وزير السياحة في نظري مثل الجواهرجي أو الصائغ الماهر.. دوره أن يأخذ قطعة ألماظ غالية والتي هي قطعة من أرض مصر، ينفض عنها الغبار ويعكس عليها الأضواء لكي تبرق وتلمع وتجذب الأنظار ليفد إليها بعد ذلك مئات الآلاف من السائحين والزوار لتحقيق خير ونماء مصر. وفي اعتقادي انه لو ارتبط اسم أي وزير سياحة بتطوير وتهيئة واحة بديعة مثل سيوة هي بالفعل الكنز المدفون في رمال الصحراء الغربية بأن نجح في وضعها علي خريطة السياحة الداخلية والعالمية كمنتجع للاستشفاء من أمراض عديدة مستعصية لكفاه ذلك ولشكرته مصر كلها علي أن هيأ لها مصدراً لا مثيل له للجذب السياحي وهناك دول بأكملها لا يوجد بها نصف الذي يوجد بواحة سيوة ومع ذلك تتمتع بإيرادات سياحية هائلة ولكن الفارق بيننا وبينهم ان عندهم وزراء سياحة صاغوا مجوهراتهم وشبكوها بقلادة السياحة العالمية فجنوا لبلادهم ثروات نحن الآن في أمس الحاجة لمثلها! أقول ذلك كشاهد عيان بعد أن أسعدني القدر بزيارة سيوة منذ بضعة أيام في رحلة »للدفن« في رمال الواحة الساخنة كانت تجربة ممتعة سيظل أثرها في ذاكرتي إلي العام القادم ليس فقط بسبب تأثير رمال سيوة المشعة »بالسيزيوم« والتي لا يوجد لها مثيل في العالم وإنما بسبب صحبة رائعة ضمت اثني عشر من أعز الأصدقاء وأحبهم إلي قلبي كنا معاً لمدة خمسة أيام في استشفاء للجسد وللروح معاً..! كان مقدراً ان نذهب في سبتمبر العام الماضي.. ولكن صديقنا المهندس سامي الشناوي رجل الأعمال الذي قسم حياته بين القاهرة ومشروعاته في سيوة نصحنا بأن نرجيء الزيارة الي شهر يوليو الذي يمثل مع شهر أغسطس موسماً لعلاجات »الردم« التي تساعد علي شفاء أمراض الروماتويد وخشونة الركبة والعظام وجلطات الدم واستعادة الشباب. وعلي هذا الاساس سافرنا في رحلة طويلة وشاقة الي الواحة وهذه اول معضلة تواجه السياحة السيوية حيث لا يوجد مطار لخدمة السياح أو وسائل مواصلات أكثر راحة للزائرين.. وفي فندق قصر الزيتون كانت اقامتنا وعلي مدي ثلاثة أيام كنا نذهب للردم.. تخرج بنا سيارة الفندق والضحكات تملي وجوهنا بسبب الساخر المتفجر حيوية طارق طاهر ونعود في حالة يرثي لها من الارهاق والتعب وكأن الرمال التي يردموننا فيها قد امتصت ما بنا من رحيق الحياة وفي الفندق المعتاد علي استضافة راغبي التجديد امثالنا يمدونا بسرعة بأكواب الحساء الساخنة ثم عصير الليمون لتعويض بعض ما فقدناه من العرق الذي يخرج من الجسم سيولاً ومعه كل السموم والأخلاط الرديئة وبعد ساعتين نكون قد استعدنا بعض عافيتنا لنمضي امسية جميلة في حديقة الفندق مع الحذر والحرص الشديدين علي عدم التعرض لتيارات الهواء أو المشروبات الباردة خوفاً من انتكاسة.. وعلي قدر المعاناة من الرمال الساخنة والحر الشديد تكون في النهاية السعادة بنجاح العلاج والعودة من سيوة »مجبوري الخاطر«!.. وليست الرمال الساخنة هي فقط سر سيوة وإنما هناك المياه الكبريتية التي تمثل مع الرمال علاجاً لا مثيل له لمرض الصدفية والامراض الجلدية الصعبة واذا اضفت الي هذا المناخ آثار سيوة التي تخلد رحلة الاسكندر الاكبر لتقلد تاج الاله آمون وحمامات كليوباترا الكبريتية الي جانب جمال الطبيعة وطيبة وكرم وفنون وتقاليد اهل سيوة لأدركت انك امام كنز حقيقي لا يحتاج الا لخبير يرد الاعتبار لهذا الاقتصاد النائم.. أنا أعلم أن الحديث طويل ولن تكفي هذه المساحة الضيقة ولا عشرة أمثالها لرواية مآثر سيوة ولا روعة الرحلة.. لذلك سأواصل الكتابة لعل جهابذة السياحة المصرية يشقون الطريقة الي سيوة ويردون الاعتبار لها.. بعد ان يكتشفوا فيها اسرارا تجعل للحياة قيمة.. وسلام عليكم أهل سيوة.