حرم الإسلام الكذب ونشر الإشاعات الكاذبة وتضخيم الأمور والأحداث دون دليل أو معلومة وذلك لما لها من أثر مدمر في المجتمع فضلا عن بثها الخوف والقلق وقد تجلي ذلك واضحا في حادث الواحات الإرهابي حيث تسابقت الفضائيات والمواقع الالكترونية في نشر أخبار غير متحقق منها بغرض السبق الإعلامي دون التحقق منها وبغض النظر عن أثرها في نفوس أسر وأهالي الضباط والجنود الذين كانوا في حاجة ماسة لمن يربط علي قلوبهم لا يزيدهم خوفا وهلعا. وقد لفتت هيئة كبار العلماء النظر في بيانها الأخير إلي أهمية الالتزام بشرف المهنة وأمانة الكلمة مؤكدة أن السبق الإعلامي لا يمكن أن يكون علي حساب أمن جنودنا وسلامتهم. حول هذه القضية يقول الدكتور عباس شومان وكيل الأزهر إن محاولات زعزعة الاستقرار في مصر لا تقتصر فقط علي العمليات الإرهابية ولكنها تشمل أيضا حربا إعلامية تستخدم كل وسائل الحرب النفسية بهدف نشر الخوف في المجتمع وتجلي ذلك بترويج الأخبار الكاذبة وتضخيم الأحداث وترويج الشائعات وكلنا نعلم أن رجال الشرطة والجيش يقدمون أرواحهم فداء لمصرنا العزيزة، من أجل حفظ الأمن والاستقرار ويخوضون حربا شرسة ضد الجماعات المتطرفة والإرهابية البغيضة. مزاد وشدد علي أن الأمر لا يقتصر فقط علي جماعات العنف والإرهاب التي لا تتوقف عن استهداف الشباب عبر الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي باستخدام كافة الطرق والأساليب الخبيثة التي تعد مدخلًا لاستقطاب الشباب، وإنما يمتد لوسائل الإعلام التي رأيناها تتسابق في إيراد عدد الضحايا وكأننا في مزاد لدرجة أنهم أوصلوا العدد لأكثر من 50 دون معلومة أو دليل. ويشير إلي أمر في غاية الخطورة وهو استغلال أي حادث إرهابي للهجوم علي الأزهر وعلي كتبه ومناهجه وعلمائه وهو نوع آخر من الكذب والتضليل الذي يمارس من مجموعة أصبحت معروفة بالاسم لدرجة أن الإمام الأكبر قال في كلمته خلال مؤتمر الإفتاء الأخير:”إننا أصبحنا نعرف موعد الهجوم علي الأزهر وهو إما عقب كل حادث إرهابي أو عقب أي نجاح يحققه الأزهر” ولهؤلاء نقول إننا ماضون في مهمتنا ورسالتنا ولذا كان من المهم أن يتضمن بيان هيئة كبار العلماء الاخير التأكيد علي ضرورة أن تسخرالنخب والمثقفون ووسائل الإعلام كل جهودها من أجل دعم الشعب المصري ومؤسساته في حربه ضد الإرهاب، وأن تكون علي مستوي الدماء الطاهرة والأرواح الغالية التي يبذلها جنودنا البواسل من قوات الشرطة والجيش، وأن يلتزموا بشرف المهنة وأمانة الكلمة، وألا يأتي السبق الإعلامي والإثارة علي حساب أمن جنودنا وسلامتهم، ولا أن تستغل مشاعر الناس في هذه الحوادث المؤلمة من أجل الغمز واللمز للنيل من الدولة ومؤسساتها. ويضيف الدكتور عبد الحليم منصور أستاذ الفقه المقارن وعميد كلية الشريعة والقانون بالدقهلية وإذا كان الإسلام قد حرم الافتراء، ونثر ونشر الشائعات الكاذبة هنا وهناك، فإن الحق سبحانه وتعالي أمرنا بالتثبت من كل ما يشاع ويقال، فليس كل ما يقال حقا وصدقا قال تعالي:” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَي مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ. مخالفة لنصوص الدين ويشير إلي أن ما يقوم به المرجفون وأعداء الوطن المفسدون في الأرض من ترويج للشائعات الكاذبة بهدف النيل من العزائم وتثبيط الهمم علي النحو الذي يحدث تجاه رجالات الجيش والشرطة بالمخالفة لنصوص القرآن الكريم التي حرمت الكلام في حق الغير بلا بينة، وحرمت الشهادة إلا بعد تثبت صاحبها من المشهود عليه كرؤيته للشمس فقال عليه الصلاة والسلام لمريد الشهادة تري الشمس ؟ قال: نعم، قال: علي مثلها فاشهد أو دع “،كما حرم الإسلام تناول البرءاء بالعيوب، وإلصاق التهم بهم جزافا، لأن ذلك سيوقعه في إحدي كبيرتين لا محالة، إما الغيبة، وهي ذكرك أخاك بما يكره، وإما البهتان، الذي هو أشد الكذب الذي يتعجب منه كما قال العلامة الشنقيطي في أضواء البيان. وكلاهما كبيرة مرذولة حرمها الإسلام أشد التحريم فقال في حق الأولي:” وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ “ وقال في حقهما معا فيما روي عن أبي هُرَيرَةَ أنَّ رسُولَ اللّهِ صلي الله عليه وسلم قال: أَتَدرُونَ ما الغِيبَةُ ؟ قالوا: الله ورَسُولُهُ أَعلَمُ، قال: ذِكرُكَ أخَاكَ بِما يَكرَهُ، قيلَ: أَفَرَأَيتَ إن كان في أخِي ما أقُولُ ؟ قال: إن كان فيه ما تقُولُ فقَدْ اغتَبْتَهُ، وإِنْ لم يكُنْ فيه فقَدْ بهَتَّهُ “. ويحذر من خطورة الكذب قائلا:”إنني علي يقين تام بأن للحق لسانا يدافع عنه وينافح، ضد أولئك المرجفين وصدق الله العظيم إذ يقول:” إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ “.. وأذكر نفسي وكل المسلمين بما أخرجه البيهقي عن ابن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم : ما من رجل يرمي رجلا بكلمة تشينه إلا حبسه الله يوم القيامة في طينة الخبال حتي يأتي منها بالمخرج “وقال أيضا:” ومن قال في مؤمن ما ليس فيه أسكنه الله ردغة الخبال حتي يخرج مما قال، وليس بخارج “ وعن أسماء بنت يزيد أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: ألا أخبركم بخياركم ؟ قالوا: بلي، يا رسول الله قال: الذين إذا رُؤُوا ذكِرَ الله عز وجل ثم قال: ألا اخبركم بشراركم ؟ المشاؤون بالنميمة المفسدون بين الأحبة الباغون للبرآء العيب “. وقال عليه الصلاة والسلام:” إن الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان الله تعالي لا يلقي لها بالا يكتب له بها الجنة، وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله تعالي لا يلقي لها بالا يهوي بها في النار أبعد ما بين السماء والأرض “ وفي رواية ‘ إن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالا ما يظن أن تبلغ ما بلغت ،يكتب الله له بها سخطه إلي يوم يلقاه. غير جائز ويؤكد الشيخ عمر الديب وكيل الازهر الأسبق وعضو مجمع البحوث الإسلامية انه لا يجوز إطلاقا أن نصدق كل ما يقال وبخاصة إذا كان القائل غير مأمون الجانب موضحا أن الأخبار الكاذبة التي قيلت عن عدد شهداء حادث الواحات أثرت تأثيرا كبيرا في الرأي العام وأحدثت بلبلة بين عامة الناس لأن الكل كان يدلي بدلوه دون معلومة ودون انتظار للجهات الرسمية مما أثار الرعب والهلع وجعل الناس يتساءلون عن الحقيقة وذلك قبل أن يصدر البيان الرسمي من وزارة الداخلية وهي الجهة المسئولة والتي أكدت حقيقة أعداد الشهداء وعدد قتلي الإرهابيين. العلاج وأوضح ان علاج هذه الاشكاليات يكمن في ضرورة أن نتمسك بمبادئ شريعتنا التي أمرتنا بأن نتثبت من الانباء وأن نجتنب كثيرا من الظن كما يتمثل في التزام الفضائيات والمواقع بمواثيق الشرف الإعلامي والمهني وألا تحاول تحقيق نسب المشاهدة والسبق علي حساب الحقيقة وعلي حساب مشاعر أسر وأباء وأمهات وزوجات وأبناء يتلهفون إلي نبأ وخبر صحيح في خضم معركة للدفاع عن الوطن يخوضها جنودنا وضباطنا ولا يتهيبون ولا يبخلون بأن يقدموا أرواحهم فداء لأبنائه وليحققوا أمن المواطنين البسطاء ولا ينبغي أن يقابل ذلك باستهانة من وسائل الإعلام بمشاعر أهاليهم وكلنا أهاليهم فهم أبناؤنا ولهذا يجب أن توضع ضوابط للنشر وبث الأخبار وأن تكون هناك شفافية في المحاسبة لكل مخطئ. ودعا إلي ضرورة ان نعلم شبابنا وأبناءنا أن حب الوطن عبادة وأن الجهاد لا يقتصر علي ميدان المعركة وإنما يمتد لميدان الحياة بان نكون خلف من يتصدون لأعداء الدين والحياة بأن نشعرهم بأننا نقدر تضحياتهم ونؤازر أسرهم في غيابهم ونترحم علي الشهداء ونزور المرضي ونتفقدهم وألا نستمع للشائعات أو نرددها.