الموت علينا حق... إذا لم نمت اليوم سنموت غداً، وأحمد الله أنني مؤمن بربي، فلا أخاف الموت الذي قد يريحني من هذه الآلام التي أعانيها. فقد أديت واجبي نحو بلدي وكنت أتمني أن أؤدي الكثير، ولكن إرادة الله فوق كل إرادة والأعمار بيد الله، لن يطيبها الطب، ولكنني لجأت إلي العلاج حتي لا أكون مقصراً في حق نفسي وفي حق مستقبل أولادي الذين لا يزالون يطلبون العلم في القاهرة... تحياتي إلي كل إنسان أحبني ورفع يده إلي السماء من أجلي.. تحياتي لكل طفل أسعدته ألحاني... تحياتي لبلدي... أخيراً تحياتي لأولادي وأسرتي. تلك هي آخر كلمات الموسيقار الرائع محمد فوزي التي نطق بها قبل رحيله بأيام، قالها وهو في عز معاناته مع المرض الغريب الذي هجم عليه في غفلة واخذ يفترس فيه، المرض الذي احتار في تشخيصه وتوصيفه الاطباء داخل مصر وخارجها، المرض الذي انتقي ارق فنان وأنبل إنسان ادخل في نفوسنا البهجة والفرح بألحانه الجميلة، وتربينا وتربي أولادنا علي اغانيه التي صنعها بعفويته للطفل، كلنا وجميع ابنائنا حفظنا " ماما زمانها جايه "، و" ذهب الليل وطلع الفجر "، وكأن هذا المرض اللعين جاء عن قصد ليطفئ الشمعة التي كانت تشع علي الناس بالبهجة والفرح، المرض الذي حير الاطباء عرف بعد رحيل محمد فوزي بإنه " سرطان العظام "، واجمل ما في روح محمد فوزي المرحة المؤمنة انه كتب رسالة عندما وصل وزنه قبل موته إلي 37 كيلوجراماً، رسالة يصف فيها معاناته مع هذا المرض الغريب يقول فيها : - "منذ أكثر من سنة تقريباً وأنا أشكو من ألم حاد في جسمي لا أعرف سببه، بعض الأطباء يقولون إنه روماتيزم والبعض الآخر يقول إنه نتيجة عملية الحالب التي أجريت لي. كل هذا يحدث والألم يزداد شيئاً فشيئاً، بدأ النوم يطير من عيني، واحتار الأطباء في تشخيص هذا المرض.. وأنا أحاول إخفاء آلامي عن الأصدقاء إلي أن استبد بي المرض ولم أستطع القيام من الفراش وبدأ وزني ينقص.. وفقدت فعلاً نحو 12 كيلوجراماً.. وانسدت نفسي عن الأكل. حتي الحقن المسكنة التي كنت أُحْقَن بها لتخفيف الألم بدأ جسمي يأخذ عليها وأصبحت لا تؤثر في.. وبدأ الأهل والأصدقاء يشعرونني بآلامي وضعفي.. وأنا حاسس أنني أذوب كالشمعة. واختتم محمد فوزي رسالته قائلا : " لا أريد أن أُدفن اليوم، أريد أن تكون جنازتي غدًا الساعة 11 صباحًا من ميدان التحرير، فأنا أريد أن أُدفن يوم الجمعة ". المثير أن نبوءة محمد فوزي تحققت كما كان يريد.. وكأنه كان يري طائر الموت وهو يحوم فوق سريره.. فأسلم الروح مودعا في نفس اليوم الذي كتب فيه رسالته وهو الخميس 20 أكتوبر 1966، عن عمر ناهز ال 48 عاما.. ودفن فعلا في الحادية عشرة صباح يوم الجمعة ! مجلة " الفن " - 1966