شيء عظيم أن تستمر الجذوة الثورية مشتعلة في ميادين التحرير في أنحاء مصر المحروسة وهو ما تأكد تماما من خلال ما جري في جمعة الاصرار أو جمعة الغضب الثانية التي جعلت شعارها "الثورة أولا " وكان الشعار موفقا تمام التوفيق بعد ما تعرضت الثورة لخطر الانقسام بين "الانتخابات أولا" أو "الدستور أولا". وخيرا فعل الدكتور عصام شرف رئيس مجلس الوزراء بالبيان الشامل الذي أعلنه مساء السبت واستجاب فيه تقريبا وطبقا لما يملك من سلطات وامكانات لكل مطالب الثوار . لكن الرد الذي أعلنه موقع التواصل الاجتماعي "الفيسبوك" - والذي لا أعتقد أنه يصلح لحكم مصر - هذه المرة جاء مثيرا للدهشة . فقد جاء علي صفحة "ثورة الغضب المصرية الثانية" أن "أوامر الثورة هي جسد واحد لا يقبل التقسيم"، متسائلة "بعد خطاب عصام شرف... هل وجدت استجابة أو تنويه عن كثير من هذه الأوامر"، وهو الأمر الذي يشير ضمنيا إلي رفض الصفحة البيان والاستمرار في الاعتصام. وأعلنت تمسكها بالمطالب التسع الواردة في بيانها رقم 12 وأبرزها، الوقف الفوري للمحاكمات العسكرية للمدنيين، وإعادة محاكمة من تم محاكمتهم عسكريا من المدنيين امام محاكم مدنية، وحرمان أعضاء الحزب الوطني السابق من حق الممارسة السياسية لمدة 5 سنوات علي الأقل و تفعيل قانون الغدر، والإفراج الفوري والتام عن كل المعتقلين السياسيين وأصحاب الرأي من يوم 25 يناير وما قبلها الي يومنا هذا، والتطهير الشامل لكل مؤسسات الدولة ويشمل، تطهير جهاز الشرطة من كل القيادات السابقة في عهد حبيب العادلي، وحل جهاز الأمن الوطني (أمن الدولة سابقا)، وتطهير القضاء المصري، والنيابات العامة، وإقالة النائب العام الحالي، وتطهير الإعلام تطهيرا كاملا وتقديم ضمانات لاستقلاله، وتطهير الجامعات من عمداء ووكلاء أمن الدولة، والبنوك وباقي مؤسسات الدولة جميعا وعلي رأسها الحكومة من كل الفاسدين وخاصة من ينتمون الي الحزب الوطني المنحل الفاسد وأعضاء لجنة السياسات، وحد أدني وأقصي للأجور يبدأ من 1200 جنيه، وحل المجالس المحلية، واختيار محافظين مدنيين بالانتخاب وليس من رجال الشرطة أو الجيش سابقين ضمانا لمدنية الدولة، وتطهير الجامعات من عمداء ووكلاء أمن الدولة، والبنوك وباقي مؤسسات الدولة جميعا وعلي رأسها الحكومة من كل الفاسدين وخاصة من ينتمون الي الحزب الوطني المنحل الفاسد وأعضاء لجنة السياسات، والإفصاح عن خطط مدعومة بجداول زمنية للقضاء علي البطالة ومشكلة إسكان الشباب . وقد يكون ممكنا مناقشة هذه المطالب اما التعامل معها باعتبارها أوامر واجبة التنفيذ من المسؤولين عن ادارة الفترة الانتقالية سواء المجلس الأعلي للقوات المسلحة أو مجلس الوزراء فهو الأمر غير المنطقي فمعظم المطلوب لا يمكن تحقيقه بين يوم وليلة من جانب حكومة اتفقنا علي اعتبارها حكومة تسيير الأعمال أو من جانب مجلس عسكري أعلن منذ البداية أن يدير البلاد مؤقتا الي أن يتولي تسليم الحكم الي سلطة مدنية منتخبة ورئيس منتخب ديمقراطيا . وعلي سبيل المثال فان الوقف الفوري للمحاكمات العسكرية للمدنيين واعادة محاكمة من تمت محاكمتهم عسكريا أمام القضاء المدني يتطلب اصدار قوانين تحتاج الي وقت وكذلك حرمان أعضاء الحزب الوطني السابق من حق الممارسة السياسية يتطلب أيضا اعادة نظر فهناك من بين زعماء الثورة أنفسهم من كانوا أعضاء بل وقيادات في الحزب المنحل . ونفس الأمر يقال بشأن اقالة النائب العام الحالي علي رغم أن القانون والعرف يمنع عزل من يتولي هذا المنصب وكذلك اختيار المحافظين بالانتخاب وتطهير القضاء المصري والنيابات العامة والاعلام والجامعات والحكومة تطهيرا كاملا .. وأقسم بالله أنني لا أفهم مطلقا من الذي سيحدد الشخصيات الأولي بالتطهير وعلي أي أساس سيكون هذا التطهير هل سيكون علي أساس من القانون أم من غيره . ثم من الذي سيتولي وضع الخطط لوضع حد أدني للأجور يصل الي 1200 جنيه ؟. . وعلي أي أساس تم وضع هذا السقف ؟ وأليس ممكنا في ظل استمرار حال الفلتان والفوضي الضاربة في كل الأرجاء أن ينخفض سعر الجنيه المصري كثيرا فيصبح الحد الأدني المطلوب والمستهدف غير كاف ؟ . وكيف أيضا ستقوم الحكومة - وأي حكومة هي التي ستقوم - بوضع خطط مدعومة بجداول زمنية للقضاء علي البطالة وحل مشكلة اسكان الشباب ؟!. ولا يمكن فهم تحقيق كل هذه المطالب في مثل هذه الأوضاع الانتقالية الحرجة التي تعيشها البلاد بصراحة ما لم تكن مطلبا للمصريين جميعا بعد استفتاء شامل يشارك فيه الفيسبوكيون وغير الفيسبوكيين وبعده ينبغي أن يحدد لنا الشعب المصري كيفية تحقيق كل هذه المطالب أو الأوامر أو التهديدات أو التحذيرات أو الانذارات فلم يعد هناك فرق . انني لا أشك مطلقا في أن ثورة 25 يناير كانت ثورة الشعب المصري كله من أجل الانتقال بمصر الي مصاف الدول الكبري بالسير قدما وبسرعة في اتجاه الحرية والديمقراطية والعدالة . الحرية للجميع وليس لفئة دون الأخري علي أن تكون حرية مسؤولة تحترم حق الآخرين في الاستمتاع بالحرية ذاتها . والديمقراطية التي تحترم فيها الأقلية رأي الأغلبية والتي تحرص فيها الأغلبية علي الاستماع الي رأي الأقلية وتأخذه في اعتبارها . والعدالة التي هي أساس الحكم وهي تلك العدالة التي تتحقق طبقا لقوانين وأسس شرعيه مشروعة فلا توجد جريمة من دون نص .. هي عدالة للجميع وليست عدالة علي مقاس البعض دون البعض الآخر . وأعتقد أن المسؤولية اليوم ثقيلة للغاية علي عاتق الاعلام المصري القومي والخاص في ضرورة تبصير المصريين وتثقيفهم في الحقوق والواجبات حتي لا تتسبب الغفلة الاعلامية وغياب الموضوعية في اثارة الدهشة والرفض لبعض أحكام القضاء المصري النزيه والشريف بالبراءة لبعض المتهمين من رموز النظام الاسبق لمجرد أن الصحف ووسائل الاعلام لم تبين حقيقة القضايا التي تسرعت فيها النيابة العامه أيما تسرع في احالة قضايا كسيحة الي المحاكم دونما يقين من وجود أسانيد قانونية للاحالة . ولكن الصحف التي لا تنشر الا مرافعات النيابة وتتجاهل كل ما يقوله الدفاع تجعل الناس تتشكك في الأحكام بدلا من أن يعلن الجميع اعتزازهم بقضاء مصر الشامخ الذي لا يحكم الا بما يرضي الله . وتحذير أخير وشديد الأهمية لهؤلاء الذين يهاجمون القضاء اليوم من اللعنة عملا بحديث الرسول المصطفي صلي الله عليه وسلم : لعن الله قوما ضاع الحق بينهم . حفظ الله مصر وطنا للعدل والحرية والأمن والأمان.