عندما تولي كافور الاخشيدي حكم مصر حدث زلزال عظيم ارتجفت منه البلاد فتثاءب كافور وظن انه سوف يقتل ان تولي الحكم فاعتكف ورفض تولي الحكم فتقدم احد الشعراء المصريين وكتب قصيدة يقول فيها: ما زلزلت مصر من شر يراد بها.. لكنها رقصت من عدله طربا. فانتعش كافور وانبسطت اساريره وباشر سلطات الحاكم.. ذلك لون من النفاق الصريح الذي تخصص فيه بعض الكتاب والصحفيين ولاتزال ذريتهم تتناسل حتي يومنا هذا، لهم من الجسارة والجرأة ما يستطيعون بها قلب الحقائق وصناعة الطاغية، وقد تكرر ذلك في مناسبات عديدة ولايزال. لكن ما كان هزلا في سابق الايام لم يعد مقبولا اليوم، فقد انتفض الشعب المصري بعد آلاف الاعوام من حكم الطغاة فانزل الحاكم من علي كرسيه وجرجره إلي قفص الاتهام هو واسرته وتلك سابقة لم تحدث في تاريخ العرب! نحن الآن بصدد صياغة سياسة لا تقتصر علي مصر فقط ولكنها سوف تلقي بظلالها علي كل الاقطار العربية، بل علي كل بلدان العالم الثالث لتتبوأ مصر مكانتها التاريخية بما سوف تصدر من دستور ينظم العلاقة بين السلطات ويعيد إلي الشعب حقوقه السياسية ويجعله شريكا في الحكم يولي ويعزل طبقا لبرامج سياسية. لكن ما يحدث من بعض الكتاب الذين تناسلوا من الشاعر الذي مدح كافور الأخشيدي هو أمر يصيبنا بالغثيان، فمن أين لهم هذه الجرأة، فقد كانوا بالامس يلعقون أحذية رجال السلطة السابقة وينشئون فيهم مقالات النفاق وقصائد الابتذال التي زكمت الانوف ومن اموال الشعب المكدود يتلقون العطايا من النفايات التي تسقط من موائد أسيادهم؟! فلما كانت الثورة التي أطاحت بكل رموز الاستبداد وكل نجوم النهب العام تحول هؤلاء الكتاب دون حياء لكي يلعنوا أسيادهم القدامي ولانهم لا يستطيعون العيش دون سيد يلعقون حذائه ويتلقون عطاياه فانهم يحاولون من الآن ان يصنعوا من المجلس العسكري سادة جددا لانه لا تطيب للعبد حياة دون سيد.. فأين حمرة الخجل؟! لقد فات هؤلاء الكتاب أن المشير طنطاوي والمجلس العسكري وضباط وجنود القوات المسلحة قد انحازوا من اللحظة الحاسمة إلي الشعب المصري وثورته الرائعة وطبقا لشهادة الدكتور احمد فتحي سرور رئيس مجلس الشعب المنحل فان المشير حسين طنطاوي في اول اجتماع عقده الرئيس السابق حسني مبارك لاركان دولته اثناء الاحداث قال انه لن يطلق النار علي الشعب المصري كي يقطع الطريق امام الرئيس المخلوع مبارك الذي كان يريد استغلال القوات المسلحة ضد ابناء الشعب المصري فيكون هذا الرجل قد أخذ الموقف الذي يتفق مع تاريخه العسكري المشرف والذي يضعه ومعه قادة ورجال القوات المسلحة في اعلي مكانة من الناحية الوطنية. فليكف هؤلاء الكتاب الذين أدمنوا النفاق والرياء عن محاولاتهم البائسة لصنع الطغاة والاسياد، لقد تغير الزمان وتغير الرجال.. وإلا فإننا سوف نضطر إلي فضح تاريخ كل واحد منهم وهو تاريخ ينضح بالمخازي. لم يقتصر نطاق من تخصص من الكتاب والصحفيين من ذرية الشاعر الذي نافق كافور الاخشيدي علي قادة المجلس العسكري، بل تعداه اطراء ومديح لشباب الثورة، وفي لحظة انقلابية اعلامية ازدحمت القنوات الفضائية وبرامجها المتعددة والمتشابهة، بل المكررة استضافة مجموعات من إئتلاف شباب الثورة لتحيتهم وتكريمهم علي طريقة تكريم المنتخب القومي ببطولات افريقيا، مع الفارق ان ابطال الكرة الافريقية كانوا يحصدون المكافآت المالية والهدايا الذهبية والسفريات والرحلات واصبحوا نجوما فوق العادة، يقابلون بالتكريم والترحاب اينما حلوا، ويتصدرون المشهد في وسائل الاعلام كافة ثم بعد ذلك كان الخروج المهين من البطولة! لا نريد لثورتنا ان يعبث بها المنافقون والفاسدون واصحاب المصالح الخاصة، بل من يريد إلهاء الثورة وابعادها عن تحقيق اهدافها التي قدمت في سبيلها تضحيات عظيمة لا يقدر علي تقديمها سوي الاحرار الصادقين. دورنا كاعلاميين هو كشف وإبعاد اصحاب المحاولات التي لا تهدأ أو تتوقف للقفز علي هذه الثورة لتحقيق اهدافهم ومصالحهم هم وليس اهداف الثورة.. ثورة الشباب بل ثورة كل أبناء مصر وجيش مصر حامي هذه الثورة وهذا عهدنا به. دورنا ألا نفسد هذا الشباب بإغرائه بمنافع شخصية ضيقة وهزيلة بتقديم مناصب شخصية أو استشارية أو استقطابه في محاولات لا تتوقف لتفريغ هذه الثورة من مضمونها واحتوائه في تشكيلات وندوات ومؤتمرات وحوارات- هي مطلوبة وضرورية- لكن يجب ألا تكون هدفا بل يجب ان تكون وسيلة للوصول إلي خطط واهداف محددة.. لا ينبغي ان تهدف إلي تفريغ شحنات وافكار حتي تهدأ القوي الثائرة المجروحة أو تغذية الصراعات والخلافات بين شباب ائتلافات الثورة لتفتيت جهودهم بل تجميع جهودهم كما تهدف مبادرة »الأخبار«. الثورة اصبحت ثورة الشعب.. كل الشعب بكل فئاته وطبقاته واطيافه وألوانه السياسية، فلنبتعد عن محاولات الاقصاء لأي فئة أو فصيل سياسي إلا من أجرم في حق الشعب، تريد تجميع كل الجهود وان نتيح كل الفرص للجميع لكي يشارك، فقط نريد ان نوجد اتفاقا حول آليات ومراحل العمل الوطني في كل المجالات وصولا لتحقيق اهداف ثورتنا جميعا ثورة الشعب المصري العظيم. أقول لشباب الثورة، بل لكل شباب مصر ان المشاركة في ابداء الاراء والحوارات مطلوبة وضرورية لكن ما يحدث فيها خاصة في الفضائيات والاذاعات والصحف علي اختلاف توجهاتها. ليس بهذا الشكل والمضمون. فقد اصبح تواجد الشباب في هذه البرامج بصورة مكثفة وباعداد كبيرة وباراء مختلفة توحي بوجود خلافات بينهم علي تحقيق اهداف الثورة، خاصة بعد ان اصبحت لغة التخاطب مجردة من كل ما تعلمناه عند مخاطبة الاخر فاصبح الحوار بالاسم مجردا من عبارات الاحترام وهذه ابسط قواعد الحوار خاصة ان امام الشاشات شباب واطفال يتعلمون من هؤلاء المتحدثين ويقلدونهم لانهم شباب الثورة العظيمة! ايضا ألغيت المسافة بين اعمار الشباب ومن يدير الحوار أو باقي الضيوف من كبار السن والخبرة تخاطب بالاسم فقط! طريقة الكلام أصبحت بالامر وبطريقة متعالية لشباب في العشرينيات يخاطبون كبارا علي الاقل في السن، لهجة آمرة ناهية مقررة لكل امر يجري الحوار فيه، حتي طريقة الجلوس تشعرك بأنك ليس في مصر. خمسة من الشباب معهم شابة يجلسون واضعين ساقا فوق ساق وظهورهم إلي الخلف يناقشون المذيعة باسمها مجردا من كل الالقاب!! صدمت لتكرار المشهد.. هل بدأ الاعلام في إفساد الثوار الذين لم يتأثروا بطغيان وفساد النظام السابق.. مشهد آخر اعتقد انه من المندسين بين شباب الثوار وهو ارهاب المسئولين بأن الشاب من شباب الثورة ويجب ان يوافق علي طلبه فورا وإلا يطالب بإقالته من منصبه وذلك حدث بالفعل أمامي مع قاموس شتائم!! اذا كان بعض المنافقين والمفسدين يساهمون فيما يحدث الآن من عمليات نفاق فإننا نتذكر ونذكر كتابا واصحاب رأي واجهوا بشجاعة كل صنوف الترهيب والترغيب والظلم والتنكيل وما وهنوا وما استكانوا ولم يتغيروا بل ظلوا صامدين حتي تحققت الثورة.