لابد أن نعترف صراحة أن التسول دخل مرحلة الاحتراف ولم يعد هناك مجال للهواية فيه، فلم يعد سهلا لكل من هب ودب أن يصبح متسولا ،ولا مجرد عاهة تجعلك متسولا محترفا ، ولم يعد حكرا علي الفقراء والمعدمين والمهمشين، فقد دخل في المهنة كثيرون من عشاق السياحة الداخلية معتبرا التسول سياحة في أنحاء القاهرة ومكسبا. وفيه يجمع ما يكفي قوت يومه ويدخر بعضه للزمن، وهناك من ترك مهنته التي لم تعد مجدية واتجه شطر التسول الاحترافي وعمل علي تطوير تسوله حتي يدخل مرحلة الاحتراف واستعان بمساعدين من الأطفال والرضع ومن كبار السن والعجزة والمرضي يستأجرهم من ذويهم، كما يستعين ببعض الإكسسوارات اللازمة من ملابس وعاهات صناعية أو دائمة له ولمن يعمل لديه كمساعد متسول. كما لم يعد مكان التسول متاحا لأي شخص فلابد من أخذ تصريح من بلطجي المنطقة حتي يسمح لك بالتسول في منطقته نظير رسم معلوم أو تسريح بإحسان..وقد بلغ التنظيم التسولي مداه بوضع خريطة لأماكن التسول وتوزيع المحترفين عليه ورسوم التصاريح لكل مكان بداية من أماكن العبادة والجوامع والأضرحة والأماكن الأثرية والسينمات والمسارح والمتاحف والميادين الكبري والمناطق الراقية حتي مداخل ومخارج المترو وداخل عرباته؛كما يحتاج المتسول الحديث لمؤلف تسولي يستدر به عطف جيوب المحسنين أو إرهابهم بدعواته..فتجد مثلا متسولا شابا ممسكا بروشتة في الغالب مضروبة يجر كيس دم مربوطا بجزء حساس من جسده وهو يردد أنه في حاجة لمجموعة أدوية سريعا.. وآخر يمد يده داخل عربات المترو بملابس رثة ويردد عبارات لاستجداء المحسنين مليئة بالرعب والوعيد مثل ((..يارب ما يحرمك من عينك وعافيتك..مايحرمك من نظرك..يرجعك لبيتك وأولادك..يبعد عنك ولاد الحرام..ما يشمت فيك العدوين)) وبالطبع يقشعر بدنك وتطلب النجاة بما تجود به. وعلي باب محطات المترو تجد طفلا صغيرا منكبا علي واجب مدرسي وأمامه أكياس مناديل ليبتز عواطفك..وهناك متسول داخل عربات المترو برائحة تزكم الأنوف وهو يردد عبارات تسولية..وهناك من تجلس علي الرصيف وتسلط عليك ابنتها الصغيرة - متسولة تحت التمرين غالبا- والبنت لازقه في رجلك ولا تتركك حتي تبعد عنك رذالتها بأي فكة.. وفي كتاب »كنت متسولا» يروي أحدهم تجربته: »فكرت في أموال بدون عناء فقررت إجراء عملية »حبك» لشخصية المتسول، فأحضرت شهادات طبية »مضروبة» تفيد معاناتي من جملة أمراض تتطلب أموالاً كثيرة لشراء العلاج.. واشتريت »رباط طبي» وضعته علي قدمي اليسري، مدعياً بأنني أعاني من كسر يجعلني غير قادر علي الحركة إلا بصعوبة،وارتديت ملابس التسول»، وتابع المتسول: »كنت أشاهد السيدة برفقة طفلها، فاستحلفها ب»ضناها» ألا يصاب بمكروه فتضع يدها في حقيبتها وتعطيني »فلوس» مباشرة. وأشكال التسول يجري تحديثها يوميا.. وكل ذلك برعاية مهندسي التسول الاحترافي ولا تستطيع كأي متسول هاوٍ أن تزاول المهنة دون أن تسأل أين يمكن ان تتسول هذا المساء؟!