هو أحد القلائل الذين قالوا »لا« في زمن لا نسمع فيه غير كلمة »نعم« كان يدرك أن للكلمة ثمنها.. وأن للسباحة ضد التيار أخطارها.. لكن السفير إبراهيم يسري سفير مصر السابق في الجزائر والكاتب ورجل القانون لم يعبأ.. أعلن رأيه صراحة ليس فقط في وسائل الإعلام وإنما في أروقة المحاكم.. أقام عدة دعاوي لوقف تصدير الغاز لإسرائيل الذي كان يباع بثمن بخس مضيعا علي البلاد ثروات هائلة لا يستفيد منها سوي العدو ولوبي الغاز كما أطلق عليه. هذا اللوبي الذي يضم أسماء لها ثقلها علي رأسها وزير البترول الأسبق سامح فهمي ورجل الأعمال حسين سالم الصديق المقرب للرئيس حسني مبارك الذي تردد أنه يحقق وحده 3 ملايين دولار يوميا من تصدير الغاز. كان الوقوف في وجه الفساد صعبا لكنه لم ييأس ولم يضعف رغم ماتعرض له من تهديد وإقامة الدعاوي المضادة التي حكم عليه في إحداها ب 16 ألف جنيه بتهمة البلاغ الكاذب. وأثبتت الأيام أن البلاغ لم يكن كاذبا تأكد صدقه الآن بعدما أعيد فتح ملف الغاز وبدأت التحقيقات لتكشف المستور.. وتزيح النقاب عن كل من تستر وشارك في صفقات تصدير الغاز المشبوهة وعمن ألقي بحكم المحكمة بوقف تصدير الغاز جانبا وجعله مجرد حبر علي ورق.. فظل حبيس الجدران..بقدر فرحة السفير يسري إلا أن قلقه من اختيار وزير البترول عبدالله غراب الحالي يزيد من مخاوفه.. يراه أحد عناصر لوبي الغاز ويطالب رئيس الوزراء الدكتور عصام شرف بإقالته.. لا يعبأ بالتغيير المستمر للوزراء ولا حتي رئاسة الوزراء.. ويري أن عملية الفرز الدائم هي التي تقود في النهاية لوزارة نثق فيها ونضمن نجاحها في التصدي لنزيف إهدار المال العام والتربح وحماية ثروة مصر من الضياع. في منزله كان اللقاء.. لم يكن الأول فقد تعددت لقاءاتنا وأعترف أن التفاؤل كان هو السمة الأبرز في كلماته.. رغم أن الظروف التي كانت تمر بها البلاد لم تكن تدفع سوي لليأس.. لكنه لم ييأس واجه بابتسامته الصعاب ولم يكن الطريق سهلا. ❊ حول مشواره الصعب في مواجهة الفساد والكشف عن صفقات الغاز المشبوهة كان سؤالي الأول؟! أقمت عدة دعاوي كلها تصب في اتجاه واحد وهي الاتهام بإهدار المال العام والتضحية بمصالح الشعب لصالح الأجانب.. وطالبت بوقف الفساد وسوء إدارة موارد الدولة ووقف ضخ الغاز وتصديره.. ❊ وما هي الأسباب التي استندت إليها في دعواك؟! أولها إن مصر ليس لديها احتياطي كاف من الغاز، كما أننا في حاجة شديدة إليه، ومعني التفريط فيه الآن هو حرمان الأجيال القادمة من هذه الثروة، فضلا عن أنه يحمل المواطنين الآن زيادة في قيمة فواتير الطاقة تصل إلي مليارات الدولارات في دولة تعد فقيرة نسبيا، ومن ثم فنحن لسنا في موقف يسمح لنا بتصدير ثرواتنا. هذا من ناحية ومن ناحية ثانية فإن تصدير الغاز بشكله الخام يعد خسارة فادحة مقارنة بالمكاسب التي تعود علينا إذا ماقمنا بتصنيعه لمنتجات عالية القيمة مثل سماد يوريا ، وإذا علمت أن الوحدة البريطانية للغاز الخام تباع بدولار فإن الوحدة من سماد اليوريا تصل قيمتها لأكثر من 200 دولار. ليس هذا فقط فالمعروف أن سعر بيع الوحدة من الغاز الخام لا يتعدي الدولار والربع بينما وصل سعر السوق في أوروبا إلي 16 دولارا ومعني ذلك ببساطة أننا نخسر في اليوم الواحد 13 مليون دولار نقدمها هدية للشقيقة الحميمة إسرائيل!! ❊ إذا كانت هذه هي الأسباب التي أقمت دعوتك علي أساسها فما الذي أعاق وقف نزيف الأموال المهدرة؟! وقف من أطلق عليهم لوبي الغاز ضدي وأقاموا الدعاوي المضادة والغريب أنهم لم يواجهوا حججي بحجج مماثلة وظل كثير مما يدور في صفقات الغاز مجهولا.. تعاملوا معه كأنه سر الأقداس لا يطلع عليه أحد حتي القضاة فلم يقدموا ورقة واحدة أو مستندا واحدا عن العقود الموقعة وشروط التصدير أو حتي عن أسعار البيع. ❊ من أعضاء هذا اللوبي؟! هم من تقدمت ضدهم ببلاغات للنائب العام، كان آخرها في 13 فبراير 2011 أتهم فيها كلا من سامح فهمي وزير البترول السابق ومحمود لطيف عامر وزير البترول في حكومة شفيق وعبدالله غراب وزير البترول الحالي، وكلهم من لوبي الغاز الذي ارتكب خطيئة إهدار ثروة مصر وكل تصرفاتهم معيبة. ❊ وماذا عن حسين سالم رجل الأعمال والاسم الأبرز في صفقات تصدير الغاز لإسرائيل؟ هو بالطبع أخطر أعضاء اللوبي وتمكن من التقرب لعائلة مبارك عن طريق شقيق السيدة سوزان والذي تعرف عليه في واشنطن.. وشارك في صفقة أسلحة أمريكية خالف فيها القانون ولاحقته المحاكم الأمريكية.. لكنه مضي في طريقه باستثمار أمواله التي حصل عليها بطرق غير معروفة وكونها في الإمارات أثناء عمله بها.. فضلا عن صفقات السلاح ونجح في عمل شبكة علاقات قوية بمجموعة من المستثمرين من كل أنحاء العالم ومنهم يوسي ميمان رجل الأعمال الإسرائيلي الذي كان له دور في صفقة شركة ميدور المعيبة التي سببت أيضا خسائر باهظة لمصر. ❊ ما الخطر الذي شكله هذا التقارب بين سالم ويوسي ميمان؟! نتج عن ذلك صفقة تصدير الغاز المعيبة ، وتمكن حسين سالم من خلال تقربه لعائلة مبارك من الاستيلاء علي الغاز المصري وبيعه رخيصا لإسرائيل مقابل عمولة ونسبة من الأرباح تردد أنها تصل إلي 3 ملايين دولار في اليوم، ومع ذلك استدانت الشركة التي أسسها »شركة شرق المتوسط« بأكثر من 800 مليون جنيه أخذتها من البنوك المصرية ولم تسددها حتي الآن وهي ماتكشف عن عملية نصب. ❊ وهل يعد حسين سالم هو الرابح الأكبر من هذه الصفقة؟! بالطبع لا فهناك أطراف أخري ربحت أهمها المستهلك الإسرائيلي الذي جاءت صفقة التصدير في صالحه حيث خفضت قيمة فاتورة استهلاكه للكهرباء بنسبة %20 بينما تصاعدت فواتير الكهرباء علي المستهلك المصري. وهناك أيضا من ربح من هذه الصفقات وتردد عن خلافات كشفتها وسائل الإعلام بين الأخوين جمال وعلاء مبارك حول نصيب كل منهما من هذه الصفقات. ❊ أمام هذه الأسماء الخطيرة كيف استطعت الصمود ومواصلة دعواك لوقف تصدير الغاز؟! الإصرار والتحدي كانا دافعي الأول ومساندة الكثير من الشرفاء وتكلل جهدنا بالحصول علي حكم نهائي من المحكمة الإدارية العليا في فبراير 2010 يقضي بإلغاء القرار الوزاري رقم 100 الذي أمر بتصدير الغاز وفقا للشروط المجحفة، كما أمرت المحكمة بإعادة التفاوض في الصفقة علي الأسس التالية: أهمها عدم تصدير الغاز إلا بعد استيفاء حاجة البلاد منه، وأن يتم البيع وفقا للسعر العالمي، وأن يتم مراجعة السعر كل عام، مع عدم وضع حد أقصي للأسعار. ❊ لكن الحكم لم ينفذ؟! بالطبع لأن سامح فهمي وضعه في سلة المهملات وتصرف علي هذا النحو لأنه كان وقتها أقوي من القانون والدستور في زمن لم يكن للقانون فيه قيمة ولا للدستور قوة، وقوة فهمي كان يستمدها من العائلة الرئاسية ومن حسين سالم. ❊ ألم يصبك اليأس بعدما تأكدت من هذه الحقيقة؟! علي العكس كنت أعرف ومع ذلك واصلت إقامة الدعاوي ومنها القضية التي بطلها أحد المستثمرين المصريين الذي باع حقل بترول جيسوم بسعر غير واقعي أتاح لهذا المستثمر ليس فقط استرداد الثمن الذي دفعه بعد عدة سنوات قليلة وإنما أيضا نجح في امتلاك الحقل كله ليتصرف فيه كيف يشاء. قدمت بلاغا للنائب العام بهذا وأقمت دعوي لطلب إلغاء العقد المبرم بين المستثمر للدولة والكشف عن تفاصيل الصفقة المشبوهة. وكذلك الكشف عن حقيقة مايدور في الشركة المصرية العامة للبترول التي تربح أكثر من مليار دولار في السنة وتنتج بترولا بكميات متضخمة ومع ذلك فوجئنا بقيام وزير البترول السابق بدفع من أعضاء مجلس إدارة الشركة للاستغناء عن حقلي بكر وعامر لصالح مستثمر أجنبي تمهيدا لخصخصتهما وبالرغم من أن ثلاثة من أعضاء مجلس الإدارة تصدوا لهذا الأمر وأقاموا دعوي قضائية لوقف عملية البيع إلا أنهم تعرضوا للترهيب والترغيب بالعصا والجزرة وتحت الضغط تنازلوا عن دعواهم في الشهر العقاري بعدما اصطحبهم محامي هيئة البترول إليه. ❊ وهل نجحت في التصدي لهذه القضية؟! حاولنا التدخل لوقف الدعوي لكننا لم نستطع لأسباب مجهولة، وتجاهل القاضي طلبنا الذي تقدمنا به بعدما اتصل بنا العديد من عمال ومهندسي الشركة طالبين منا التدخل لإنقاذ الوطن من هذه الصفقة الخاسرة. ❊ وماذا عن القضايا الأخري؟! هناك أيضا دعوي أقمتها بعدما اكتشفت وجود عقد بين شركة بيرتش بتروليوم ووزارة البترول يعطيها الحق في استخراج الغاز من أحد الحقول الكبيرة بالقرب من الإسكندرية يقضي بامتلاك الشركة الإنجليزية للمنتج كله ثم تقوم بعد ذلك بتصديره لمصر!! بالرغم من أن كل الاتفاقيات البترولية تنص علي أن حصة الشريك الأجنبي لاتزيد بأي حال علي %60 فقط؟!.. ومعني ذلك أننا لانخسر فقط الملايين وإنما نخسر ثروتنا وأنفسنا أيضا. ❊ وهل نجحت في وقف هذه الصفقة؟! مازلنا نحاول لكن الصعوبة تكمن هذه المرة في أن الصفقة تمت بشكل قانوني لأنهم أرادوا تجنب صدور أي قرار من المحكمة بإلغائها. ❊ من هم أصحاب العقول الجهنمية التي تحرك كل هذه الصفقات؟! وراءهم لوبي الغاز الذي مازال يمارس نفوذه حتي في ظل الحكومة الحالية ولا أستطيع أن أخفي اندهاشي من تعيين وزير البترول الجديد بالرغم من أنه شريك في كل ماتم من صفقات لإهدار ثروة مصر من الغاز والبترول . ❊ ربما لم يدرك رئيس الوزراء ذلك؟! لهذا بعثت خطابين للدكتور عصام شرف أكدت فيهما ثقتي به كرئيس وزراء استمد شرعيته من الشعب وأوضحت له أن اختياره لوزير البترول الحالي والذي أظن أنه جاء بناء علي معلومات خاطئة قدمها بعض المستشارين. ❊ وهل رد عليك؟! لا.. ❊ بماذا تبرر ذلك؟! ربما تكون المسألة شائكة وتحتاج للدراسة. ❊ أمام هذا الكم من الدعاوي والبلاغات وأمام خطورة وحجم الشخصيات التي تواجهها ماهي الضغوط التي تعرضت لها طوال الفترة الماضية؟! أولها سلسلة من الأكاذيب منها تبرير بيع الغاز باعتباره الحل الوحيد أمام ثروتنا من الغاز أما البديل الآخر فهو الحرق، فادعوا كذبا بأن الغاز لايمكن حبسه تحت الأرض، وهي معلومة خاطئة والرد عليها بمثال بسيط وهو ماقامت به روسيا من غلق مضخة الغاز الواصل إلي أوكرانيا في محاولة للضغط لإعادة النظر في سعر الترانزيت. لوبي الغاز لجأ أيضا لمحكمة غير مختصة لتنفيذ الحكم الذي صدر من محكمة القضاء الإداري لصالحنا وأقاموا دعوي بوقف الاستشكال وعدم الاعتداد بالحكم للتعامل مع الحكم الذي أصدره 7مستشارين بمجلس الدولة كأنه منعدم. لم يكتفوا بذلك بل أقاموا دعوي ضدي بتهمة البلاغ الكاذب وإشاعة أنباء كاذبة تضر بالاقتصاد القومي كانت عقوبتها السجن لمدة 9سنوات. والحمد لله تم حفظ هذه الدعوي. ❊ ألم يدفعك هذا للتوقف والانسحاب من المعركة؟ علي العكس استمرت دعوانا وبمساندة الشرفاء واصلت إقامة الدعاوي.. لم أعبا بالتهديد بالسجن الذي ينتظرني ولم يوقفني حكم المحكمة الذي قضي بتغريمي 16 ألف جنيه والذي صممت أن أدفعه من جيبي إلا أن كثيرا من الشرفاء من أبناء مصر ساندوني وأصر الجميع علي تحمل قيمة الغرامة. الغريب أنني كشفت في هذه القضية أن القضاة الذين حكموا عليّ كانوا علي صلة برئاسة الجمهورية، وبالطبع نفي القاضيان ذلك، لكن الأحداث الأخيرة أثبتت صدق موقفي بعدما كشفت عن أن صفقة الغاز تمت بإيعاز من العائلة الرئاسية وصديقها حسين سالم. ومن ثم كان من الطبيعي أن يتعرض أمثالي للسجن وغيره من التهديدات. ❊ ما هي التهديدات الأخري التي تعرضت لها؟ بعدما فشلوا في سجني حاولوا تهديدي بشكل غير مباشر من خلال سائقي الذي فوجئت أثناء مغادرتي لنقابة الصحفيين بمجموعة من الشباب تلتف حوله وبعدما تقدمت انفضوا ليتركوه وحيدا وعلي وجهه علامات الذعر حاولت تهدئته ليخبرني بعدها أنه حذروه بالابتعاد عني بعدما كشفوا له أنهم من أمن الدولة وأنهم عازمون علي إرسالي وراء الشمس حتي يسكت صوتي.. كلماتهم بالطبع أرهبت السائق فاعتذر في اليوم التالي عن العمل معي مبررا ذلك »أنا عايز أربي عيالي«. ❊ أمام كل ذلك هل توقعت أن يأتي يوم لتنقلب فيه الأمور رأسا علي عقب ويفتح ملف تصدير الغاز لإسرائيل وتصوب الاتهامات علي من وصفتهم بلوبي الغاز؟ كنت دائما متفائلا وكتاباتي دليل علي ذلك.. حذرت من الفساد وتنبأت بالثورة وإن كنت أتوقعها ثورة »جياع« لكنها والحمد لله كانت ثورة شعب قادها الشباب. ❊ وهل توقعت أيضا هذا الحجم من الفساد الذي أصاب الكثيرين بالصدمة؟ أنا واحد من المصدومين من حجم النهب الذي تصرف أصحابه »بافتراء« كانوا يسرقون بجشع وبحجم يفوق حاجتهم وحاجة أحفادهم وأحفاد أحفادهم بل وعشرة أجيال بعدهم. ❊ أمام هذا النهب المنظم هل هناك أمل في إمكانية استرداد الأموال المسروقة؟ أثق في أن الشعب سينجح في استرداد حقوقه ومحاسبة الفاسدين وإن كان الكل مازال يترقب النهاية ومازال التخوف قائما أولئك الذين مازالوا يلعبون لتثبيت مصالحهم وكذلك من وجود بعض الوجوه المحاطة بالشبهات والمشاركة بالفساد.. ومع ذلك مازال الأمل قائما لتغيير الوضع للأفضل ومحاربة الفاسدين. ❊ هذا بشكل عام.. ماذا عن تصدير الغاز لإسرائيل؟ توقف التصدير بحكم إلهي وليس بحكم قضائي بعد استهداف البعض لأنابيب الغاز وبالرغم من أنني أرفض هذا العمل إلا أنني أتعامل معه وكأنه كما وصفته بأنه حكم إلهي ليعيد الحق لأصحابه ويكفي أن نعرف أن محطات توليد الكهرباء المصرية زادت كفاءتها بعدما اعتمدت علي الغاز في تشغيلها والمعروف أنه أقل سعرا ولا يمثل خطورة علي البيئة. ❊ لكن إسرائيل تمارس الآن ضغطا من أجل استئناف عملية تصدير الغاز المصري فهل تنجح؟ أعتقد بل أجزم بأن العهد الجديد لن تقف فيه الحكومة المصرية ضد الفساد ولن تستسلم لأية ضغوط سواء إسرائيلية أو أمريكية لأن الأمر ببساطة يتعلق بمصالح الشعب المصري. فمصر تخسر 13مليون دولار شهريا في عملية تصدير الغاز لإسرائيل فهل تسدد أمريكا أو تل أبيب هذه الفاتورة والتي لو وجهت لصالح الشعب المصري لنجحت في إعادة بناء حي عشوائي ليكون ملائما للحياة الآدمية أو بناء خمسة مستشفيات أو 10مدارس أو إتاحة فرص عمل لأكثر من ألفي شاب عاطل، أو بناء 20قرية ومدها بالمياه النظيفة. ❊ ألا نفتح بذلك جبهة أخري نحن في غني عنها علي الأقل في الوقت الحالي؟ هي ليست جبهة وإنما هي لب القضية.. المصلحة الوطنية تقضي علينا بذلك.. مصر محتاجة لأموال ودعم لاجتياز أزمتها.. فهل أعطي لإسرائيل هدية يومية في وقت أحتاج فيه لرغيف خبز.. هي صفقة مرفوضة بكل حال ولا أعتقد أن الحكومة يمكن أن توافق علي استمرارها.. والخطاب هنا يكون بلغة المصالح وهي نفس اللغة التي تجيد استخدامها الولاياتالمتحدة جيدا وكذلك إسرائيل بالطبع. ❊ بعيدا عن الفساد وفي سياق أيضا لغة المصلحة كيف تري الجدل الدائر الآن حول التعديلات الدستورية والانتخابات وغيرها من المسارات التي تجري الآن علي الساحة المصرية؟ أولا يجب الاعتراف بأن هناك شرعية ثورية تجب الشرعية الدستورية وتوقف العمل بالدستور الحالي ومن ثم فلا حاجة لنا بتعديله وأري أنه من الأفضل أن يصدر المجلس الأعلي للقوات المسلحة قرارا بتفعيل دستور 71 بدون التعديلات التي أدخلها عليه الرئيسان أنور السادات وحسني مبارك. وأعتقد أن هذا الدستور بصيغته دون هذه التعديلات يعد مناسبا لاجتياز هذه الفترة ولحين الانتهاء من الانتخابات، والتي أري أنه من الأفضل أن تتم الانتخابات البرلمانية أولا قبل الرئاسية علي أن يكون ذلك بنظام القائمة النسبية لمنع أي فرصة للرشوة أو التلاعب القبلي. إلي جانب ذلك يجب إعطاء الفرصة كاملة لتشكيل الأحزاب بمجرد الإخطار وإلغاء حالة الطوارئ والعمل علي تطبيق قانون استقلال القضاء. علي هذه الأرضية يمكن أن تتم الانتخابات التي يجب أن تترك فيها المنافسة بين جميع القوي بمن فيهم الإخوان والحزب الوطني، فلا خوف من أي قوي ولا مجال لنشر الفزاعات، لأن الديمقراطية الحقيقية من شأنها أن تفرز الغث من الثمين وأن صندوق الانتخاب الحر هو الذي يحدد رغبة الشعب وإرادة الجماهير، والذي يختاره الشعب لن يستطيع إلا أن يحقق رغبات من اختاره وإلا يكون مصيره الفشل ومن هنا لا أتفق كثيرا مع تبريرات البعض من تأجيل الانتخابات بحجة عدم التنظيم أو الخوف من الفزاعات، فمثل هؤلاء يعرفون جيدا أنه لا رصيد لهم في الشارع وبالتالي يعملون علي إعاقة مسار الديمقراطية. كما لا أتفق مع من يطالب بمد فترة الشهور الست التي يقود فيها المجلس الأعلي للقوات المسلحة إدارة البلاد، وهو مطلب أراه معيبا فكيف لأي شعب أن يطلب مد حكم العسكر خاصة أن رجال القوات المسلحة أنفسهم أعلنوا مرارا تمسكهم بفترة الستة أشهر. ليس من الصعب إجراء انتخابات مجلس الشعب خلال هذه الفترة ليتم بعدها تعديل الدستور ثم الانتخابات الرئاسية.. يجب أن نمضي في المسار الديمقراطي بخطي واثقة وسريعة ولا نخشي شيئا.. فالديمقراطية كفيلة بحل كل المشاكل.. والقضاء علي كل الفزاعات، وإن إرادة الشعب الحر هي الكفيلة بضمان استمرار كل ما يحقق مصالحها وإبعاد كل من يحاول الالتفاف أو غض النظر أو تهديد تلك المصالح.