نعيش هذه الفترة حالة ثورية.. نكتشف فيها كل أمراض حكم الفرد، والآثار المدمرة للزواج غير المقدس بين السلطة والمال.. مشغولون بالتحقيقات والمحاكمات.. وأرقام الثراء الفاحش.. المحرم، وأيا ما كان طول هذه الفترة الثورية، فانها ستنتهي بصدور الأحكام.. ومجئ النظام الجديد.. ثم ماذا؟ هل سنكتفي بأن ما حدث سيكون عبرة لمن سيتولون حكمنا بعد ذلك؟.. أم نمعن النظر في كل ما حدث، ونبلور دروسه المستفادة بدقة، ونحولها إلي مبادئ دستورية، وقوانين تنظم حياتنا.. بدل أن نترك ذلك لتقدير من سيجيئون بعدنا؟ أعتقد أن أقصي استفادة من دروس تجربة ثورة 52 يناير، وما ترتب عليها، هو واجب وطني وثوري، لرسم طريق المستقبل، وحماية الوطن والشعب من تكرار ما حدث، وسأجتهد في طرح بعض النقاط، علي أمل أن نفتح نقاشا يغتني بمساهمات من يهمهم الأمر: 1 جهاز الكسب غير المشروع: الآن عرفنا أن لدينا جهازا للكسب غير المشروع. يحاسب علي تضخم الثروات، والتربح من الوظيفة العامة، ويصدر أوامر بالحبس والاحالة فأين كان هذا الجهاز طوال العقود الماضية.. رغم أنه رسميا كان موجودا؟ الاجابة التي يمكن تخمينها.. ان هذا الجهاز، لأنه يتبع وزير العدل، فهو يخضع للوزير ومدي ممالأته لمن يعينه، وهو الرئيس، لذلك لم نسمع له حسا في عهد وزراء عدل يسخرون أجهزتهم لخدمة النظام الذي قنن الفساد، ورئيسه أس الفساد، لكن عندما تغير الحال، وجاء وزير مختلف، أعطاه الضوء الأخضر، مع ضغط ميدان التحرير.. فظهر وحدث ما حدث الآن من أعاجيب، لكن هل يصح ان نبقي علي القاعدة التي تحكمه حاليا، تحت رحمة وإرادة وزير العدل.. أم نطالب باستقلاليته التامة عن السلطة التنفيذية، التي يحاسبها.. ليصبح جزئيا من السلطة القضائية المستقلة؟ جانب آخر: لقد وقف محققو الجهاز عاجزين أمام زكريا عزمي وهو يبرر تضخم ثروته، بأنها من الهدايا التي تقدم له، فالقانون ليس فيه مادة عن تحريم قبول الموظف العام لهدايا.. ولا أنه يتحتم عليه ان جاءته هدية، أن يسلمها للدولة.. ان هذا موجود في قوانين كل الدول الديمقراطية، لكنه غير موجود عندنا، لذلك، لابد من اعادة تدقيق قانون الكسب غير المشروع. 2 مساءلة الرئيس عن ماذا؟ الرئيس الساقط يحاكم عن جريمتين: استغلال وظيفته في التربح هو وعائلته وأصدقاؤه.. ومسئوليته عن اطلاق الرصاص وقتل مئات المتظاهرين المسالمين.. بينما ثوار يناير ومعهم كثيرون من رجال السياسة والقانون يطالبون بضرورة محاكمته، مع كل من تولوا المسئولية الأولي، سياسيا، أي عن افساد الحياة السياسية للبلاد، بالعبث بالدستور، وتزييف إرادة الشعب، بكل ما ترتب علي ذلك، من صرف الشعب عن المشاركة، واضعاف القوي السياسية المعارضة، وفرض الحزب الواحد علي الجهاز الإداري، والنقابات والتعاونيات.. إلخ، وان كنت افضل توسيع دائرة مساءلة رئيس الجمهورية ورؤساء الحكومات والوزراء عن مدي حسن أو سوء إدارة البلاد. فالسلطة التنفيذية مسئولة عن الادارة العامة للبلاد، وهذه يجب ان تحدد في الدستور وصلاحيات الرئيس والحكومة وكل وزير في مجال اختصاصته، بأنها: »الاستثمار الأمثل، القائم علي العلم، لموارد البلاد الطبيعية والبشرية والمالية، بما يحقق الارتقاء المطرد للبلاد، في جميع مناحي الحياة، والرفع المستمر لمستوي معيشة كل أفراد الشعب.. ومن لا يحقق لك، يكون مقصرا في أداء واجبه، اما من يؤدي أداؤه إلي عكس ذلك، فيكون حسابه عسيرا بقدر ما اصاب البلاد والشعب من أضرار.. بعقوبات محددة، ينص عليها قانون مساءلة رئيس الجمهورية والحكومات والوزراء ومن في حكمهم. فمبارك وأعوانه يجب محاكمتهم علي ما أوصلوا إليه البلد والشعب بعد ثلاثين سنة من انفرادهم بالحكم: لقد تركوا البلاد غارقة في مياه الصرف الصحي، التي لوثت نهر النيل والترع والمصارف والبحريات، بما فيها من أسماك، مما أدي إلي اصابة عشرات ملايين المصريين بأخبث الأمراض، لم يحلو مشكلة الإسكان وتركوا ملايين المصريين يشاركون الموت في المقابر أو يعيشون حياة بائسة في غابات من العشوائيات شوهت الوجه الحضاري لمصر، وبينما تركوا عشرات من المحاسيب ينهبون ثروات البلاد، تدني مستوي معيشة الشعب حتي صار أكثر من نصفه تحت خط الفقر، التعليم تردي والأمية تفاقمت، والبحث العلمي أهمل، وصرنا نستورد نصف غذائنا بسبب اهمال الزراعة، وتبديد الأرض والافقار المستمر للفلاحين.. وهكذا في كل نواحي الحياة، انها جرائم في حق البلد والشعب، لابد ان يحاسب عليها مبارك واعوانه.. والذين سيأتون بعدهم. 3 لذلك نقترح ان تعاد صياغة القسم الذي يقسمه رئيس الجمهورية والوزراء، لأن القسم الحالي فضفاض.. بحيث تتضمن الصيغة الجديدة تحديدا أكثر دقة وشمولا لما يساءلون عنه.