غريب أمر لغتنا الجميلة هذه الأيام.. الأخطاء كثيرة وقاتلة ومستفزة تجعل الإنسان يتعجب ويحتار ويقول في سره « لله الأمر من قبل ومن بعد».. وتتساءل في عجب.. من أوصل لغتنا الجميلة إلي هذا التدني وهذه الأخطاء المريعة لعلها المرة الأولي والأخيرة التي أسمع فيها عن قصر البارون إمبابي.. طوال عمري أعرف قصر البارون إمبان المرتبط في أذهان الكثيرين بالعفاريت التي تظهر تحت سلالمه وفي غرفاته.. ولم يخطر علي بالي يوما أن أزوره أو أفكر في رؤياه عن قرب.. في أحد الأيام وصلتني دعوة لفندق البارون إمبان وشاء الحظ الا أذهب إليه.. المهم قبل عدة أيام جاءنا خبر من النيابة الإدارية عن إهدار مال عام في قصر البارون إمبابي.. ووجدت نفسي أتبادل الخبر العجيب مع زملائي في الديسك المركزي ونحن نتعجب من هذا الاسم فلعمري لم أسمع بهذا الاسم الغريب.. حاولت الاتصال بزميلي المحرر الذي كتب الخبر فلم أصل إليه ومن فوري قمت بتغيير الاسم إلي البارون إمبان فلا يوجد في بر المحروسة ما يسمي بالبارون إمبابي أبدا. في البيت شغلني الخبر.. أريد التحقق من صحته وفوجئت بكل المواقع الأخبارية تنشر الخبر كما وصلني.. وعلي شاشة احدي الفضائيات كانت هناك متابعة للخبر بنفس الاسم.. وطالت حيرتي. في صباح اليوم التالي فوجئت بمعظم الصحف تكتب الخبر بنفس الاسم « البارون إمبابي» فتأكدت أن في الأمر شيئا ما.. المهم أصدرت وزارتا الآثار باعتبار الأمر يهمها كأثر مسجل والتضامن باعتبار أن بنك ناصر تابع لها بيانا جاء فيه أن الواقعة تخص عقارا آخر يقع في شارع الثورة بمصر الجديدة بينما يقع القصر المقصود في شارع العروبة.. واكتشفت أن لا أحد ممن تلقوا الخبر كلفوا خاطرهم بالتحري من المصدر عن حقيقة الاسم ولم يستغربوا وجود قصرا بهذا المسمي الغريب ومر الاسم مرور الكرام ولم يصدر تصحيح من المصدر ذاته عن الاسم وتحول البارون إمبان إلي البارون إمبابي في وسائل الإعلام ! لغتنا الجميلة في الإعلام.. آخر مسخرة غريب أمر لغتنا الجميلة هذه الأيام.. الأخطاء كثيرة وقاتلة ومستفزة تجعل الإنسان يتعجب ويحتار ويقول في سره « لله الأمر من قبل ومن بعد».. وتتساءل في عجب.. من أوصل لغتنا الجميلة إلي هذا التدني وهذه الأخطاء المريعة وخاصة علي مواقع التواصل الاجتماعي التي يتداولها الشباب.. الاتهام موجه إلي المدرسة التي لم تستطع تعليم الأولاد لغتهم الأصلية بعدما تخلت عن دورها الرئيسي في تعليم التلاميذ وأهملت المكتبة التي كانت المصدر الاساسي لتعلم اللغة الصحيحة وأصبح جل اهتمام الطالب منصبا علي تحصيل الدرجات فقط ليدخل الكلية والسلام.. ليس مهما إتقان لغته مادام يستطيع تعلم الانجليزية أو الفرنسية أو الالمانية في المدارس التجريبية أو اللغات. وأصبحنا نقرأ في الصحف علي سبيل المثال لا الحصر كلمة « يعضض» بدلا من «يعضد» أي يؤيد أو كلمة «ضابد» بدلا من «ضابط» أي والله هكذا ولا أبالغ.. خذ مثلا طائرة «نفاثة» بالثاء كتبها أحدهم « نفاسة» بالسين.. مثلا كلمة « يتأثر» كتبت هكذا « يتأسر»وكلمة « أخطر» كتبت « أختر».. وهكذا في الجعبة الكثير من هذه الأخطاء المميتة التي تسهم في وأد لغتنا العربية الجميلة. ناهيكم عن الأخطاء الفادحة في النحو والصرف عند معظم الشباب الذين يعملون في أجهزة الإعلام لأنهم لم يتعلموا ولم يعلمهم أحد كيف يرفع المبتدأ وينصب الخبر.. وجاءت الطامة الكبري من السادة المعلمين الذين يقومون بعقد مراجعات خاصة ليلة الامتحان لقواعد النحو والصرف يحضرها الطالب لكي يدرس جملا بعينها ليدخل الامتحان فقط بغرض أن ينجح ويحصل علي المزيد من الدرجات ! يا حسرة علي اللغة العربية التي تتعرض للاغتيال المعنوي علي يد الجميع..طلابا ومعلمين.. نتذكر الآن معارك العامية والفصحي بين فطاحل الشعراء وكيف خاف «الفصحويون» من مناصري العامية وقتها واعتبروها شرا مستطيرا عليهم فلم يتخيلوا يوما أن تتعرض اللغة لما آلت إليه من مصير.. نتذكر الشاعر الجميل فاروق شوشة في برنامجه الشهير الذي لن يتكرر « لغتنا الجميلة» وهو يردد بيت للشاعر الكبير الراحل حافظ إبراهيم : «أنا البحر في احشائه الدر كامن.. فهل ساءلوا الغواص عن صدفاتي».