أقول قولي هذا يا حضرات وقد كدت أسمع لغتنا الجميلة وهي تستغيث دون مجيب هي فعلا »الجميلة»، والجميلة جدا، ويكفي أنها حملت كتاب الله العزيز، ويكفي أنها تألقت في كتابات وإبداعات كبار الكتاب والشعراء والمفكرين، ويكفي أنها نقلت لنا صورا بالغة الجمال، وحذرتنا من صور بالغة الضلال. إنها »لغتنا العربية» التي فرضت نفسها علي الساحة الدولية واحدة من اللغات الرئيسية. لكنها في أيامنا هذه للأسف تتعثر وتتلعثم خاصة علي ألسنة أبنائها المنوط بهم احترامها، ورفع شأنها، ولم يعد أحد ممن تستدعي الظروف والمؤتمرات أن يتحدثوا بها في خطبهم وتصريحاتهم يعبأ بما يرتكبه في حقها من أخطاء نحوية ولغوية حتي نجد منهم من لا يعرف ما تفعله »حروف الجر»، وما تعنيه »صيغة الرفع والنصب»! أقول قولي هذا يا حضرات وقد كدت أسمع لغتنا الجميلة وهي تستغيث دون مجيب، وكأنها لم تكن تلك التي تغني بسحرها وجمالها الإذاعي الكبير فاروق شوشة في برنامج يومي علي مدار عشرات السنوات لتقول هي فيه: »أنا البحر في أحشائه الدر كامن فهل ساءلوا الغواص عن صدفاتي» لبالغ الأسف والأسي فقدت جمالها ورونقها وبهاءها الذي كان يتنافس علي إبرازه كبار الخطباء والكتاب والإعلاميين ورجال القضاء من أمثال مكرم عبيد وأخيراً المستشار أحمد الزند. لبالغ الأسف والأسي صار الكثيرون يهتمون فقط باللغات الأجنبية ويتباهون بالتحدث بها، وهذا مثلا وزير شهير ما إن يجد نفسه مضطرا لإلقاء كلمة بلغة أهله ووطنه.. »العربية الفصحي» حتي ترتبك الكلمات علي لسانه وتنهار قواعد اللغة، بينما نراه إذا ما حانت الفرصة لاستخدام الإنجليزية أو الفرنسية حتي ينطلق بالتحدث بهما، ما شاء الله »لبلب يا ناس» والمؤكد أن ما تتعرض له اللغة العربية علي يديه، لا يعوضه طلاقة لسانه بالإنجليزية وكأنه أحد أبنائها، وبالتأكيد لا يعوضه أداؤه المتميز في مهام وزارته التي تحقق في عهده إنجازات هائلة! والمعروف أن الوزير وأي مسئول كبير ليس مطالبا بأن يكون حُجة في اللغة العربية وقواعدها، لكن البديل الضروري أن تتم مراجعة وتصحيح الكلمة التي سيلقيها من قبل من يجيد اللغة ويقوم بتشكيلها وتحديد نقاط التوقف والاسترسال. قلت ذلك من قبل لوزير متوهج نشاطاً وفكراً وأقولها له مرة أخري، كما أقولها لغيره من الوزراء وكبار المسئولين، والبرلمانيين والمتحدثين. »قالها متحسرا شاعر النيل» بالرغم من أن اللغة العربية في زمانه لم تكن قد تعرضت إلي ما تتعرض له في أيامنا هذه، إلا أن الشاعر الكبير.. شاعر النيل »حافظ إبراهيم» لاحظ ربما بدايات التعثر وارتباك بعض قواعدها فكتب قصيدته الشهيرة »اللغة العربية تنعي حظها»، حيث تقول لغتنا العربية عبر قصيدته: أنا البحر في أحشائه الدر كامن فهل ساءلوا الغواص عن صدفاتي فيا ويلكم أبلي وتبلي محاسني ومنكم وإن عزّ الدواء أساتي فلا تكلوني للزمان فإنني أخاف عليكم أن تحين وفاتي أري لرجال الغرب عزاً ومنعة وكم عزّ أقوام بعز لغات أيهجرني قومي عفا الله عنهم إلي لغة لم تتصل بذواتي سرت لوثة الإفرنج فيها كما سري لعاب الأفاعي في مسيل فرات ثم تقول اللغة العربية: إلي معشر الكتاب والجمع حافل بسطت رجائي بعد بسط شكائي! هكذا قالها شاعر النيل الكبير حافظ إبراهيم ولو أنه كان بيننا الآن لوجد أن عنوان قصيدته يجب أن يغيره، وبدلا من أن يقول »اللغة العربية تنعي حظها» ربما كان يقول: »اللغة تلطم وجهها.. وتشق جيوبها!» »إن كنا نريد حقا إنقاذها» إذا كان هذا هو حال لغتنا العربية التي كانت جميلة وجميلة جداً، فلا بديل عن الإسراع في محاولات إنقاذها، ولعل ذلك يتحقق بالتالي: 1 مواجهة نتائج سرطان المدارس الأجنبية التي تحتقر اللغة العربية لدرجة أن بعضها يفرض علي التلاميذ عدم التحدث مع بعضهم بها أثناء فترات الراحة وبين الفصول الدراسية، والمصيبة أن الكثيرين من أولياء الأمور يرحبون بذلك ويتباهون بأن »الولد» يتحدث ما شاء الله بالإنجليزية وكأنه اتولد في لندن! 2 ضرورة بل حتمية أن تعود اللغة العربية إلي مكانتها كمادة أساسية في المناهج الدراسية بحيث تؤثر درجاتها علي النتيجة النهائية للطالب. 3 توقف فوراً ظاهرة انتشار اللافتات والإعلانات باللغات الأجنبية وحدها، وكأننا صرنا مجتمعا أوروبيا لا صلة له باللغة الأم »العربية». 4 تعود اللغة العربية الصحيحة إلي وسائل الإعلام خاصة في المواد الإخبارية والتحليلية. 5 يلتزم الخطباء من المسئولين والمفكرين والبرلمانيين ورجال القضاء باللغة الصحيحة. »الأهلي فوقهم» يرددها دائما »الأهلاوية» أعضاء كانوا أو مشجعين: »الأهلي فوق الجميع» وهم يعتمدون في ذلك علي ما يحققه ناديهم العريق من انتصارات منحته عن جدارة لقب »نادي القرن»، وجعلته عن جدارة يتربع علي القمة الرياضية والاجتماعية، وقد تجلي ذلك بوضوح مبهر ما تحقق مؤخرا من الفوز ببطولة الدوري دون أن يتعرض فريقه لهزيمة واحدة، ثم الفوز بالكأس رغم المنافسات الشرسة، ثم الانتصار المدوي علي غريمه الكبير، ثم الاقتراب من بطولة أفريقيا، وذلك إلي جانب الانتصارات الرائعة في ألعاب جماعية أخري، مما أعاد للشعار الأهلاوي زخمه وبريقه، لكن الجديد هو أن أعضاء النادي العتيد من جمعيته العمومية قرروا أن يكون لهم دورهم هم أيضا في تأكيد المكانة الخاصة جدا لناديهم، إلي جانب ما يحققه نجومه في الكرة وغيرها، حيث كانت لهم وقفتهم الرائعة الحاسمة ضد محاولات إيقاف مسيرة الأهلي من خلال فرض لائحة استرشادية إجبارية عليه وذلك بوضع شروط مجحفة غير قانونية علي إدارة النادي وجمعيته العمومية الخاصة، مما أثار التساؤلات عن موقف ونوايا اللجنة الأوليمبية والوزارة المعنية. لذلك كانت فرصة ذهبية ليسجل أعضاء الجمعية العمومية هدفاً تاريخياً في مرمي المتربصين بناديهم، سواء من جهات خارجية، أو من بعض الذين تحركهم أغراض انتخابية، ومن ثم أكد الأعضاء في جمعيتهم العمومية الخاصة بمقر النادي في الجزيرة، وفي مدينة نصر أن الأهلي فوق الجميع.. خاصة فوق المتربصين والمتآمرين. »الشيخ الذي حرق نفسه» كان يحتمي بثياب العالم الفقيه المتحدث كثيرا في أمور الدين، والشهادة لله أنه أكد امتلاكه لناصية اللغة، والقدرة علي استخدام كل ما يحقق له شعبية كبيرة لدي من كانوا يتابعونه علي الشاشات وعبر الصحف والإذاعات حتي أن البعض غضوا الطرف عن علاقاته الخاصة المريبة بقطر ونظامها الحاكم الذي لم يتورع عن كشف علاقاته الوثيقة مع إسرائيل وإيران وتركيا وأمريكا وارتباطه بالجماعة إياها وتنظيمها الدولي. هكذا كان حال »الشيخ»، وهكذا تمتع لسنوات بشعبية كبيرة.. إلي أن ترك عباءة الدين والدعوة، وانغمس حتي أذنيه في لُعبة السياسة التي أدارت أمريكا وإسرائيل وإيران وتركيا خيوطها القطرية والتي استهدفت تمزيق وتفتيت الدول العربية بمخطط الشرق الأوسط الجديد، كما ظهر بوضوح وسفور استغلالا لثورة الربيع، من خلال الاشتراك المباشر في دعم المنظمات الإرهابية بما يكاد يقضي علي سوريا والعراق وليبيا واليمن. لم يكن »الشيخ» يدري أنه فتح علي نفسه أبواب جهنم التي كانت مغلقة وموصدة حوله »بالضبّة والمفتاح» أي بالستار الديني، وها هو ذا الآن تحاصره الأخبار والأسرار والوثائق والتسريبات التي تكشف ضلوعه في المخطط القطري الإسرائيلي، وتطعن في نزاهته وأمانته ووطنيته وعروبته وحقيقة دعوته، خاصة عندما أفتي بالعمليات الانتحارية ضد الأنظمة العربية، كما انزلق إلي مستنقع عفن عندما اندمج في مدح إسرائيل وجيشها لدي هجومه علي جيش مصر! ولعل ما نشر هذه الأيام في الفضائيات العربية والأجنبية حول دوره قد أكد أن الشيخ حرق نفسه.. وخسر دينه ودنياه. طبعا لا تنتظر عزيزي القارئ أن أذكر لك اسمه، فأنت بالتأكيد تعرفه، وترفضه، كما تعرف وترفض الدويلة التي منحته جنسيتها، ووهبته أموالها لتمتلئ بها مخازنه، ويخسر من خلالها ماضيه وحاضره ومستقبله. »قالها الأبنودي.. وأقولها معه» مخاطبا فلسطين التي ضرب الانقسام العبثي بين فتح وحماس صفها المناضل المقاوم. ومخاطباً الأمة العربية التي ضرب التشرذم والحساسيات العبثية مكمن ومصدر قوتها، قال شاعرنا الكبير عبدالرحمن الأبنودي في قصيدة لم تنشر إلا بعد رحيله: الضعف له قانونه والقوة. للقوي وإسرائيل بتسخر م اللي حاصل قوي بتشاور في المحافل علي شق وسع قوي بقت المعركة ما بينا بكده.. القوي.. قوي القدس بقت بعيدة في صوتكو.. قوي.. قوي والقبة بقت وحيدة غابت م الصوت قوي حيط البراق دقونهم بتبلله.. قوي واسمك أصبح رام الله وغزة بتنشوي الجرح صبح جراح وطبيبه مش قوي علي بال ما فهمنا ذلك كان القوي.. قوي هكذا قالها الأبنودي.. وهكذا قلتها معه.. وإن كنت أود أن أضيف الشعار اليائس البائس: »يا حسرة علينا.. يا حسرة علينا».