صدر عن دار الهلال لزميل الدراسة د. مرعي مدكور رواية جديدة بعنوان " يوم الزينة " ، مدكور بدأ مشواره مع القصة اثناء دراستنا بكلية الاعلام ، وبعد تخرجه بعام صدرت له اول مجموعة قصصية بعنوان " الذي علم الحزن القمر " ، تبعها بمجموعة " عين طفل " ثم مجموعة " الليالي الطويلة " . ثم اتجه للطفل في رواية " عاقبة الغرور " ، ورواية " السمكة والصياد " ، ثم " هديل الحمام " ثم " هيا نتصالح " ، مما يبين اهتمامه بالبراءة المتمثلة في عالم من يكتبون أدبا للطفل المصري والعربي ، في مجموعاته القصصية وروايته الجديدة يعيدنا د. مرعي مدكور دائما إلي الجذور الضاربة في عمق القرية بالصعيد الجواني ، الجذور التي تخلخلت وتشوهت بفعل الزمن ، وفعل محاولات الاقتلاع المستمرة ، لكن مع ذلك ومن خلال ما يقدمه لنا مرعي مدكور تبقي الحقيقة التي تعلن عن نفسها والتي تؤكد ان مصريتنا باقية في تقاليدنا واخلاقنا وعاداتنا وموروثاتنا الاجتماعية والثقافية لأنها وان حاولت المدنية والتمدين ان يغير من ملامحها تبقي ساكنة في الجينات ، صحيح لم يعد في القرية المصرية بالصعيد الجواني تلك البيوت الطينية الباركة علي جانبي درب ضيق طويل ملتو كثعبان يهرب يمينا وشمالا من العصي التي تنهال فوقه مستهدفة رأسه ، وصحيح لم يعد بالقرية مشهد العجائز كريمات الاعين الهتماوات القاعدات امام عتبات دورهن يحرسن كتاكيت خضراء ، وكل واحدة تحلق علي كتاكيتها بعصا رومي رفيعة تحركها يمينا وشمالا علي صوت صوصوته - حسب المشهد الذي يصوره لنا د. مرعي في روايته - التي يدخلنا فيها إلي ما يدور خلف ابواب البيوت من نميمة وحكايات وافعال . للمكان اهمية البطولة المطلقة في قصص وروايات العديد من كتابنا الكبار وفي مقدمتهم نجيب محفوظ - خبير الحارة الشعبية المصرية - ويحيي حقي وابراهيم اصلان ومحمد البساطي وبهاء طاهر ومجيد طوبيا وفؤاد قنديل ، كذلك يتميز مرعي مدكور بإبراز جمالية المكان في مجموعاته القصصية وروايته الجديدة من خلال ما يُمكن أن نسميه التتابُع الصوري داخل المكان ، ففي " يوم الزينة " يأخذنا بعينه الخبيرة وحسه السردي لواحدة من قري مصر في زمن تحدده مشهدية المكان ومفردات اهلها ، فالمكان عند د. مرعي مدكور ليس وعاء للأحداث ، لكنه يكتسب من خلال الأحداث أبعادا اجتماعية وظلالا نفسية في بناء معماري جميل يرسم لوحة تشكيلية فريدة. وللدكتور مرعي مدكور لغة فنية تؤكد دقة اختياره للألفاظ التي تكون سياق السرد والحوار حتي لو بدت اللفظة عامية إلا أنها في دلالاتها ووضعها في المكان الصحيح ، تكون أوقع علي النفس من الفصحي الشائعة وأبعد أثرا وأكثر عمقا ، ولهذا لايمكن لاحد ان يغفل محاولاته في بناء لغته القصصية والروائية الخاصة التي يقدم من خلالها عالم االصعيد الجوانيب الثريَّ بأحداثه، وناسه، وعبقرية مكانه، بحس ساخر، وإدراك واع لدور المفردة اللغوية في بناء القصة، وهو اقرب في ذلك لمدرسة الراحل الكبير يحيي حقي صاحب الكتابة المتميزة . من الممكن ان نخرج بالكثير من الدلالات التي تعطي تفسيرا رمزيا في رواية د. مرعي الجديدة اذا ما ربطنا بين يوم الزينة ويوم الهزيمة وبين شخصية البطل الاسطوري العملاق المعتوه وبين ما آل إليه حال الوطن العربي. مبروك للدكتور مرعي مدكور علي روايته الجديدة التي تعد اضافة حقيقية للمكتبة العربية .