لأن شهر رمضان تتضاعف فيه الحسنات وتتعاظم فيه الأجور، تهفو قلوب المسلمين إلى عدم تفويت هذه الفرصة حتى لو كانوا من أصحاب الرخص أو ذوى الأعذار التى تبيح لهم الإفطار.. حتى يكاد البعض يعرض صحته للخطر، فيصوم وإن شق عليه الصوم، ويأبى العمل بالرخصة دون العزيمة. علماء الدين يؤكدون أن الإصرار على العزيمة دون الرخصة فى العبادات مشقة على النفس، وتحميلها بما لا تطيق، فالله أعلم بحال عباده وطاقاتهم، ولم يشرع العبادات ليعذبنا بها، ومن كان حاله محل رخصة فليترخص، فلا حاجة لله فى تعذيبنا أنفسنا. لذلك اختتمت آيات الصيام بقوله تعالى «يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر». ويوضح الشيخ عبد الحميد الأطرش رئيس لجنة الفتوى بالأزهر سابقا أن الصوم عبادة شاقة ، لأن المسلم حين يصوم إنما يتمثل درجة أعلى من الملائكة، حيث إن الملائكة لا يأكلون ولا يشربون ولا يتغوطون، ولا يتناكحون ولا يتناسلون. والله سبحانه وتعالى حينما أمرنا بالعبادات لم يكن يريد أن يعذبنا أو يشق علينا، ولكنه أراد أن يهذبنا ويقربنا إليه بما افترضه علينا، ولأنه سبحانه هو خالقنا يعلم أحوالنا وطاقاتنا، قوينا وضعيفنا، فقد جعل لكل منا ما يتماشى مع حاله، ففى الصلاة رخص بالجمع والقصر أثناء السفر كما رخص بالتيمم عند افتقاد الماء، وفى رمضان رخص الإفطار لمن شق عليه الصيام مشقة غير محتملة، فالله لا يكلفنا إلا ما تحتمله نفوسنا قال تعالى «لا يكلف الله نفسا إلا وسعها»..ومن ثم هناك فئات يجوز لها الإفطار فى رمضان، منهم: المريض والمسافر والشيخ الكبير الذى لا يقوى على الصيام. والترخص فى الصيام أجمله القرآن الكريم فى قوله تعالي: «يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون. أياما معدودات فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين فمن تطوع خيرا فهو خير له وأن تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون. شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ..». وأوضح الأطرش أن المريض نوعان: مريض يرجى شفاؤه، ومريض لا يرجى شفاؤه، أما المريض الذى يرجى شفاؤه فله أن يفطر فى رمضان وعليه القضاء بعد رمضان، أما المريض مرضا مزمنا لا يرجى شفاؤه فله الإفطار مع الكفارة وهى إطعام عن كل يوم مسكينا من أوسط ما يطعم أهله. كذلك المسافر له الحق فى الإفطار، إذا كان سفره لمسافة تزيد على 80 كيلو مترا حتى وإن كان مسافرا على طائرة، لأن المسافر على طائرة وإن ذهبت عنه المشقة الصحية فإن عليه مشقة نفسية للاغتراب وفراق الأهل ومغادرة الأوطان، وهكذا، فقال صلى الله عليه وسلم »ليس من البر الصيام فى السفر«، وذلك لمن يجد فى الصيام مشقة. فالمسافر إذا قدر على الصيام كان أفضل، وإن لم يقدر على الصيام فله أن يفطر وعليه القضاء أو الفدية بحسب حاله. وقال صلى الله عليه وسلم« إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما تؤتى عزائمه«. وكذلك السائق المسافر سفرا طويلا طيلة نهار الشهر إذا كان لا يقوى على الصيام فله رخصة الإفطار، على أن يصوم فى أيام أخر بعد رمضان كأيام الشتاء مثلا التى يقصر فيها النهار ويقل الحر والعطش، أما إذا كان سفره متكررا ومتواصلا ولا يحتمل الصيام فله الحق فى الإفطار وعليه الفدية. وهذا بالطبع شرط أن يكون السفر فى طاعة الله عز وجل عمل بر أو سعيا على المعاش، أما سفر المعصية فعليه الذنب والمعصية معا. كذلك أصحاب الأعمال الشاقة كعمال المناجم والمحاجر والمخابز، ونحوهم..كل هؤلاء يجوز لهم الفطر وعليهم القضاء فى أيام الإجازات، أما إذا كان عملهم مستمرا دون انقطاع لظروف المعيشة وغيرها، فيجوز لهم الإفطار وعليهم الفدية. وكذا المرأة الحامل والمرضع، إن خافت على نفسها أو على حملها أو رضيعها التعرض للخطر أو الضعف المؤدى للهلاك، فيجوز لها الفطر مع القضاء. وكبير السن الذى لا يقوى على الصيام لمرض أو غير مرض كضعف عام ووهن شيخوخة، يجوز له الفطر مع الفدية، أما كبير السن الذى يقوى على الصيام فالصوم له أولى لقوله صلى الله عليه وسلم« صوموا تصحوا«، فالعبرة بالاستطاعة وليس بالسن. والمريض الذى ينصحه الأطباء بعدم الصيام ليس له أن يصوم حتى لا يعرض نفسه للهلاك، ولا يظنن أنه مأجور على مشقته لنفسه، فما دام الذى نصحه بالإفطار طبيبا مسلما أمينا متخصصا فله أن يأخذ برأيه. وهو مأجور أيضا على أخذه بالرخصه، لأن الله عز وجل كما فى الحديث يحب أن تؤتى رخصه كما تؤتى عزائمه«. ويلفت الدكتور ناصر محمود وهدان رئيس قسم اللغة العربية بجامعة قناة السويس، إلى أن الطبيب المتخصص يكون هو الفقيه المسئول عن قرار الإفطار أو عدمه بالنسبة للمريض، وليس للمريض أن يجتهد بعد ذلك ويخالف أمر الطبيب حتى لا يعرض نفسه للخطر والله عز وجل حذرنا من ذلك فقال: «ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة». وأضاف: إن الحالات التى تنطبق عليهم الأخذ بالرخص الشرعية، وإن كان قد أبيح لها الأكل والشراب فى نهار رمضان، فإن عليهم أن يراعوا مشاعر غيرهم من الصائمين، أى لا ينبغى لمفطر أن يأكل أو يشرب أمام صائم فى نهار رمضان وإن كان من ذوى الأعذار، مراعاة لمشاعر الصائمين.