يبدو مطلب الدستور أولا أي سابقا للانتخابات البرلمانية مطلبا منطقيا ولكنه يأتي في التوقيت الخاطئ، فبعد أن قال الشعب كلمته بموافقة 77٪ علي التعديلات الدستورية التي مثلت صلب الإعلان الدستوري الذي يحكم المرحلة الانتقالية. فلا مجال لطرح أي حجج مهما كانت منطقيتها أو قوتها، ذلك لأن طرح الحجج يكون سابقا للاستفتاء أو لصدور دستور أو إعلان دستوري، أما أن نعيد طرح الحجج ذاتها بعد أن قال الشعب كلمته فهذا افتئات صريح علي الإرادة الشعبية، وخروج واضح علي أبسط قواعد الديمقراطية. الخيار اليوم إذن بين من يقول الدستور أولا ومن يقول الشعب أولا، وفي هذه المعادلة تبدو كفة الشعب مرجحة لأن الشعب هو مصدر كل السلطات، وهو الذي يضع الدستور، وهو الذي يلغيه إن أراد، ناهيك عن أن الذين يقولون الدستور أولا لم يرفعوا هذا المطلب إلا عقب ظهور نتيجة الاستفتاء علي التعديلات الدستورية الذي جري يوم 19 مارس الماضي، وهي النتيجة التي خالفت توقعاتهم، وللتذكير فقط فقد كان بإمكان هذه القوي إعلان موقف واضح برفض فكرة التعديلات أصلا ورفض الاستفتاء والمطالبة بدستور جديد حين تم تشكيل لجنة التعديلات برئاسة المستشار طارق البشري منتصف فبراير 2011 وهو مالم يحدث، بل اقتصر الرفض علي شخص رئيس اللجنة وأحد أعضائها. المطالبة بوضع الدستور أولا تكشف مخاوف لدي القوي الليبرالية واليسارية من احتمال فوز الإخوان المسلمين بأغلبية برلمانية تمكنهم من التحكم في تشكيل الهيئة التأسيسية للدستور، وصياغة دستور يعبر عن لون سياسي واحد، وهو تخوف يبدو منطقيا أيضا، ولكن طريقة المواجهة لا تكون بهدر الإرادة الشعبية، ولا بتوبيخ وتسفيه الشعب علي التصويت بنعم، واتهامه بالجهل والأمية، لكن المطلوب هو أن تخصص هذه القوي وقتا أكبر للعمل الميداني وبناء قواعد شعبية استعدادا للانتخابات بدلا من الاقتصار علي الظهور في الفضائيات أو الدعوة لبعض المظاهرات. من جانبي وتقديرا لهذه المخاوف اقترح مشاركة كل القوي الحية الآن في اختيار 500 شخصية تمثل أطياف المجتمع وفئاته ومهنه المختلفة ليختار منها مجلسا الشعب والشوري الهيئة التأسيسية للدستور (100 عضو)، وبهذا نستطيع التوفيق بين رغبة القوي الليبرالية واليسارية في اختيار أعضاء الهيئة التأسيسية للدستور من أطياف مختلفة وبين نص المادة 41 في الإعلان الدستوري التي تفرض إجراء الانتخابات البرلمانية خلال ستة أشهر من تاريخ صدور الإعلان الدستوري (صدر يوم 30 مارس).