رمضان والإفطار والجنة بأرخص الأسعار!! تمنيت لو صعدت روحي إلي خالقها وأنا صائم!! - أسبابي في الإفطار هي الاستفادة بتلك الرخصة التي منحها الله لعباده الذين يتحملون الصيام بمشقة شديدة وأنا منهم - لكني خجلت من نفسي، ونويت الصيام برغم قسوة الحر في هذه الأيام!! ونويت الصيام برغم الحر وطول النهار، خصوصا انني في العام الماضي عانيت من صيام يوم أشرفت فيه علي الهلاك ونصحني أهل العلم والدين بالإفطار وقالوا لي »إن الله يحب ان تؤتي رخصه كما تؤتي عزائمه«.. ولكنني رفضت وقلت كما قال الله في القرآن الكريم »وأن تصوموا خير لكم« وتمنيت لو صعدت روحي إلي خالقها وأنا صائم وأتممت الصوم وأدركتني فرحة الصائم عند الإفطار في نهاية النهار، وهي إحدي الفرحتين اللتين وعد الله بهما عباده الصائمين.. وكان من أسباب تراجعي عن قرار الإفطار.. هو الخجل من النفس والخوف من مواجهتها!! ورحلتي مع الشهر الفضيل بدأت منذ 05 عاما بتكليف من أبي مع خوف وإشفاق من أمي رضوان الله عليهما وكانت بداية الصيام في مثل هذه الأيام من الحر.. وطول النهار كانت حياتي قاسية في تلك الفترة من طفولتي وصبايا المبكر. من أسباب قسوتها العمل الشاق في الحقل وقت الحصاد كنت مكلفا بركوب »النورج« في »الجرن« وكنت أتمني لو استريح قليلا تحت ظل فقير ولا استطيع، وكنت أري الماء في الترع والجداول وأتمني لو تدركني قطرات منه قبل ان يدركني الموت بسبب عطش الصيام، وأجتزنا امتحان الصوم في تلك الأيام.. وتعاقبت السنوات وأدركنا رمضان في جميع الفصول، ويبقي أثر الصيام في ذاكرتي مقترنا بالمعاناة والتحدي وحلاوة الفوز بفوز الصائم.. ولما جاء رمضان هذا العام.. برزت علي الفور ذكريات تلك الأيام الأولي.. وبرز عذاب صوم أحد أيام العام الماضي مع مواكبة إعلامية تتحدث عن حرارة أيام الصيف وعرفت الخوف.. وقررت الإفطار مع التزامي بالفدية وإطعام المساكين من أوسط ما نأكله، ولكني خجلت من نفسي ووجدتني اتساءل: هل ما أنت فيه من نعمة يكون سببا في نعومتك أو مدعاة لحسن عبادتك؟ ووجدت نفسي أتحدث مع نفسي بقدر من الخجل الداخلي لمجرد التفكير في قرار الإفطار وأقول هل من الممكن دخول الجنة بأرخص الأسعار!! هل الجنة يستطيع شراءها الأغنياء؟ فهم قوم منعمون ولا يطيقون الصوم، ويستطيع أولئك القوم.. إطعام ألف مسكين في اليوم؟ وبذلك تكون الجنة للقادرين عليها من أهل الدنيا.. والذين كانت هجرتهم في الحياة إلي هذه الدنيا وهم الآن بأموالهم يصيبون الآخرة بعدما أصابوا الدنيا!! ووجدت نفسي وقد زجرت تلك الوساوس والهواجس عن الإفطار.. وتتذكر نفسي نعمة الله عليها أن بدل القسوة في العيش بالراحة فيه، وبدل خوفي من الصيام آمنا فيه مثلما بدل ركوب النورج في زمن الصبا بالسيارة الخاصة.. وجعل هجير الشمس في زمن الحصاد »تكييف الهواء« في المكتب والمنزل.. الذي يأتيني هواؤه البارد منعشا كنسيم الجبال العالية!! وجعل من ماء الجداول في الحقول جميع أصناف المرطبات في الثلاجات. وكنت اسأل نفسي باستنكار: أيهما أفضل: أن تصوم رمضان في صباك خوفا من تلك الكلبة السوداء التي تأكل مصران المفطرين أو الصيام في رجولتك طاعة لله وحباً!! - كنت أقول لنفسي: إن المفطرين ليس من حقهم ذلك الفرح الغامض بمباهج الحياة للصائمين.. وليس من حقهم التمتع بجمال الأيام وتغييرها.. لأن أيام المفطر كلها متشابهات وتتميز أيام الصيام بنعمة التغرد والمهابة.. والجلال.. وأنها ليست ككل الأيام!! كما أنه ليس من حق المفطرين الاستمتاع بكل ما أعده البشر للصائمين من برامج واهتمام وتوفير طعام.. فما بالك بوعد الله الذي جاءنا في الحديث القدسي الذي يقول: »أما الصوم فهو لي.. وأنا أجزي به« والحمد لله من قبل.. ومن بعد أن هدانا للإيمان.. مثلما هدانا إلي نعمة الصيام في رمضان!! سبحان الله! الإثنين: كل ما في الوجود يدعونا للتسبيح لله تبارك وتعالي.. ولكن أحيانا ما تصيب الإنسان الغفلة.. ويكون من الغافلين عن ذكر الله!.. ولذلك استعاذ الرسول صلي الله عليه وسلم من ذلك. ونبهنا إلي أهمية ذكر الله. كما نبهنا القرآن الكريم.. واذكر ربك إذا نسيت. في هذا الصباح.. كالعادة فرشت سجادة الصلاة أرضية البيت الشهير بقصر الكلاملك.. ولما كانت الأرضية رخامية نظيفة.. لاحظت وجود خطوط غريبة في تشكيلات هندسية بديعة.. إذن لا يمكن ان يكون ذلك.. نوعا من عدم النظافة لحقت بالرخام.. ولكنني عندما انحنيت أفرد السجادة.. وجدت جيوشا.. من النمل.. مليارات من النمل لا تعد.. ولا تحصي.. وهذا البيت لا علاقة له بالنمل ولم ألحظ طوال حياتي وجود نملة واحدة فيه.. وكيف يكون ذلك.. لأن النمل إذا جاء.. هياخد مقلب.. فهذا مكان للقراءة أو الكتابة أو الكلام أو لقاء الأصدقاء وليس فيه طعام.. والمشروب الإجباري فيه هو الشاي! ولكنني اكتشفت ان هذه الجيوش الجرارة جاءت لمجرد وجود قطعة من حلاوة مولد النبي علي الارض والقطعة التي وقعت ليست قطعة ولا حاجة.. مجرد »فتفوتة«.. لا تري بالعين المجرد! ولكن ما ان وقعت هذه الفتفوتة حتي جاءت هذه الجيوش النملية.. في طوابير منظمة من الشمال والجنوب والشرق والغرب.. ودائرة في الوسط. ولا تشذ نملة عن الطابور. سبحان الله العظيم.. من أين جاءت هذه الجحافل النملية؟!.. وأين تقع معسكراتها؟!.. ومن أبلغها بأن هناك فتفوتة من الحلوي وقعت علي الأرض؟!.. وما هي كيفية صدور البيان للتحرك.. ومن هو القائد..والمنظم.. التي يعطي الأوامر بأن يكون الطابور بهذا النظام.. وأن كل نملة في مكانها من الطابور.. جلست أتأمل حركة النمل الدائبة. وسعيها المستمر إلي فتفوتة الحلوي وتمنيت علي الله ان يكون لي ملك النبي سليمان عليه السلام الذي علمه ربه منطق الطير ولغة الحشرات. ومن بينها النمل!.. وتمنيت ان اعرف ماذا يقول النمل.. وهم أمة مثلنا.. تسبح ربها بلغتها.. ولكن لا نفهم لغتهم أو تسبيحهم! استولت علي تفكيري فكرة المعرفة.. كيف عرف النمل أن هذا البيت لا طعام فيه.. فلم يقم بزيارته قبل الآن.. حتي توهمت أن النظافة جعلت النمل لا يعرف بيتي.. ولم أكن أعرف ان بيتي مثل بيت واحد بخيل وصفه أحد الشعراء القدامي بقوله: له بيت يجوع السوس فيه! وهذه اشارة الي ان البيت لا يوجد به شئ حتي الخشب.. حتي يأكل منه السوس.. وهذا دليل علي شدة البخل عند صاحب البيت!.. إذن فالنمل كان يعرف قبل ذلك انه لا أمل.. وعندما وقعت فتفوتة الحلوي جاء النمل مثل قوات التحالف التي حررت الكويت!! أقول إيه.. وأعيد إيه.. ليس أمامي إلا أن اقول: سبحان ربي العظيم!!