هل شاهدت يوما إنسانا يحرق نقوده؟.. قد تكون رأيت مثل هذا المشهد في فيلم تليفزيوني، كإشارة إلي إصابة بطله بالجنون.. ولكننا للأسف نحن نشاهده بمصر علي أرض الواقع متجسدا في حرق المخلفات الزراعية دون أن ننعت صاحبها بالجنون، ربما لأنه لا يعرف، أو ربما لأنه يعرف، لكنه لم يجد من يحول معرفته إلي واقع تطبيقي. فالمخلفات الزراعية يمكن أن تتحول إلي دخل إضافي يزيد من اقتصاديات الفلاح المصري، لكنه بدلا من أن يفعل ذلك يقوم بحرقها مخلفا مشاكل بيئية. ويري الدكتور حامد الموصلي استاذ هندسة الإنتاج بكلية الهندسة جامعة عين شمس ان علاج تلك المشكلة بتحويل المخلفات الزراعية من ملوث بيئي إلي دخل اقتصادي، لن تقوم به الحكومات، وقال: " مهما قامت الحكومة بتوعية الفلاح، فلابد أن يدرك هو بنفسه مدي فائدتها ". وتشكل المخلفات الزراعية 06٪ من اقتصاديات الفلاح الصيني، بينما يستهلك الفلاح المصري 88 ألف فدان لتخزينها لحين القيام بعملية الحرق، وفقا لما أكده د.الموصلي. وأثمرت تجربة د.الموصلي بالوادي الجديد عن منتجات خشبية " كونتر - أرابيسك - باركيه من جريد النخيل. ويقول: " أثبتت تجارب أجريت علي هذه المنتحات بمعهد الأخشاب في ألمانيا أنها تضاهي نظيرتها التي تنتج من المصادر التقليدية، ورغم ذلك نستورد سنويا أخشاباً ب4 مليارات جنيه، دون تفعيل هذا المصدر الهام ". ويقول د.علي عز العرب الاستاذ بقسم الصناعات الغذائية بالمركز القومي للبحوث ان لديه فكرة لمكملات غذائية من قش الأرز، الذي سبق ونشرته "الأخبار". حصلت علي براءة اختراع من أكاديمية البحث العلمي يخلص مصر من مشكلة حرق قش الأرز، لأنه سيجعل هذا المصدر أغلي سعرا من الأرز نفسه. ويعتمد اختراع د.عز العرب علي وجود مادة " سكر عديد الذي لا يهضم ولا يمتص " بقش الأرز، وهي المكون الأساسي للمكملات الغذائية، وما يقوم به الباحث من خلال اختراعه هو الابقاء علي تلك المادة فقط بالقش دون المواد الأخري، باستخدام مادة قلوية مصرح بها في الصناعات الغذائية ، ليقوم بعد ذلك بطحن القش في صورة بودرة وتصنيعها في أقراص. وللقش استخدامات أخري ومن هذا الاستخدام للقش إلي استخدام آخر كان قد أعلنه العالم المصري بجامعة كندا د.أشرف الدماطي. وكان العالم المصري وهو استاذ في الهندسة الإنشائية قد أشار في ندوة يوم 9 ديسمبر الماضي بمقر غرفة تجارة الإسكندرية إلي قيامه بعمل بحث عن كيفية استخدام قش الأرز في صناعة الخرسانات للتخلص من مشاكله والاستفادة منه. وأوضح أن طن القش يحتوي علي 150 كيلو من مادة السيلكا، حيث يخرج القش 90٪ سيليكا، وهي مادة سريعة التفاعل مع الأسمنت وتقاوم تآكل الحديد. وتصدر هذه المادة للدول الأوروبية والبلاد الساحلية ودول الخليج، وهي غالية الثمن حيث تصل قيمة الطن إلي 400 دولار بخلاف عدم توافرها في الأسواق العالمية والمحلية، وهو ما يجعل المشروع عالي الربحية. بديل الفحم النباتي الأمريكي ورغم مرور ما يقرب من شهرين علي إعلان د.الدماطي لهذا الاستخدام، إلا ان أحدا لم يحرك ساكنا، ويبدو انه لن يحدث جديد، تماما كما حدث في تجربة إنتاج الفحم النباتي من حطب القطن التي خرجت من المركز القومي للبحوث قبل خمس سنوات. وتوصلت هذه التجربة إلي أن حطب القطن، وهو مخلف زراعي تصل كميته السنوية إلي 2 مليون طن، يمكن ان يستخدم في إنتاج فحم نباتي يضاهي نظيره الأمريكي المصنع من خشب الأشجار وقشرة جوز الهند، والذي يستورد لاستخدامه في العديد من الصناعات وأشهرها صناعة تكرير السكر. لكن وبدلا من أن تدخل هذه التجربة حيز التنفيذ الصناعي ما زلنا نحرق حطب القطن، ونستورد الفحم النباتي من أمريكا. والسؤال: متي تري هذه الافكار النور؟ وإذا لم تكن هناك نية لأن تري النور، فما فائدة البحث العلمي إذن؟