يظن بعض الصائمين أن الصوم إنما هو صوم عن الطعام والشراب والعلاقات الزوجية فحسب، مع أن حقيقة الصوم أعلى من هذا وأجل. فثمة فريق من الصائمين يصوم عن تلك الممنوعات، ويفطر على غيرها من المحرمات. ومن أهم تلك المحرمات الغيبة والنميمة. وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم، بقوله: (أتدرون ما الغيبة؟) قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: (ذكرك أخاك بما يكره)، قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول! قال: (إن كان فيه ما تقول، فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه فقد بَهَتْه)، ومعنى (بَهَتْه)، أي: قلت فيه البهتان، وهو الباطل. وفي هذا المعنى أيضاً جاء قوله صلى الله عليه وسلم: (ربَّ صائم حظه من صيامه الجوع والعطش). وروى ابن أبي شيبة عن جابر رضي الله عنه، قوله: (إذا صمت، فليصم سمعك، وبصرك، ولسانك عن الكذب والمآثم، ودع أذى الخادم، وليكن عليك وقار وسكينة يوم صيامك، ولا تجعل يوم فطرك ويوم صيامك سواء). ويرى علماء الدين أن الغيبة تفسد الصوم، لقوله صلى الله عليه وسلم: (من لم يدع قول الزور والعمل به، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه). ويقول الدكتور مبروك بهي الدين رمضان، أستاذ الدراسات الإسلامية، إن هناك ظاهرة خطيرة، يقع فيها الصائم دون أن يشعر وهي الغيبة والنميمة من أسوأ العادات بين الناس، فهم يتحدثون بها، ولا يعلم معظم الناس مدى خطورتها على حياتهم، وقد بين الدين الإسلامي شدة حرمتها، وما لها من أثر سلبي على المجتمع، وأسباب تحريم الإسلام لها، لأنها تنشر البغضاء بينهم، والغيبة والنميمة محرمتان في كل وقت، قال الله تعالى: (ولا يغتب بعضكم بعضاً) وقد فسَّر رسول الله صلى الله عليه وسلم الغيبة بأنها: (ذكرك أخاك بما يكره)، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يدخل الجنة نمّام) رواه مسلم، والنمام هو الذي يحرش بين الناس وينقل الكلام بقصد الإفساد، ويزداد إثم هاتين الجريمتين إذا وقعتا أثناء الصيام، لأن الصوم تطهير للنفس والقلب والجوارح. وأضاف: إن الغيبة من الكبائر التي حرمها الله عز وجل ونبيه محمد صلى الله عليه وسلم، وهي ذكر ما يكره المسلم في أخيه من عيوب به، فهي الضغينة بين أفراد المجتمع أو العائلة أو المجموعة الواحدة التي ينضم إليها المغتاب والمغتاب به، ويأتي تحت باب الغيبة، الهمز واللمز، فقال الله تعالى: »ويل لكل همزة لمزة«، وهذا تهديد ووعيد لمن يتبع وسيلة الهمز واللمز. تسبب الإفلاس وأشار د. مبروك إلى أن أثر الغيبة في المجتمع نشر الكراهية والحقد بين المسلمين. يعاقب الله تعالى المغتاب يوم القيامة عقاباً شديدا من جنس ذنبه في الدنيا. وربما يكون مصير من يرتكب الغيبة والنميمة هو الإفلاس يوم القيامة، فيأتي يوم القيامة ويؤخذ من حسناته وتستبدل بسيئات من اغتابه، أما الأمر الأشد خطورة، فإنها تؤدي إلى قطع الأرحام، وتزيد العداوة بين العائلات التي تجري بينها نزاعات، فالنمام يزيد النار اشتعالا، كما يزداد النمام نارا في قبره جزاء ما أشعل النار بين المتخاصمين. فاحشة وفتنة وفي سياق متصل أكد الدكتور محمود عبده، الأستاذ بجامعة الأزهر، أن هناك أثرا كبيرا للغيبة والنميمة فهي تسبب انتشار الفاحشة والفتنة، توّتر على العلاقات بين الأشخاص، وإفساد ذات البين، وتسبب الكراهية والحقد، بين المتحابين، ومن هنا تحدث الفرقة بين المسلمين، وربما تسبب بعد ذلك الانتقام أو إيذاء الآخرين، فالذي يمشي بين الناس بالغيبة والنميمة يضر نفسه وينكشف أمره، ويصبح من أصحاب السوء، والغيبة والنميمة تزداد وتكثر في المجالس والتجمعات التي تكثر بها القيل والقال وليس هناك من يردع أو يذكّر بالله تعالى، وربما يكون ذلك بغرض الرغبة في رفع النفس على حساب الآخرين بالتقليل من قيمة من يقوم الشخص باغتيابهم، أو ذكر مساوئهم لفضحهم والتقليل من شأنهم أمام الآخرين، أو الرغبة في إضحاك الآخرين عليهم. علاجها سهل ويشير د. محمود عبده، إلى أن طرق التخلص من عادتي الغيبة والنميمة سهل ولكن يكون لدى المسلم رغبة للإقبال على العلاج، والتوبة عن ذلك بالإكثار من ذكر الله، وحينما يكون هناك مثل هذه الأمور في المجلس عليك أن تفارقه فورا، وأن تتوب إلى الله عن ذكر عيوب أخيك، وأن تحافظ على صلواتك الخمس. وأن يستشعر المسلم رقابة الله تعالى له في القول والعمل، فحينما نرى مغتابا، نذكره بحرمة هذا الأمر، ونردّه إلى الصواب، وأن نقدم للمسلمين النصح والإرشاد. وأن نتجنب التنابذ بالألقاب، فذكر شخص بنية التنقيص من قيمته غيبة، ولذا يجب ردع المغتاب والنمّام عن فعله هذا، وأيضا علينا بتذكير المغتاب بعقاب الله تعالى، (ولا يغتب بعضكم بعضا)، ولذلك يجب إقناع المغتاب بالحسنى بالرجوع عن الغيبة والنميمة، ومن الأولى للمسلم أن يبتعد عمّا هو محرّم شرعاً، و»الغيبة والنميمة« تؤدي إلى التهلكة، ومن وقع في المحظور فيجب عليه التوبة النصوح، وهي عدم العودة إلى الخطيئة مرة أخرى، وطلب المغفرة والرحمة من الله تعالى والاستغفار للمغتاب به، وأن يتذكّر عقوبة الغيبة والنميمة عند الله تعالى وما فيها من حرمان من جنّات النعيم والخلود في نار جهنم، طلب العفو، فإذا علم بأنّ كلامه قد وصل إلى المتكلّم عليه فليذهب إليه ويطلب منه العفو والصفح.