كتب محمد عبد الفتاح: بالكشف عن 470 ألف وثيقة أو يزيد، أسقطت المخابرات المركزية الأمريكية »IA ورقة التوت الأخيرة عن أسامة بن لادن الزعيم المؤسس لتنظيم القاعدة. الوثائق حصلت عليها فرقة مشاة البحرية الأمريكية التي قضت علي بن لادن في مخبئه بمدينة »أبوت آباد» الباكستانية، الثاني من مايو 2011، وتكشف الكثير عن شخصية زعيم التنظيم الإرهابي وكيف بدأ طريق الإرهاب، وما كان يخطط له من هجمات أخري علي غرار ما شهده العالم، خلال العقد الأول من الألفية الحالية، في واشنطنونيويورك ولندن ومدريد. تنوع الوثائق الوثائق تنوعت ما بين الصوتية والمرئية والمكتوبة بخط اليد، والفيديو الأبرز فيها خاص بحفل زواج ابنه حمزه الذي يوصف بأنه »ولي عهد الجهاد»، ويُعتقد بأن حمزة، الابن المفضل لابن لادن والذي رفض والده مشاركته في العمليات الإرهابية عدة مرات كي يكون »أميرا» علي رأس التنظيم من بعده طبقاً للوثائق، يبلغ من العمر الآن 27 أو 28 عاماً ويبقي مكان تواجده مجهولا، حيث أنه لم يكن متواجداً في باكستان حينما شنت القوات الأمريكية الغارة علي والده. ويصف حمزة نفسه في إحدي الرسائل لوالده بأنه »مصنوع من فولاذ»، وعلي أتم الاستعداد ل»النصر او الشهادة»، وفي رسالة كتبها في يوليو عام 2009 بينما كان تحت الإقامة الجبرية في إيران، يتضح أن أنصار والده أرادوا نقله إلي أبوت آباد، ولكن ذلك تعذر عليهم، وفي الرسالة أيضاً » ما يؤلمني هو أنني أري جحافل المجاهدين تسير ولا أستطيع اللحاق بهم». وطبقاً لبيل روجيو وتوماس جوسلين، الباحثين في المؤسسة الأمريكية للدفاع عن الديموقراطية واللذين اطلعا علي الكثير من الوثائق، فإن نموذج الإخوان المسلمين، علي مستوي الفكر والتنظيم، كان ملهما لابن لادن، حيث توجد وثيقة بخط يده تؤكد تأثره بجماعة الإخوان »والتزامه معها رغم مناهجهم المحدودة»، علي حد تعبير بن لادن في إحدي الوثائق. وتكشف رسالة كتبها بن لادن بخط يده عن »أول خروج للجهاد في المرحلة الثانوية وكان ذلك في عام 1976.. إلي حزب أرباكان)، وحديث بن لادن هنا عن حزب نجم الدين أرباكان رئيس الوزراء التركي والعضو بالتنظيم الدولي لجماعة الإخوان (توفي عام 2011) ويعتبر المعلم الأول للرئيس التركي رجب طيب إردوغان. وفي الرسالة يشتكي بن لادن من قلة خبرة من أرسلوه إلي تركيا، حيث طار إلي سوريا ومنها استقل حافلة إلي مدينة أنطاكية التركية لمدة 12 ساعة، قبل أن يستقل حافلة أخري إلي اسطنبول، بينما كان من الممكن أن يستقل الطائرة لمدة ثلاث ساعات فقط من جدة إلي اسطنبول. كما يوضح الباحثان الأمريكيان، في حوار مع صحيفة النيويورك تايمز، أن ما نشرته المخابرات الأمريكية كشف العلاقة الوطيدة بين تنظيم القاعدة وقطر وعلاقة أخري معقدة مع إيران، كما يوضح أن التحالف بين الدوحةوطهران الذي ظهر للعلن مؤخراً يعود لعقود مضت. الصف الأول من بين الوثائق واحدة من 19 صفحة، كتبها أحد مساعدي بن لادن المقربين، وتحتوي علي »تقييم» لعلاقة الجماعة مع إيران. ويوضح كاتب الوثيقة، وهو »من قيادات الصف الأول» أن إيران عرضت علي تنظيم القاعدة »كل ما يلزم،» بما في ذلك »المال والسلاح» و»التدريب في معسكرات حزب الله في لبنان، بشرط أن يتم استخدام كل ذلك لضرب المصالح الأمريكية في السعودية والخليج». وأوضح الكاتب أن القاعدة ليست في حرب مع نظام الملالي وأن بعض »المصالح تتقاطع،» وخصوصاً عندما يتعلق الأمر »بالعداء مع أمريكا». ويشير توماس جوسلين أن التناقض في العلاقة بين القاعدة وإيران يظهر في تسهيل المخابرات الإيرانية سفر بعض عناصر القاعدة بتأشيرات الدخول، وكذلك إيواء آخرين، حيث ساعدت أبو حفص الموريتاني، قبل 11 سبتمبر، ومساعدتهم علي إيجاد ملاذ آمن داخل إيران، وفي الوقت نفسه هناك وثيقة بخط يد بن لادن موجهة للمرشد الأعلي علي خامنئي يطالبه فيها بالإفراج عن ابنه حمزة، الذي يبدو أن الإيرانيين احتجزوه كما أن هناك وثيقة أخري توضح أن القاعدة اختطفت دبلوماسياً إيرانياً لمقايضته برهائن من التنظيم لدي طهران. خلافات مذهبية ورغم الخلافات المذهبية بين القاعدة وإيران، والتي تصل إلي حد تكفير كل منهما الآخر، وهو ما ظهر في بعض الوثائق، إلا أن بن لادن حذر رفاقه في وقت ما من »تهديد إيران». وفي رسالة أخري، وصف بن لادن إيران بأنها »الشريان الرئيسي للأموال، والموظفين، والاتصالات»، لتنظيم القاعدة. بالنسبة للدور القطري في دعم وتمويل العمليات الإرهابية والكلام مازال للباحثين الأمريكيين، فتكشفه الوثائق من خلال الحديث عن شخص يوصف بأنه »ممول القاعدة» ويُدعي سليم حسن خليفة راشد الكواري، المتهم »بتحويل مئات الآلاف من الدولارات لتنظيم القاعدة من خلال شبكة إرهابية». ويعمل الكواري في الحكومة القطرية وتحديداً بوزارة الداخلية، رغم وضع السلطات الأميركية اسمه علي لائحة المتهمين بتمويل الإرهاب بشكل رسمي عام 2011 وتحقيق السلطات القطرية معه مرتين، لكن لم تُوجه له اتهامات بل وأعيد في المرة الأولي إلي وظيفته. شبكة تمويل وأشارت الوثائق إلي أن الكواري، البالغ من العمر 37 عاماً متورط في »الدعم المالي واللوجستي لتنظيم القاعدة». وتتهم واشنطن الكواري في الوثائق بالعمل مع قطري آخر اسمه عبدالله غانم الخوار، بشبكة تمويل، وأن الأخير عمل علي تسهيل انتقال عناصر إرهابية بل وساهم في الإفراج عن عناصر من القاعدة في إيران. وقام الكواري والخوار بتسهيل السفر للمتطرفين الراغبين في الذهاب إلي أفغانستان للقتال هناك. ومن الأسماء الأخري التي وردت في الوثائق، ومسجلة علي اللائحة السوداء في الولاياتالمتحدة والأمم المتحدة، عبد الرحمن بن عمير النعيمي، المتهم بتحويل 1.25 مليون جنيه استرليني شهرياً إلي مسلحي القاعدة بالعراق، و375 ألف جنيه لجبهة النصرة (فرع تنظيم القاعدة) بسوريا. وثائق »أبوت اباد» كشفت أيضاً عن أبعاد الدور القطري وذرعها الاعلامي المتمثل في قناة الجزيرة في تنظيم القاعدة واعتبارها جهة مفضلة لعناصر وقيادات التنظيم. وهو ما برز من خلال رسالة مطولة وجهها بن لادن، قبيل مقتله إلي زوجته الصغري خيرية صابر، خلال استضافتها في إيران مع ابنها حمزة، ضمن عدد كبير من قيادات القاعدة وأسرة بن لادن، والممهورة بتاريخ الجمعة 30 صفر 1432ه، وقال فيها: »ذكرت في رسالتك أنهم كانوا يقولون بأنهم إما أن يسفروكم إلي قطر أو سوريا.. فما الرأي الذي أبداه محمد وإخوانه وأنت وحمزة عند ذلك.. وهل طلبت الذهاب إلي قطر؟ وإن طلبت فبماذا ردوا؟ والمراد أن نفهم هل تعمدوا إخراجكم إلي هذا الاتجاه لمتابعة مسيرتكم حيث إنهم توقعوا مجيئكم إلي؟». وفي خطاب إلي زوجته بإيران مؤرخ مطلع 2011، يقول بن لادن: »نحن ننتظر الذكري العاشرة لغزوتي نيويوركوواشنطن المباركة، فبيننا وبينها ثمانية أشهرونصف، ولاتخفي عليك أهميتها وأهمية استغلالها إعلاميا.. ولقد تواصلت مع الاخوة علي أن تبدأ الجزيرة تغطية تلك الأحداث. مريض بارانويا الوثائق كشفت أن بن لادن كان مصاباً بمرض جنون الارتياب المعروف علمياً باسم البارانويا، ومن شدة خوفه من غارات الطائرات الأمريكية بدون طيار، كان يطلب من أنصاره عدم التحدث إليه تلفونياً أو إرسال إيميلات، وكذلك عدم اجتماع القيادات، وبحسب مصدر بالمخابرات الفرنسية لصحيفة لوفيجارو اليومية، فإن بن لادن كان لديه »خوف مرضي من براغيث ألكترونية مخبأة في ملابس زوجته»، وأنه أخضعها ذات مرة لفحص أمني دقيق علي يد طبيب أسنان، عضو بالتنظيم، بعد عودتها من إيران، حيث كان يخشي من تجسس المخابرات الإيرانية عليه. جيفري أنشوكايتيس، المتحدث باسم إدارة المخابرات الأمريكية، كشف لصحيفة لوفيجارو أيضاً عن العثور علي كم كبير من وثائق بن لادن تخص فرنسا، إذ كان من الواضح أن يخطط لاستهدافها بقصد »تركيعها اقتصادياً»، ويؤكد عدد من الوثائق أن بن لادن كانت لديه فكرة »هجوم اقتصادي علي باريس لعل ذلك يُحدث انهيارا اقتصادياً وبائياً ينتقل لباقي العالم الغربي»، وكان من اللافت العثور في مخبأ بن لادن علي تقارير هامة عن الاقتصاد الفرنسي، وأبرزها تقييم صادر عن بنك »رابوب بنك» الهولندي، كما تم العثور علي مرجع اقتصادي هام صادر بالفرنسية عام 1925 بعنوان »فرنسا اقتصاديا واجتماعيا» (تأليف هنري سييه)، وكذلك دراسة أمريكية باللغة الإنجليزية صادرة بعنوان »هل تسببت فرنسا في الكساد العظيم 1929». وثائق بن لادن احتوت في المجمل علي 20 وثيقة خاصة بفرنسا، منها دراسة عن النفايات النووية، وقائمة بشركات الشحن البحري الفرنسية، ودراسة أمريكية عن شراء وزارة الدفاع الفرنسية للأسلحة، ويعلق جيفري أنشوكايتيس »إنه لأمر مثير للدهشة العثور علي كل هذا الكم من الوثائق الخاصة بفرنسا».