رجل الدولة ورجل السياسة    فلكيًا.. موعد المولد النبوي الشريف 2025 رسميًا في مصر وعدد أيام الإجازة    رئيس شعبة السيارات: خفض الأسعار 20% ليس قرار الحكومة.. والأوفر برايس مستمر    وداعا لمكالمات المبيعات والتسويق.. القومي للاتصالات: الإيقاف للخطوط والهواتف غير الملتزمة بالتسجيل    مروة يسري: جهة أمنية احتجزتني في 2023 أما قلت إني بنت مبارك.. وأفرجوا عني بعد التأكد من سلامة موقفي    كشف المجتمع    حين يصل المثقف إلى السلطة    أذكار الصباح اليوم الخميس.. حصن يومك بالذكر والدعاء    للرجال فقط.. اكتشف شخصيتك من شكل أصابعك    ابلغوا عن المخالفين.. محافظ الدقهلية: تعريفة التاكسي 9 جنيهات وغرامة عدم تشغيل العداد 1000 جنيه    إنذار واستهداف المعقل السياسي.. كيف يخطط الجيش الإسرائيلي ل احتلال غزة؟    «عنده 28 سنة ومش قادر يجري».. أحمد بلال يفتح النار على رمضان صبحي    «ظهر من أول لمسة.. وعنده ثقة في نفسه».. علاء ميهوب يشيد بنجم الزمالك    الآن.. شروط القبول في أقسام كلية الآداب جامعة القاهرة 2025-2026 (انتظام)    تعاون علمي بين جامعة العريش والجامعة المصرية اليابانية للعلوم والتكنولوجيا    إصابة مواطن ب«خرطوش» في «السلام»    درجة الحرارة تصل 43.. بيان مهم من الأرصاد يكشف حالة الطقس اليوم    سعر السمك البلطي والكابوريا والجمبري بالاسواق اليوم الخميس 21 أغسطس 2025    توقعات الأبراج حظك اليوم الخميس 21-8-2025.. «الثور» أمام أرباح تتجاوز التوقعات    سامح الصريطي عن انضمامه للجبهة الوطنية: المرحلة الجديدة تفتح ذراعيها لكل الأفكار والآراء    عيار 21 الآن وأسعار الذهب اليوم بالسودان ببداية تعاملات الخميس 21 اغسطس 2025    عيار 21 بالمصنعية يسجل أقل مستوياته.. أسعار الذهب والسبائك اليوم بالصاغة بعد الهبوط الكبير    لماذا لا يستطيع برج العقرب النوم ليلاً؟    استشاري تغذية يُحذر: «الأغذية الخارقة» خدعة تجارية.. والسكر الدايت «كارثة»    «لجنة الأمومة الآمنة بالمنوفية» تناقش أسباب وفيات الأمهات| صور    "أخطأ في رسم خط التسلل".. الإسماعيلي يقدم احتجاجا رسميا ضد حكم لقاء الاتحاد    محافظ كفر الشيخ يقدم واجب العزاء في وفاة والد الكابتن محمد الشناوي    اتحاد الكرة يفاوض اتحادات أوروبية لاختيار طاقم تحكيم أجنبي لمباراة الأهلي وبيراميدز    90 دقيقة تحسم 7 بطاقات أخيرة.. من يتأهل إلى دوري أبطال أوروبا؟    "تجارة أعضاء وتشريح جثة وأدلة طبية".. القصة الكاملة وآخر مستجدات قضية اللاعب إبراهيم شيكا    الجبهة الوطنية يعين عددًا من الأمناء المساعدين بسوهاج    رئيس اتحاد الجاليات المصرية بألمانيا يزور مجمع عمال مصر    حماس: عملية «عربات جدعون 2» إمعان في حرب الإبادة.. واحتلال غزة لن يكون نزهة    الصحة في غزة: ارتفاع حصيلة ضحايا المجاعة وسوء التغذية إلى 269 بينهم 112 طفلًا    شراكة جديدة بين «المتحدة» و«تيك توك» لتعزيز الحضور الإعلامى وتوسيع الانتشار    ضربها ب ملة السرير.. مصرع ربة منزل على يد زوجها بسبب خلافات أسرية بسوهاج    شراكة جديدة بين "المتحدة" و"تيك توك" لتعزيز الحضور الإعلامي وتوسيع نطاق الانتشار    زعيم كوريا الشمالية يدعو لتوسيع الترسانة النووية لبلاده    لبنان: ارتفاع عدد ضحايا الغارة الإسرائيلية على بلدة "الحوش" إلى 7 جرحى    الجنائية الدولية: العقوبات الأمريكية هجوم صارخ على استقلالنا    بعد التحقيق معها.. "المهن التمثيلية" تحيل بدرية طلبة لمجلس تأديب    بعد معاناة مع السرطان.. وفاة القاضي الأمريكي "الرحيم" فرانك كابريو    ليلة فنية رائعة فى مهرجان القلعة للموسيقى والغناء.. النجم إيهاب توفيق يستحضر ذكريات قصص الحب وحكايات الشباب.. فرقة رسائل كنعان الفلسطينية تحمل عطور أشجار الزيتون.. وعلم فلسطين يرفرف فى سماء المهرجان.. صور    ناصر أطلقها والسيسي يقود ثورتها الرقمية| إذاعة القرآن الكريم.. صوت مصر الروحي    السفير الفلسطيني بالقاهرة: مصر وقفت سدًا منيعًا أمام مخطط التهجير    احتجاجات في مايكروسوفت بسبب إسرائيل والشركة تتعهد بإجراء مراجعة- فيديو    طارق سعدة: معركة الوعي مستمرة.. ومركز لمكافحة الشائعات يعمل على مدار الساعة    استخدم أسد في ترويع عامل مصري.. النيابة العامة الليبية تٌقرر حبس ليبي على ذمة التحقيقات    عودة شيكو بانزا| قائمة الزمالك لمواجهة مودرن سبورت    جمال شعبان: سرعة تناول الأدوية التي توضع تحت اللسان لخفض الضغط خطر    كلب ضال جديد يعقر 12 شخصا جديدا في بيانكي وارتفاع العدد إلى 21 حالة خلال 24 ساعة    عودة المياه تدريجيا إلى كفر طهرمس بالجيزة بعد إصلاح خط الطرد الرئيسي    وفاة أكثر قاض محبوب في العالم وولاية رود آيلاند الأمريكية تنكس الأعلام (فيديو وصور)    افتتاح قمة الإبداع الإعلامي للشباب العربي بحضور هنو ومبارك وعمار وعبدالغفار وسعده    ما الفرق بين التبديل والتزوير في القرآن الكريم؟.. خالد الجندي يوضح    أمين الفتوى يوضح الفرق بين الاكتئاب والفتور في العبادة (فيديو)    طلقها وبعد 4 أشهر تريد العودة لزوجها فكيف تكون الرجعة؟.. أمين الفتوى يوضح    كيف يكون بر الوالدين بعد وفاتهما؟.. الإفتاء تجيب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



يوميات الأخبار
نشر في الأخبار يوم 24 - 06 - 2017

خرجت من الغرفة وسرت في طريقي الذي جئت منه فلم أفلح.. عدت إلي الغرفة وقمت بمحاولة ثانية وثالثة ورابعة.. ولا أبالغ مطلقا.. في كل مرة أخرج من الغرفة أعود إليها من جديد
سافرت إلي تونس في شتاء عام 2012 بعد ثورة الياسمين بنحو عام للمشاركة في أحد المهرجانات الثقافية.. لم تكن وجهتي إلي العاصمة.. كان المهرجان في ولاية الكاف في أقصي الشمال التونسي.. لم أكن قد سمعت بهذه الولاية من قبل وكل ما استطعت الحصول عليه من معلومات أنها منطقة يكسوها الجليد في الشتاء وتشبه سويسرا الأوروبية.
من مطار العاصمة التونسية.. وبعد السلام والترحيب المعتاد ركبت بجوار السائق في طريقي إلي وجهتنا.. كانت الساعة تقترب من الرابعة عصرا حسب التوقيت المحلي.. خرجنا من العاصمة إلي طريق تمتد الخضرة علي جانبيه.. مراعٍ طبيعية من صنع الخالق سبحانه وتعالي.. كانت السيارة تنهب الطريق بسرعة وبعد مسيرة لأكثر من ساعتين وربع توقف السائق في نقطة تفتيش تتبع الدرك التونسي في منطقة صحراوية علي الطريق.. نزل السائق وتحدث مع الضابط الشاب الذي طلب منه عدم التوقف علي الطريق أيا كان السبب وأن يسرع الخطي حتي نصل إلي مقصدنا بدون مشاكل.
الطريق يشبه إلي حد كبير الطرق غير المأهولة.. لا تشاهد فيه سوي بيوت ريفية صغيرة ورعاة الأغنام فنحن خارج العاصمة بمبانيها الشاهقة وشوارعها الفسيحة وماركات السيارات الفخمة.. هنا لا وجود لكل هذا.. جبال تكسوها الخضرة علي جانبي الطريق وبعضها يميل إلي الاصفرار.. الحياة هنا تبدو صعبة إلي حد ما.
شعرت بضيق السائق القليل الكلام فسألته عما قاله الضابط الذي سمعت حديثه لقربي منهما ورغم اللهجة السريعة كنت علي يقين أن شيئا ما أزعجه.. نظر السائق لي وهو يطلب مني الا أقلق فأنا في بلدي الثاني ومسئوليته أن يصل بي إلي المكان المطلوب.
واصلنا سيرنا وتوقفت السيارة علي جانب الطريق وكنا قد قطعنا مسافة كبيرة.. نزلت أتحدث مع السائق الطيب الذي تعدي عمره الخمسين بعامين فقال لي : هل تتذكر محمد البوعزيزي فقلت بفرحة : نعم.. أليس هو من كتب شرارة ثورة الياسمين في بلدكم.. نظر السائق لي وهو يبتسم.. نعم سيدي.. نحن الآن في ولاية القصرين التي انطلقت منها شرارة الثورة وتتبعها بلدة البوعزيزي وأيضا هي بلد الرئيس الباجي قائد السبسي.
كان السائق يبدو غاضبا وهو يوجه لوما شديدا إلي الرئيس السابق زين العابدين بن علي.. انظر إلي الطريق وما حوله لتعرف كيف همشنا ذلك الرجل ولم يهتم بنا.. انظر إلي الفقر الشديد الذي نعيش فيه لتعلم أننا كنا علي حق يوم أطحنا به وتخلصنا من سنوات حكمه.هكذا وجه لي حديثه.. لو كان صنع لنا طريقا جيدا لكنا وصلنا إلي وجهتنا في ساعات قليلة.. ثم قال لي : نحن نحب مصر كثيرا وفرحنا عندما قمتم بثورتكم أنتم أيضا.. يا أخي الفقر الشديد الذي نعاني منه منذ سنوات طويلة لا أتذكرها هو سر فرحتنا بالتغيير.. لا أعرف لماذا عادت بي الذاكرة إلي عام 1987 وكنت أعمل في جريدة الوطن اليومية بسلطنة عمان.. اتصلت السفارة التونسية بمسقط وأرسلت بيانا ما زلت أتذكره عن تولي بن علي وزير الداخلية الحكم في تونس نظرا للحالة الصحية السيئة للحبيب بورقيبة مع صورة كبيرة للرئيس الجديد بشعره الأسود الفاحم وهو يرتدي بدلة سوداء ويتدلي من رقبته أحد أوسمة التكريم التي حصل عليها.. في تلك الليلة حضرنا مع بعض الزملاء احتفالا بالسفارة إيذانا ببدء عهد جديد في تونس الخضراء.
كنا قد تجاوزنا القصرين قليلا في طريقنا إلي ولاية الكاف القريبة من الحدود الجزائرية.. نفس الملامح.. مناطق تشبه إلي حد كبير بعضها في وعورة الطرق وفقر المباني علي جانبيه وافتقارها إلي سكان يبعثون فيها الحياة..حوانيت بسيطة جدا وبيوت متهالكة فنحن في مناطق حدودية ينبغي الحذر فيها جدا.. هكذا قال الضابط الشاب في قوات الدرك للسائق.. هنا يمكن أن يخرج عليك إرهابي يقطع الطريق فكن علي حذر.. لم يعد الوضع آمنا.. قفز إلي ذهني علي الفور تلك الأيام التي أعقبت ثورة 25 يناير 2011 بعد الإطاحة بمبارك وكيف كانت الأوضاع غير آمنة علي الطرق وحوادث السرقات المسلحة وانتشار العصابات علي الطرق الزراعية والصحراوية وكيف عانينا منها سنوات.
قبل وصولنا إلي الكاف.. قال السائق : هذه المناطق الحدودية فيها جبال وعرة وتضاريس صعبة ويتواجد فيها عصابات مسلحة من المتطرفين فنحن علي مقربة من الحدود الجزائرية حيث ينشط الإرهابيون ويجدون فيها ملاذا آمنا للهروب من قوات الدرك.
كان الوقت ليلا حينما وصلنا إلي ولاية الكاف.. عرج بنا السائق إلي طريق جانبي في أول البلدة وتوقف أمام احدي البنايات القديمة وهتف مرحبا بي : هنا سوف تجلس يا أخي وسوف يمر عليك أحد الزملاء في الصباح الباكر ليأخذك إلي مكان الاحتفال في نهاية البلدة.. تركني وذهب وأخرجت جواز سفري وسلمته إلي الرجل الجالس في الاستقبال ليقودني إلي غرفتي.. لم أستطع التعرف علي المكان الذي سيكون محل إقامتي ولم يبد مريحا لي.. كان الرجل يتحدث بلهجة صارمة تخلو من الترحيب تماما.. سلمني جواز السفر مع مفتاح الغرفة وقادني بنفسه عبر سلالم صعودا وهبوطا حتي وجدت نفسي أمام الغرفة.. نظرت حولي فلم أجد أحدا بجواري.
سلمت أمري لله وحده وقلت في نفسي.. أبيت الليلة علي أي حال وفي الصباح سوف نري.. في الغرفة كان الجو يبدو خانقا وأشعر بسخونة شديدة كأنني في فرن بلدي.. خلعت ملابسي لكي أتخفف من ملابسي التي أرتديها منذ الصباح ودخلت إلي الحمام.. وجدت المواسير تكاد أن تصرخ من شدة السخونة فتذكرت أن الجو بارد جدا في الخارج وهكذا يقومون بتسخين الغرف.. وتذكرت أنني لم أتناول بعد طعاما منذ غادرنا الطائرة في مطار العاصمة التونسية فقررت الخروج من الغرفة والذهاب إلي الاستقبال بالفندق.. طلبت الهاتف عشرات المرات فلم يجبني أحد.. خرجت من الغرفة وسرت في طريقي الذي جئت منه فلم أفلح.. عدت إلي الغرفة وقمت بمحاولة ثانية وثالثة ورابعة.. ولا أبالغ مطلقا.. في كل مرة أخرج من الغرفة أعود إليها من جديد.. جربت كل الطرق وفي نهاية المطاف وبعد محاولات كثيرة وجدت نفسي في الاستقبال أمام الرجل الصامت الذي لا يتكلم أبدا والذي يشبه كثيرا تلك الوجوه في روايات أرسين لوبين لموريس لبلان أو بؤساء فيكتور هوجو.. هو يتحدث الفرنسية بطلاقة والتي لا أجيد التحدث بها ولا يتكلم العربية الا قليلا.. بادرته معاتبا عن تلك الغرفة التي تركني فيها والتي لا أعرف كيف أصل إليها ثانية وكيف تركني بدون أن يسألني عما أنا في حاجة إليه.. لم يرد علي فهو لم يفهمني حتي تدخل رجل كان يجلس وحيدا في نفس المكان تكلم معه فقال له : إنه لم يطلب مني طعاما وأن الغرفة هي آخر غرفة في الفندق وعلي أن أحمد الله أنه قبل وجودي فيها وذهب لإحضار عشائي الذي لم أحدده.. كان المكان يبدو فقيرا جدا وليس به أي وسيلة ترفيه علي الإطلاق سوي جهاز التليفزيون المتواجد في الاستقبال فقط.
توكلت علي الله ونمت بعين نصف مفتوحة حتي طلع الصباح.. فوجئت بجرس التليفون يرن وهو الذي أبي بالأمس أن يعمل وصوت شخص يطلب مني الاستيقاظ من أجل تناول الإفطار.. قمت من نومي المتقطع فغسلت وجهي وارتديت ملابسي وخرجت من الغرفة قاصدا الاستقبال فتكررت معي محاولات الأمس وشيئا فشيئا وبصعوبة شديدة وصلت وتناولت إفطاري ووجدت شخصا في استقبالي من جهة الاحتفال لكي يوصلني إلي المكان.
كنت محرجا أن أحكي له ما حدث لي بالأمس وأنني لم أنم حتي الصباح.. قلت في نفسي أن أؤجل أي حديث للنهاية حتي لا أتسبب في حرج لمن دعوني لهذا المهرجان.
في الصباح أيضا اكتشفت أن الفندق عبارة عن قلعة قديمة تحيط بها الجبال من كل جانب وأنه يقبع في وسطها وعرفت سر الغرفة التي أصل إليها بعد صعود درجات وهبوط درجات وأن الغرفة تحت الأرض فيما يشبه القبو.. وتداعت إلي ذاكرتي كل الروايات التي قرأتها في صدر شبابي واتخذت قراري الا أدخل إلي هذه الغرفة مرة أخري حتي ولو ظللت ساهرا طوال وجودي في تونس !
المهم ذهبت إلي مكان الاحتفال الذي أقيم في قاعة فسيحة بمبني يتبع وزارة الثقافة وعلمت بوجود وفود من فرنسا والولايات المتحدة ولوكسمبرج ومعظم الدول العربية وشاركت منذ الصباح في كافة الفعاليات الثقافية وفي المائدة المستديرة وتحدثت عن آفاق المستقبل في المسرح المصري والحياة الثقافية في مصر وعن تجربة قصور وبيوت الثقافة في مصر وكيف تساهم في محاربة الإرهاب.
واستقبلني مدير المهرجان في مكتبه مشيدا بالعلاقات القوية بين مصر وتونس متمنيا لي طيب الإقامة في بلدي الثاني وهنا طلبت منه وأنا في حرج بالغ البحث عن أي مكان لي بعيدا عن هذه القلعة التي وجدت نفسي فيها ففوجئت برده : هذا الفندق هو الوحيد في البلدة وأن هناك فندقا آخر أقل في المستوي وأنهم اختاروا لي هذا المكان لتميزه وأسقط في يدي فسكتت.
عدت إلي فندق أرسين لوبين في المساء وقررت أن أتعايش معه بأي ثمن فقد أكرموني وليس في وسعهم غير ذلك وصممت علي اكتشاف مداخل ومخارج المكان وأن أظل في الاستقبال أسيرا حتي يغلبني النعاس فأذهب للنوم ودربت نفسي عدة مرات علي الدخول لغرفتي والخروج منها وحددت لنفسي علامات أعرف من خلالها أنني في الطريق الصحيح وقضيت عدة أيام من أمتع ما قضيت في هذه الولاية وتجولت في أسواقها الشعبية البسيطة وجلست علي مقاهيها وزرت بعض معالمها والتقيت زوارا لها مثلي من الأخوة الجزائريين الذين يعتبرونها محطة العبور إلي بلادهم. وتمتعت بكرم التوانسة الذين يشبهوننا كثيرا.. أردت أن أشتري أي شئ قبل عودتي فلم أجد الا أسطوانات لأم كلثوم وعبد الحليم حافظ وفريد الأطرش والأغاني الشعبية الشهيرة في ولاية جندوبة الحدودية أيضا وما تزال أصداء هذه الرحلة في ذاكرتي حتي الآن رغم مرور السنين.
في هذه الزيارة عرفت لماذا يجد الإرهاب ضالته في هذه المناطق المهمشة.. وسمعت وقتها من الأخوة التونسيين أن متطرفين اعتدوا علي مجموعة من المثقفين والمسرحيين ومنعوهم من تقديم مسرحياتهم في شارع الحبيب بورقيبة بالعاصمة وهذا أحد توابع تنامي ظاهرة الإرهاب في بلد يعشق الفن والثقافة.
»إن الله يحب أن تؤتي رخصه»‬
خلال شهر رمضان المبارك الذي ودعناه بالأمس.. أتذكر هذه الحكاية التي جعلتني أشد التصاقا بالمولي عز وجل وحرصا علي رضائه مشددا بيني وبين نفسي علي الاستعداد للصوم في هذا الشهر الكريم ومدربا إياها علي التقرب إلي الله مناشدا عفوه ورحمته حريصا علي فهم ديني.
كنت أعتقد أن الله شرع رخصة السفر لهؤلاء الذين يعانون مشقة الطريق قبل اختراع الطائرات والسيارات وعجز عقلي عن إدراك أن التعليمات الإلهية لكل زمان ومكان وأن الله يحب أن تؤتي رخصه كما تؤتي عزائمه.. وإليكم هذه الحكاية.
في أحد أيام شهر أغسطس قبل نحو أعوام كثيرة..كنا في شهر رمضان المبارك وكان الجو شديد الحرارة.. وكان علي أن أعود إلي عملي في سلطنة عمان.. ركبنا الطائرة في طريقنا إلي مطار المنامة الدولي ومن ثم إلي مطار السيب الدولي ( مسقط الآن).. علي الطائرة جري حصر المسافرين الصائمين وكنت واحدا منهم.. وحدد كبير المضيفين عددنا الذي لم يزد علي بضعة أشخاص صممنا علي الصوم وعدم الإفطار.. كان منطقي أن زمن الرحلة إلي البحرين لن يزيد علي ثلاث ساعات ونصف الساعة وأنني سوف أتناول إفطاري مع المسافرين الصائمين قبل وصولنا إلي المنامة.. توكلت علي الله وقررت مواصلة الصيام.. وضعت سماعات الأذن علي إذاعة القرآن الكريم وأكملت رحلتي فالطائرة مكيفة ولن أشعر بأي صعوبة وسألت نفسي.. ليس هناك ما يدعو إلي الإفطار.
وقبل وصولنا بدقائق إلي مطار المنامة أعلن الكابتن أن آذان المغرب حان الآن في البحرين وقام طاقم الضيافة بتوزيع وجبة الإفطار علينا مع كوب من عصير البرتقال وعندما هممت بتناول الإفطار أعلن الكابتن قائد طائرة طيران الخليج الاستعداد للهبوط في المطار وبسرعة قام الطاقم بأخذ الوجبات كما تقضي تعليمات الطيران عند الهبوط أو الإقلاع.. نزلت الطائرة بسلام وغادر الركاب إلي خارجها انتظارا لاستكمال رحلتنا إلي مسقط.. في المطار.. كان الجميع يتناولون الإفطار.. مددت يدي في جيوبي فلم أجد سوي حوالي مائتي جنيه وتذكرت أن الدولارات التي كانت معي تركتها في حقائبي فلم أتحسب لحدوث مثل هذه الظروف.. ذهبت إلي البائع الهندي في أحد محال مطار المنامة ومددت يدي بمائة جنيه وطلبت منه علبة بسكويت وكوب شاي فرفض لأنه لا يعرف عملتنا وحاولت أن أتفاهم معه فلم يستجب.
علي مقربة منا كان يمر رجل أمن بحريني فسمع حوارنا وإذا به يأمر البائع أن يلبي طلبي وأصر علي دفع الحساب قائلا لي : يا أخي نحن أخوة وأنت صائم وعنف البائع الهندي بشدة.. جلست علي أحد المقاعد أتناول إفطاري.. ولسوء حظي تأخرت الطائرة القادمة من بومباي والتي ستقلني إلي وجهتي الأخيرة وجلست منتظرا أكثر من أربع ساعات ونصف الساعة حتي تم النداء علي الركاب فصعدنا في طريقنا إلي مسقط التي وصلنا إليها بعد نحو ساعة وربع وخرجنا من المطار والفجر علي وشك أن يؤذن وتناولت شربة ماء ونويت الصيام وأنا في طريقي إلي بيتي بالعاصمة مسقط.. وهكذا ظللت صائما بدون إفطار أو سحور حتي مغرب اليوم التالي وتعلمت درسا مهما وأيقنت أنني أخطأت في عدم استخدام الرخصة الإلهية التي منّ الله بها علي عباده وعرفت معني حديث رسول الله صلي الله عليه وسلم :
»‬ إن الله يحب أن تؤتي رخصه كما يحب أن تؤتي عزائمه».
كنت شابا صغيرا أتميز بالحماس وقوة التحمل كسائر من هم في مثل عمري.. وصممت علي الصيام وفسرت الأمور علي هواي وأن الناس زمان كانوا يركبون الجمال يمشون في الصحراء تحت الشمس المحرقة ويعانون من مشقة الطريق أما أنا فأركب طائرة مكيفة ولا أعاني من أي مجهود وبالتالي لست في حاجة إلي استخدام هذه الرخصة.
لم أسأل نفسي سؤالا وجيها وقتها : أليس من وضع هذه الرخصة يعلم بزماننا هذا وأنه يعلم غيب السموات والأرض وأن هذه الرخصة تصلح لكل زمان ومكان حتي يوم القيامة وأن الله سبحانه وتعالي يشدد علي إتيان رخصه وأنه رؤوف بعباده عليم بهم وأنني خالفت تعاليمه بحسن نية وتطرف في عبادته حبا في نيل ثواب أعظم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.