انتشرت في الآونة الأخيرة واحدة من التقاليع أو الصيحات التي لم تألفها أوساطنا الأدبية وآفاقنا الإبداعية، وهي كتابة الروايات باللهجة العامية سردا وحوارا معا، وليس كما كان يجري في الماضي حيث اعتاد بعض الأدباء كتابة السرد والوصف بالفصحي، والحوار بعامية راقية، فكيف يري المفكرون والنقاد هذه الصيحة الجديدة، وهل هي استسهال أم استجابة لرغبة القراء؟. في البداية يقول الناقد المتميز والمترجم الكبير د.حامد أبو أحمد: الجمهور لا يريد الكتب المكتوبة باللهجة العامية، وبعض الأدباء خاضوا تلك التجربة، ولم ينجحوا مثل العالم المصري الفذ الراحل د.مصطفي مشرفة في روايته »قنطرة الذي كفر»، والمفكر الكبير الراحل لويس عوض في كتابه »يوميات طالب بعثة»، والأديب الكبير يوسف القعيد في رواية »لبن العصفور»، وكما نعلم جميعا فأداوت الرواية أو الكتاب ثلاث هي: الخيال والفكرة واللغة، والأخيرة هي الأداة الأهم لأن النص مجرد عمل لغوي بديع، ومفرداته هي المفاتيح التي تحرك ذهن القارئ، وتجعله يفكر ويتأمل في عمق العمل، ويطرح الأسئلة بعدما ينهي قراءة الكتاب، وسبب التجاء الأدباء إلي العامية هي محاولة لإلغاء قواعد النحو القديم، وتبديلها بالعامية ظنا منهم أنها أصبحت أقرب إلي رجل الشارع. ويقول محمد رشاد رئيس اتحاد الناشرين العرب: الكتابة باللهجة العامية جزء من الاستسهال وليس استسهالا كاملا لأننا لدينا الشعر العامي، وأوافق علي إدخال بعض العامية في سطور الكتاب لكن بشروط: إذا يكون ذلك في نطاق الحوارات داخل العمل، أو بعض المفردات العامية القليلة داخل النص، أو أن يقيم المؤلف توازنا بين العامية والفصحي في عمله، أو دمج العامية والفصحي حتي يكونا لغة بسيطة يستمتع بها القارئ، لأن لغتنا العربية ثرية، ويجب استعمالها دائما حتي لا نفتقدها بشكل كامل. وفي الختام يقول الأديب عمرو العادلي: برغم تجربتي مرتين في الكتابة بالعامية إلا أنني قد توقفت عن هذا تماما، ولا نية لديّ لتجربة ذلك مرة أخري، وقد كانت التجربة الأولي في 2009 في مجموعة »جوابات للسما»، والتجربة الثانية في 2010 في »فيل يتدرب علي الإنسانية»، وبالرغم من عدم اعتراضي علي محتوي هذين الكتابين إلا أنني معترض علي الشكل الذي تم تقديمهما به، فالعامية لهجة وليست لغة، ولا يغفر لها أن القراء في جميع الدول العربية يجيدون التعامل معها، لأن بعض الروايات المغربية والعراقية لا أفهم ماذا تعني بعض الكلمات المرتبطة بالعامية في هذه الدول، وأنا لا أجد غضاضة في أن تكون الحوارات باللهجة المحلية، ولكن عندما يمتد ذلك إلي السرد تصبح هناك ثمة مشكلة، وهي مرتبطة أساسا بانتشار العمل وزيادة نسبة مقروئيته، أما بالنسبة إلي الأعمال المنتشرة بالعامية، فمادامت تحت تصنيف الأدب الساخر فلا مشكلة لديّ في ذلك، لأنها كتبت لأوقات الاسترخاء والمصايف والإجازات، ولم تكتب لإعمال العقل في قضايا وجودية تغير في مصير الإنسان كما هي الحال في الأدب الجاد، وهناك بعض الموضوعات التي تم تناولها بالعامية لن يستسيغها القارئ إذا تمت كتابتها بالفصحي، مثل كتب المدونات والحديث عن العلاقات بين الشباب والسخرية من بعض الأوضاع الاجتماعية، فهي تنتمي إلي الكتب الخفيفة التي يعرف كاتبها وقارئها ذلك، فيمكن للقارئ بسبب الخبرة أن يرفض قراءة مثل هذه الكتب ولكنه في الوقت نفسه يرشحها لأولاده في السن الأصغر. • محمد سرساوي