الدكتور سمير نعيم أحمد المفكر والمحلل الاجتماعي الكبير وأستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس، وعميد كلية الاداب السابق وعضو مجلس شعبة الدراسات الانسانية بجامعة عين شمس هو مدرسة بحثية متميزة في علم الاجتماع، جعل أحوال الناس وقضاياهم الحياتية محوراً لاهتمامه الشخصي والعلمي، وهو يري ان الثورة غيرت مصر كثيرا وان الحالة الثورية في مصر تتطلب اجراءات ثورية ويقدم روشتة عاجلة لاعادة الاستقرار مرة اخري وروشتة أخري للقضاء علي الفتنة الطائفية الاخبار حاورته حول مايحدث في مصر بعد الثورة وكيف نصل لبر الامان. كيف تري الأوضاع الحالية في مصر؟ - مر أكثر من ثلاثة أشهر علي انتصار الثورة وخلع رئيس النظام يوم 11 فبراير الماضي ولم تدخر القوي المضادة للثورة وسعا في إشاعة حالة من الفوضي وعدم الاستقرار في البلد والسعي لإحداث الوقيعة بين الشعب وقواته المسلحة وبينه وبين الشرطة والأخطر من ذلك ضرب الوحدة الوطنية كما تبين من الإعتداءات الإجرامية علي الإخوة المسيحيين وحرق كنائسهم في صول والمقطم وامبابة ومهاجمة المعتصمين في ماسبيرو تزييف وعي الشعب وصرفه عن تحقيق أهداف الثورة. وعلي العكس من ذلك يتطلع الشعب إلي تحقيق حالة من الإستقرار العام حتي يتمكن من إرساء نظام جديد علي أنقاض النظام البائد وحتي يمكن البدء في عمليات بناء مصر الإنتاج والرخاء والتقدم والعدالة الإجتماعية. وقد ثبت حتي الآن عدم ملاءمة الأساليب التقليدية للإدارة مع ما تتطلبه الثورة من إجراءات عاجلة لمواجهة القوي المضادة لها. التي تعرقل إقامة مجتمع الحرية والديموقراطية والعدالة الاجتماعية الذي نادت به الثورة. اجراءات عاجلة ما هذه الاجراءات العاجلة التي تحقق الاستقرار؟ - من أهمها والتي يترتب علي الإسراع باتخاذها تحقيق الإستقرار اللازم للتفرغ للبناء استبعاد القيادات التي تقوم بتسيير أمور الدولة في كافة القطاعات في هذه المرحلة الإنتقالية والدقيقة ذات الولاء للنظام الفاسد وتغيير أسس اختيارها وليس مجرد استبدال أشخاص بغيرهم وفقا لنفس الأسلوب الذي كان يتبعه النظام والذي لم يضع أي معايير لاختيار القيادات أو لتقييم أدائهم بل وحتي لم يكن يهتم بإعلان أسباب الإختيار مما ترتب عليه أن ولاء هذه القيادات ظل لأفراد النظام مما شجع علي الفساد وأفسد العلاقة بين المواطنين والدولة بصفة عامة. ومن أهم القطاعات التي قطاع الحكم المحلي الذي ساده الفساد فلا يجب أن يظل نفس نظام تعيين المحافظين ورؤساء المدن والأحياء والقري وغيرهم معمولا به بعد الثورة وينطبق نفس الشيء علي القيادات الجامعية كما تم استبدال قيادات إعلامية في كافة المؤسسات الإعلامية بغيرهم بنفس الأسلوب ودون أي إعلان عن أسس استبعاد البعض أو تعيين البعض الآخر ومن هذه المعوقات أيضا بطء العدالة التقليدي في مصر وهي الآن في ظروف الثورة مسألة مثيرة لقلق المواطنين الذين يتطلعون للقصاص من قتلة الشهداء وممن قاموا بالاعتداءات الوحشية عليهم وكل من شارك في انتهاك آدمية وكرامة المصريين وتوقيع العقاب السريع علي من افسدوا الحياة السياسية زوروا إرادة الشعب ونهبوا أموال الوطن. ومن المعروف أن من موروثات الدفاع عن المتهمين في المحاكمات في مصر تعمد إطالة أمد نظر القضايا لأطول فترة ممكنة باتباع أساليب متنوعة للتأجيل فضلا عن استغلال كافة الثغرات القانونية والأساليب لإفساد أدلة الإدانة وإسقاط التهم وبراءة المتهمين الذين يكونون في الواقع مجرمين. ولا يخفي علينا أن من شان ذلك استمرار قدرة هؤلاء القتلة والمجرمين علي التأثير في مجريات الأمور لصالحهم وضد مصالح الوطن عن طريق أعوانهم الطلقاء وباستخدام الأموال التي نهبوها وخبأوها. وماذا عن الفراغ الامني ؟ - من أهم ما يهدد الإستقرار ويعوق سرعة التفرغ للبناء اهتزازالحالة الأمنية واستمرارية البلطجة وخرق القانون مما يشجع الجماعات المتطرفة وغيرها من القوي المضادة للثورة علي إشعال الفتن واشاعة الفوضي والاضطراب يضاف إلي ذلك عدم وضوح الرؤية للمرحلة الإنتقالية وعدم إعلان الحكومة للبرامج والخطط التي تلتزم بتنفيذها خلال المرحلة الانتقالية وأيضا عدم تصدي الإعلام الرسمي والخاص لحملات تزييف وعي المواطنين وتشتيت انتباهم عن القضايا الحيوية والتي تقوم بها قوي التخلف والقوي المضادة للثورة بل ومساهمته في ذلك. ومن الملاحظ انه حتي الآن لم يشعر المواطنون بأي بوادر للتخفيف من المعاناة في حياتهم اليومية بسبب تدني الأجور وارتفاع الأسعار أو بالتحسن في الخدمات التي يفترض أن تقدمها الدولة لهم مثل الإسكان والمواصلات والصحة والتعليم مما يؤجج المطالب الفئوية ويعطل سير عجلة العمل والإنتاج ويؤثر بالسلب علي التعاون بين الشعب والحكومة. الفتنة الطائفية كيف يتم التعامل مع ملف الفتنه الطائفية؟ - لابد من فلسفة جديدة تماما للتعامل مع العلاقة بين المسلمين والأقباط بعد الثورة اساسها اعتماد مبدأ المواطنة وإلغاء كافة صور التمييز بين المواطنين علي أي أساس وبصفة خاصة أساس العقيدة وذلك بالإصدار الفوري للتشريعات التي تجرم كل صور التمييز في كافة المجالات وتعاقب علي ازدراء الأديان وعلي الحض علي الكراهية والعنف ضد المختلفين في العقيدة واصدار قانون دور العبادة الموحد. وصياغة فلسفة جديدة للتعليم من حيث المقررات والكتب وأسلوب التدريس تركزعلي قيم المواطنة وحقوق الإنسان والإنتماء للوطن والعطاء له وتنقية المقررات من كل ما احتوت عليه من تعصبات دينية وإساءة لغير المسلمين وتجاهل للتاريخ القبطي مع إعادة تأهيل المعلمين لنشر ثقافة التسامح وتقبل الآخر. وكذلك تغيير أساليب التدريس بحيث تعتمد علي إعمال العقل وليس التلقين. بنشر ثقافة المواطنة والتسامح وتقبل الآخر من خلال وسائل الإعلام والمؤسسات الدينية والثقافية المختلفة. والأهم من ذلك كله صياغة مشروع قومي لنهضة مصر يلتف حوله كل المصريين لتحقيق غايات مشتركة فقد أثبت التاريخ اختفاء الطائفية إلي حد كبير إبان ثورة 1919 وبعد ثورة 1952 وكذلك إبان ثورة 25 يناير. البعض يقولون اننا مازلنا نسير علي نفس خطي الحكومة السابقة مارأيك ؟ - نعم هناك ثورة قامت لإسقاط النظام ولكن النظام لم يسقط بعد ولم يحل محله نظام جديد يحقق اهداف الثورة. مازالت كل أمور الدولة تسير بنفس الأسلوب القديم . أي اننا أمام ثورة بدون إجراءات ثورية. ورأيي أن هذا الوضع في منتهي الخطورة ويعوق الإنطلاق نحو البناء والنهضة والاستقرار ويشجع علي الفوضي ويغرس اليأس في نفوس الشعب ممما يدفع لثورة ثانية قد تكون مختلفة من حيث سلميتها. والي متي تستمر الوقفات الاحتجاجية والمظاهرات؟ - مليونيات أيام الجمعة لا تعطل العمل ولا تؤثر سلبا علي الإقتصاد كما تشيع القوي المضادة للثورة وهي سلمية ومتحضرة بل وحتي جذبت السياح إلي ميدان التحرير . وهي لمتابعة تحقيق أهداف الثورة وثبت فعاليتها في ذلك. كل الوقفات الاحتجاجية والمطالب الفئوية نتيجة سير الحكومة علي نفس منوال حكومات مبارك: الوعود التي لا تتحقق وعدم الشفافية وعدم الصدق والتباطؤ في حل المشكلات .مثلا لماذا البطء في قانون تحديد الحدين الأدني والأعلي للأجور مع أنه لن يكلف الموازنة شيئا فهو مجرد توزيع عادل لها وسيترتب عليه انتهاء المطالبات بزيادة الأجور وكذلك ترك أسعار السلع والاحتكار بدون اتخاذ أي إجراءات للحد من جشع التجار. ولماذا الإصرار علي الإبقاء علي القيادات الجامعية المرفوضة وتعيين محافظين مرفوضين من المواطنين مما ترتب عليه اعتصامات قنا مثلا ونفس الشئ في ماسبيرو. هذه الوقفات تعطل الانتاج واقتصادنا علي حافة الانهيار؟ - ليست الثورة مسئولة عن الاقتصاد الذي أصبح علي حافة الهاوية كما يشيع أعداء الثورة ورجال النظام الذي لم يسقط. كان من الممكن أن يزدهر الإقتصاد ويتحقق الاستقرار ويفد السائحون ونبدأ في تغيير وجه الحياة في مصر في كافة المجالات إلي الأجمل والأرقي وفي استثمار طاقات الشباب ولو أنه حدثت استجابات فورية لمطالب الثورة بدلا من المساومة عليها وتقديمها قطعة قطعة كلما ضغط الثوار ولو ضرب بيد من حديد علي بلطجية النظام ودعاة الفتنة وهادموا الكنائس وقتلة المسيحيين ولو اتخذت اجراءات ثورية لفرض الأمن والنظام بعد انهيار الشرطة. مصر في أشد الحاجة الآن إلي إعلاء مصلحة الوطن علي المصالح الفردية لأي مسئول. نحن في مفترق طرق: إما تحقيق حلم المصريين في مجتمع الحرية والديموقراطية والعدالة والتقدم وإما إجهاض الثورة ومحاولة تكريس الاستغلال والتخلف والظلم الاجتماعي كما يريد رموز النظام في طرة وخارجها وهذا ما ستترتب علي أوخم العواقب فالثورة كسرت إلي الأبد حاجز الخوف عند المصريين.