كشفت التحقيقات التي أجريت مع الرئيس السابق عن وجه من الفساد لم يكن معروفا ولا مألوفا طوال تاريخ مصر الحديث، فلم يحدث منذ عصر محمد علي حتي أنور السادات أن كان للحاكم نصيب معلوم فيما يحمل جوف الأرض المصرية من كنوز أو معادن أو مصادر للطاقة، لكن الوقائع كشفت عن ان الرئيس السابق لم يكن يكتفي ببيع الغاز الطبيعي للعدو بثمن بخس بل انه كان يستكثر علينا أن ننعم بخيرات بلادنا ويفرض أن يكون له جزء يغتصبه مما تجود به الطبيعة! ففي تحقيقات النيابة تبين أن سامح فهمي وزير البترول الأسبق قد أخذ قطعة ذهب تزن خمسة كيلوجرامات ونصف الكيلو وأعطاها للرئيس السابق وأن هذا الأخير قبلها وظل مستسأثرا بها حتي سقطت سلطته، فلما شعر بأن التحقيقات سوف تسأله عما أخذه من ذهب الوطن أعادها للدولة يوم 01 مايو الماضي، أي بعد سقوط نظامه بثلاثة أشهر! وقال في التحقيقات إن سامح فهمي قد أرسلها له ملفوفة في ورقة ولم يكن يعلم ما بها، وأنه لا يتذكر المزيد وهذا يكشف وجها من اللصوصية والاستهبال، فليس منطقيا أن يأخذ وزير البترول والتعدين قطعة ذهب بهذا الحجم يلفها في ورقة ويعطيها لرئيس الجمهورية فلا يسأله الرئيس عما بداخل هذه اللفافة! وحتي نعطي للناس اقدارهم فإننا يجب أن نضع في مقابل هؤلاء الفاسدين البطانة لونا من الرجال الشرفاء الذين استطاعوا أن يقولوا لا حاسمة قوية حينما كانت هذه اللا كفيلة بأن تطيح بهم من مناصبهم وتكاد تضعهم في غياهب السجون مثل الوزير د. محيي الدين الغريب وزير المالية الذي تكاتفوا عليه فأسقطوه من الوزارة إلي قاع »الجب« فهل يصح أن نساوي بين من كان عضوا في البطانة الفاسدة، وبين من تصدي لجرائم هذه البطانة؟! د. الغريب ليس هو الرجل الشريف الوحيد الذي بلغ منصب الوزارة فلم يطقه النظام السابق، بل لدينا رجل هو الدكتور حسن يونس وزير الكهرباء والطاقة الذي تصدي لفساد النظام السابق لكن قبل أن يطيح به النظام أطاح التاريخ بالنظام، وسوف يذكر للدكتور حسن يونس انه تلقي تعليمات مبارك ولكنه رفضها.. فأثناء تناول الرئيس السابق طعام الإفطار في شهر رمضان علي شرف الملك عبدالله ملك الأردن وبحضور وفدي البلدين بالعقبة طرح رئيس الوزراء الأردني علي الرئيس السابق طلبا بأن يتم شراء الكهرباء المصرية بأسعار مخفضة مثل أسعار الغاز الطبيعي المصري الذي تشتريه إسرائيل من مصر، فوافق الرئيس السابق وقال للوزير »شوف الموضوع ده يا حسن«!.. وفي طريق العودة لمصر فاتح د. حسن يونس الرئيس السابق انه لن ينفذ أي تخفيض لبيع ما هو ملكية عامة.. وأنا مؤتمن عليه وأبيع لهم بسعر السوق العالمي ارتفاعا وانخفاضا طبقا لسعر البترول العالمي في اليوم. موقفا آخر للوزير د. حسن يونس أمام جبروت ومؤامرات رجال الأعمال في ظل النظام السابق ومحاولاتهم لاغتصاب أرض الضبعة وحرمان مصر من إقامة مشروعها النووي الذي يكفل ليس فقط لسد احتياجات مصر من الكهرباء بكميات ضخمة بسعر أرخص وآمن ونظيف، فالمشروع يساهم في تطوير الصناعة والزراعة والطب ويساهم في تصدير الطاقة للدول العربية وأوروبا، وتأتي أهمية الضبعة من مثالية المكان من جميع النواحي البيئية والجيولوجية والفنية. وتوافر كل المواصفات المطلوبة لإقامة المحطة النووية. وقف يونس بدبلوماسية وفنية يغلفها ضمير وطني متوهج ضد أطماع هؤلاء الأفاقين الذين أطلقوا علي أنفسهم رجال أعمال وأشهد أن الرجل تعرض لضغوط تفوق احمال الإنسان العادي، لكن الرجل كان زاهدا في منصبه فلم يتردد لحظة في الدفاع عن إقامة مشروع الحلم النووي. سوف نشهد أيضا له أنه رفض بإباء وشمم قطع الكهرباء عن متظاهري الثورة بالتحرير خلال الأيام الأولي التي شهدت معركة الجمل ومدبرها الرئيسي غير »الشريف« في الوقت الذي كان بقية أركان النظام يستعدون لضرب المتظاهرين بالجمال والخيول والرصاص الحي ومدافع المياه والدخان المسموم، إلا أن الرجل رفض بصلابة أن يقطع الكهرباء، فلو كان فعلها لكان هؤلاء قد ارتكبوا جريمتهم دون أن تستطيع أي قناة فضائية أو أي كاميرا عادية تصويرهم، أن ما نحسبه إجراء بسيطا وقف سدا منيعا دون إبادة المتظاهرين في التحرير ونحن نعدد أسماء الأبطال الذين كانوا عونا ورديفا للثورة. موقف آخر عندما تم إرساء مناقصة إقامة المحطة النووية الأولي علي شركة »بكتل« الأمريكية وقبل التوقيع أرادت الشركة الأمريكية إضافة شروط سياسية أرادت بها أن »تكبل« مصر بشروط مجحفة جدا رفض الوزير الوطني أن يوقع العقد فتعرض لعمليات ضغط رهيبة ومؤامرات قذرة منها أن عدم التوقيع سيفشل مباحثات الرئيس السابق وأمريكا وأن ذلك ستكون له آثار خطيرة، فما كان من الرجل إلا أن أصر علي موقفه من عدم التوقيع! الوقوف في المنطقة الرمادية أو تنفيذ مطالب كهنة النظام، ففي يوم موقعة الجمل طلبت قيادة نقابية عمالية من الوزير تجييش عمال الكهرباء للتظاهر مع فلول الحزب الوطني ضد شباب الثوار وحدثت ضغوط من الشخصية النقابية التي لم يطلها الاتهام في موقعة الجمل فقط حتي الآن.. لكن موقف الوزير الوطني الشجاع كان بصرف العمال بعد انتهاء العمل وانطلاق سيارات القطاع لتوصيل العاملين إلي منازلهم كما هو معتاد يوميا ونأي بأبناء القطاع الذين كان مقررا الزج بهم في أتون المظاهرات المضادة التي قادها قيادات النظام السابق المقبوض عليهم والذين لم يتم القبض عليهم بعد والذين اعتادوا علي تقديم وارتكاب كل الانحرافات مقابل عضوية الشوري أو الشعب أو احتلال منصب نقابي عمالي لا يستحقه! موقف آخر تعرض له الوزير ابان الصيف الماضي عندما اختل أداء تشغيل بعض محطات توليد الكهرباء مما نتج عنه انقطاع الكهرباء أثناء ارتفاع درجات الحرارة الشديدة إضافة إلي زيادة الاستهلاك لتشغيل أجهزة التكييف في كل محافظات مصر حتي الريف أيضا.. يرجع السبب إلي أن قطاع البترول كان يوفر الغاز لتصديره لإسرائيل ويحرم منه مصر بل وتأخر قطاع البترول في توفير المازوت اللازم بالمواصفات المطلوبة لتشغيل محطات توليد الكهرباء مما ساهم في ارباك قطاع الكهرباء وإظهاره بمظهر مقصر علي غير الحقيقة.. وتحمل الرجل كل هذا إلي أن تخلي عن صمته وأظهر الحقيقة كاملة وهي ان قطاع البترول فضل الجانب الإسرائيلي عن مصر وخالف شروط التعاقد مع قطاع الكهرباء المصري ومش مهم مصر في سبيل ان تنعم إسرائيل بالرفاهية الرخيصة والراحة علي حساب مصر! كل هذه حقائق تابعتها عن قرب ورفض الرجل أن يتحدث أو يجاهر بها فهناك الكثيرون يراقبون ويعرفون الكثير والكثير والرجل صامت. علينا أن نتذكر الدور الوطني المميز الذي قام به هذا الرجل ومثله كثيرون صمدوا أمام فساد النظام السابق رغم انهم كانوا في حكومات هؤلاء وجوها مشرفة في ذلك الزمن المظلم وها نحن نسجل مواقف الرجال كي يعلم ان الثورة التي قامت لن تبخس الرجال أقدارهم. وهناك مواقف مشرفة في ذلك الزمن الردئ تحتاج إلي صفحات بل أكثر لكل الشرفاء الذين دافعوا برجولة عن المصالح العليا للشعب.