كعادته في اتباع التحولات الدرامية في سياساته، فاجأ الرئيس السوداني عمر البشير الجميع من العاصمة الروسية موسكو بدعوته إلي انشاء قاعدة عسكرية روسية علي الأراضي السودانية لحمايتها مما أسماه بمؤامرة أمريكية علي الخرطوم، وهي التصريحات التي شكلت زلزالا في الرأي العام السوداني والعالمي، لأنها جاءت في وقت وصف بالأفضل في علاقات السودان والولاياتالمتحدة علي مدار 30 عاما، بعد رفع واشنطن العقوبات الاقتصادية عن الخرطوم في أكتوبر الماضي. اختيار البشير لروسيا كأول دولة يزورها خارج المحيط العربي والافريقي منذ اصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرة اعتقال بحقه عام 2009، شكل دلالة هامة علي رغبة السودان في توطيد علاقاته مع النظام الروسي ومحاولته كسب حليف جديد يزداد نفوذه داخل الشرق الأوسط، ولم يفوت الرئيس السوداني فرصة الزيارة التي استمرت 4 أيام دون الحديث عن مجالات تعاون كثيرة أهمها الجانب العسكري. وكان لافتا خلال الزيارة اللهجة الحادة من جانب البشير تجاه السياسات الأمريكية بعد أشهر من التهدئة دون سبب معلن أو حتي واضح حيث أشار البشير إلي السياسات الأمريكية، وقال إن »معلومات متوفرة لدينا تشير إلي نيات الولاياتالمتحدة تقسيم السودان إلي خمس دويلات، إن لم نحصل علي الحماية»، واشتكي من »ضغط كبير ومؤامرة أمريكية» يتعرض لها السودان، واتهم واشنطن بأنها »نهبت العالم العربي» في السنوات الأخيرة، كما قال خلال محادثاته مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في سوتشي الخميس الماضي، إن انفصال جنوب السودان عام 2011 جاء نتيجة السياسة الأمريكية، ودعا بوتين إلي بحث التدخل الأمريكي في منطقة البحر الأحمر. العنوان الذي استحوذ علي وسائل الاعلام حول زيارة البشير الأولي لموسكو كانت عرضه اقامة قاعدة عسكرية روسية علي البحر الأحمر وجاء الرد الروسي عن طريق فرنتس كلينتسيفيتش، النائب الأول لرئيس لجنة الدفاع والأمن في المجلس الاتحادي الروسي، بالقول إنه لا أسباب أمام روسيا لرفض هذه الفكرة. ردود الأفعال داخل السودان علي زيارة البشير لروسيا وتصريحاته المثيرة تفاوتت ما بين تقليل وزير الخارجية إبراهيم غندور من وطأة التصريحات عبر التأكيد علي أن التعاون العسكري بين البلدين ليس جديدا، وانتقاد حزب الموتمر الشعبي المشارك في حكومة الوفاق الوطني لتصريحات البشير واعتبارها تضر بعلاقات السودان الخارجية. أما رد الفعل الأمريكي فلم يظهر حتي الآن وهو ما اعطي انطباعا إلي مراقبة واشنطن ما بعد تصريحات البشير خاصة ان تاريخ الرئيس السوداني يحفل بتأرجح تحالفاته الاقليمية، إلا أن بعض المحللين السودانيين حذروا من وصول العلاقات مع أمريكا لنقطة العداء وفرض العقوبات بعد شهرين فقط من رفعها.