة الثوار مغادرة الميدان قبل تحقيق أهداف الثورة..والسؤال:هل وصلت رسالة ميدان التحرير الي المجلس العسكري والنخبة المثقفة لانجاز أهداف الثورة. اذا افتقد صانع القرار الي الرؤية والخيال فتوقع الاخطاء تلو الأخري وهذا هو ماعانته مصر خلال العقود الثلاثة الماضية ونرجو ألا يستمر.