كتبت الأسبوع الماضي، مقترحا علي من يضعون أسس الدولة المصرية المدنية العصرية.. دولة ثورة 52 يناير، أن لا نعتمد التوجه العشوائي بالاكتفاء بأن ما حدث من تحقيقات ومحاكمات وتجريس سيكون عبرة للحكام والمسئولين القادمين.. وإنما الأصح أن نحول كل ما استفدناه من دروس ما حدث إلي مواد دستورية وقوانين تحكم عمل قيادات الدولة، بصورة محددة، يحاسبون علي أساسها. دفعني إلي ما كشفت عنه التجربة من عدم وجود أساس قانوني متفق عليه لمحاسبة الرئيس السابق ومعاونيه سياسيا، أي علي السياسات التي اتبعها، والتي أدت إلي التدهور الشامل لكل نواحي حياة البلاد والشعب، والاكتفاء بالمحاسبة علي التربح بسبب المنصب، وقتل المتظاهرين المسالمين، وهي جرائم يحاسب عليها أصغر موظف في الدولة. لذلك، اقترحت ضرورة التحديد الدقيق لمهمة كبار المسئولين: رئيس الجمهورية ورؤساء الحكومات والوزراء والمحافظين ومن في حكمهم.. بأن تكون حسن إدارة البلاد، كل في حدود مسئوليته، »بالاستثمار الأمثل لموارد البلاد البشرية والطبيعية والمالية، بما يؤدي إلي الارتقاء الدائم بالوطن في جميع النواحي، والرفع المستمر لمستوي معيشة الشعب بجميع »أفراده« وتطبيقا لذلك اقترحت ان تعدل صيغة القسم الحالي الذي يقسمه رئيس الجمهورية ورؤساء الحكومات والوزراء والمحافظون، وكل من يتوجب عليه أداء القسم، بتضمينه هذه المهام بالتحديد. 2 تضخم سلطات الوزراء: وإذا كان الرئيس الحاكم الفرد، قد حول الوطن إلي عزبة خاصة يتصرف فيها وبمن فيها كما يشاء، فإن نظرية العزبة امتدت إلي الوزارات، فالوزراء ورئيسهم الذين لم يكونوا يعرفون لماذا يجيئون ولماذا يخرجون.. ويقفون أذلاء خائفين أمام الرئيس.. تحولوا إلي انصاف آلهة في وزاراتهم التي أقطعهم إياها ولي النعم، يتصرفون في أمورها وموظفيها، مهما كانت مراكزهم، تعرف السيد بالعبيد. إن سلطات الوزير- وكذلك المحافظ، ورئيس الهيئة والمؤسسة- يجب أن تحدد، بحيث يحاسب إذا تجاوزها. 3 استقلالية الهيئات والمجالس: لماذا يرأس وزير الاسكان هيئة المجتمعات العمرانية، ولماذا يرأس وزير الزراعة هيئة التنمية الزراعية، ولماذا يرأس وزير السياحة هيئة التنمية السياحية، نفهم أن يرأس الوزراء اجتماعات هذه الهيئات بروتوكوليا، أما أن تكون لهم صلاحية القرار الحاسم فيما تبحثه، فهذا خطأ بالغ، لأنه يحمي مجالسها من المساءلة، ويحملها للوزير، لقد لاحظنا كيف صار وزراء الاسكان والسياحة مسجونين، لأنهم تصرفوا في الأراضي التي تحت تصرف هذه الهيئات، ان النظام الذي يورط وزراءه ليس نظاما عادلا، لتتحمل مجالس هذه الهيئات مسئولية قراراتها، وتحاسب أمام مجلس الشعب، وليس أمام الوزراء، هذا يضمن الصالح العام، ويبعد نهائيا الأهواء الشخصية للوزراء وغيرهم. ينطبق نفس الشئ علي المجالس العليا للثقافة، وللتعليم، وللجامعات، وللصحة وللبحث العلمي إلخ.. بعد أن يعاد تشكيل هذه المجالس، ليس من الوزراء السابقين كما جري في الصحة وجزئيا في التعليم، وإنما من قمم هذه المجالات، وبحيث تكون هي أجهزة التخطيط المتابعة المعتمدة.. التي ينفذها ويلتزم بها الوزراء. 4 حصانة الموظف العام: يفترض - حتي تكون دولة حديثة- أن يكون لكل وظيفة كتالوج خاص بها: يحدد طبيعة الوظيفة، الشروط الواجب توافرها في شاغلها، المزايا التي له، الحوافز الايجابية في حالة النجاح في أدائها. الحوافز السلبية أو الجزاءات في حالة الإخفاق، الجهة التي تتخذ القرار ونظام عملها، وجهة التحكيم عند الاختلاف. يكمل كل ما تقدم اضفاء حصانة علي الموظف العام في المستويات الإدارية - من مدير فما فوق- تحميه من أهواء الرؤساء، التي نعاني منها الآن، حيث يرفع الوزير أو رئيس الهيئة من يشاء ويخفض من يشاء.. وينصف من يشاء ويظلم من يشاء، فالموظف العام، وخاصة في المراكز القيادية لابد ان يحاط بالاحترام والتقدير- مادام يؤدي واجبه باخلاص وأمانة- حتي يخدم المواطنين بنفس الروح. تستاهل.. يا برعي قلنا لك حل اتحاد عمال الحزب الوطني وأمن الدولة، وأجر انتخابات ديمقراطية حقيقية لإعادة بناء اتحاد نقابات يعبر عن إرادة العاملين ويوحد صفوفهم، لكنك رقصت علي السلم.. فنلت منهم ما نلت في جنيف!