درسنا في كلية الاعلام أن الاعلامي شخص محايد.. لايجب ان يكون حزبيا.. له رأي ورؤية في الاحداث لكنه لايفرضها علي أحد.. ولايصادر بسببها رأي آخر. وكان استاذنا في ذلك رجل مثالي.. يأخذه الناس قدوة.. لم يطعن في نزاهته وشرفه أحد. وكان جلال الدين الحمامصي استاذا للاجيال في الصحافة والاعلام.. مهما اختلفت معه لاتجد الا احترامه واجبا عليك.. تلاميذه الآن يقودون العمل الاعلامي في كل مكان.. كان رحمه الله، هو المدرسة والناظر ونحن التلاميذ.. ومازلنا التلاميذ في مدرسة الحمامصي.. وبعد ان تخرجنا من الاعلام في منتصف السبعينات انتشرنا في الصحف والاذاعة والتليفزيون وجميع وسائل الاعلام.. ولم تكن خطواتنا الاولي في الحياة الاعلامية وردية.. بل كانت مليئة بالنفاق والاحضان والقبلات الزائفة.. وكان شرطا ان تنافق وتمسح الجوخ لكي تصل.. وكانت التنازلات هي السبيل لفتح الابواب.. أما ما تعلمناه من مثاليات في الاعلام والصحافة.. فلابد أن ننساه.. وإلا تبقي في بيتك تنعي حظك أن التحقت بالاعلام.. واخترت، مع الكثير من الزملاء، ان نمشي علي الاشواك.. اتجرحنا.. وأصابتنا العديد من الطعنات.. لكننا لم نبع ضميرنا او شرفنا او ذمتنا مهما كان الثمن.. تحكم فينا من هم أرازل الناس.. وكان صعبا علينا ان نتعامل معهم.. بعد ان تجرعنا معهم الصبر والمر و»العلجم« حتي وصلت الي حلوقنا الغصة.. لكننا تحملنا الاذي وتحملنا رذالتهم.. وتحملنا سخافاتهم برضاء الله والضمير الحي الذي إن نام ليلته كان في أمان الله.. وان صحا نهاره كان في عنايته! لم نفقد الامل في الله.. وكانت اعمالنا هي عنواننا.. وكانت طهارة اليد هي عقيدتنا.. ورأينا أحوالا لم نرض عنها.. ولم نسكت عنها.. وواجهنا الظلمة، واجهنا المنافقين، واجهنا من تصوروا انهم مخلدون في نعيم النفاق والتزييف.. لكن دولة الظلم ساعة. اما دولة الحق فإنها الي قيام الساعة.. الله اكبر هي شعارنا.. بينما كان سيدهم القابع في كرسي السلطان هو وليهم الاعلي.. يسبحون بحمده.. ويذكرون امجاده.. ويعددون مزاياه.. وعندهم لم تكن له اية اخطاء.. فما بالك بالذنوب والخطايا والاثام التي فجرتها ثورة شباب يناير 52.. والذين وصفهم الطاغوت قبل أن ينهار بأنهم طغمة من الشباب السيس المنفلت.. وسينتهون في لحظة.. استصغروهم.. لكن الله سبحانه وتعالي اعطاهم القوة والصمود ورباطة الجأش التي امامها اختفي جرزان السلطة وقططها السمان ... والطاووس الاكبر.. الذين »نسوا الله فأنساهم انفسهم«!. لا اريد ان ابعد كثيرا عن الاعلام الفاسد.. لأنه زين للسلطان.. فأفسده.. وهذه اسوأ مهمة يضطلع بها الاعلاميون.. لقد تركوا الشعب وارتموا في احضان السلطة.. من وصل الي باب السلطان نجح.. ومن لم يصل الي عتبته تشعبط في سيرته واذنابه.. ومن صعب عليه الاقتراب تنسم بأنفه »مليكه« وتشعبط في الهواء الآتي من ناحية قصره بمصر الجديدة. هكذا الاعلاميون.. تصنعهم الاجهزة.. وليس الكليات الجامعية.. كل الناس تدرك كيف يصل الاعلامي الي منصب ما.. كيف يتم تدريبه وتهيئته.. كيف يصبح رئيسا للتحرير وهو لايستحق ان يكون محررا تحت التمرين.. ومقدما لبرنامج او ضيفا ثابتا علي القنوات الارضية والفضائية.. انها صناعة تضطلع بها اجهزة امن الدولة والمخابرات ودواوين الحكم ليس في مصر وحدها.. بل في العديد من دول العالم الحر وغير الحر.. في امريكا نفسها، المدعي الاول للحرية، يتم صناعة نوعية من الصحفيين هم في الاساس من رجال المخابرات يقومون بمهام غير صحفية تحت ستار الصحافة في دول معينة.. لكنه اسلوب مخالف للقيم والتقاليد والاعراف والحقوق الانسانية.. هي وسيلة غش وخداع يجب ان يضع المجتمع الدولي لها حدا.. وكم من اجهزة تصنع اخبارا مهمتها تخدير الشعوب وتسكينها.. انها معلومات يمررها رؤساء التحرير. وأعود الي واقع الصحافة والاعلام المصري.. الذي تحكمه قوانين متناقضة.. ولايطبق منها شيء.. لاميثاق الشرف الصحفي يطبق.. ولا لوائح آداب المهنة.. ولا قانون تنظيم الصحافة.. ولا قانون نقابة الصحفيين.. ولا حتي قوانين العقوبات والاجراءات الجنائية.. ولايوجد قانون محترم للمعلومات.. حتي النصوص الدستورية لم تطبق.. لان كل شيء بمزاج الحاكم وأعوانه.. ترزية القوانين جاهزون ويسيرون في الشوارع يحملون شعار »قوانين نصلح« مثل الرجل الذي كان يسير في قريتنا زمان ويقول »بوابير الجاز نصلح«!! هكذا عشنا الصحافة واجهزة الاعلام المصرية.. ناس فوق قوي وناس تحت خالص تعيش بضميرها.. اللي فوق يلهف بالملايين.. ويبقي علي الكرسي عقد واثنين وثلاثة.. لايخرج من منصبه الا اذا غضب عليه السلطان.. ويبقي طالما رضي عنه مولاه السلطان. حتي لو صدرت احكام تبطل استمرار البعض بعد السن القانونية.. والآن المجلس الاعلي للقوات المسلحة وحكومة شرف والوزير المسئول عن تصحيح الوضع »مطنشون«!.. لمصلحة من؟! لا أحد يعرف لكن المؤكد ان الاجهزة السرية مازالت تعمل في الخفاء.. اهدار اموال المؤسسات الصحفية مستمر.. اصدارات لاتدر أي دخل مازالت مستمرة.. اساتذة الدمج بين المؤسسات في مزرعة طرة الآن.. والدمج مستمر رغم الخسارة.. المجلس الاعلي للصحافة كيان باطل.. انتهي بانتهاء مجلس الشوري وصفوت الشريف.. لماذا يبقي.. من يصرف عليه.. من أين تأتي امواله.. لقد احترق المبني مثلما احترق الحزب الوطني الديمقراطي وانهار تماما.. واختفي الحزب الوطني... لكن المجلس الاعلي للصحافة مستمر.. لماذا؟ ارحمونا .. ارحموا الصحافة المصرية لتتنسم الحرية بدلا من انتقال النفاق من مبارك للجمل او شرف او غيرها!