في مفاجأة صدمت العالم الأوروبي، خسرت رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي الرهان في الانتخابات التشريعية البريطانية، حيث كانت تأمل تعزيز الأغلبية البرلمانية لحزبها المحافظ من أجل الحصول علي »تفويض واضح» بشأن التفاوض حول عملية خروج بلادها من الاتحاد الأوروبي (البريكست)، لكنها خسرت الغالبية المُطلقة التي كانت تتمتع بها في البرلمان. وحصل المُحافظون علي 318 مقعداً مُقابل 330 في البرلمان المنتهية ولايته، فيما فاز حزب العمال المُعارض بزعامة جيريمي كوربين - الذي قاد حملة انتخابية أحبطت خطط ماي - ب32 مقعداً زيادة ،ما يرفع عدد مقاعده إلي 261 مقعداً، الأمر الذي يُعد بمثابة »هزيمة مُفجعة» لرئيسة الوزراء التي قد ينتهي بها الحال إلي »الاستقالة». انتهي الأمر بالزعيمة البريطانية إلي الإعلان عن أنها ستقود حكومة أقلية بدعم من حزب صغير في أيرلندا الشمالية. وتواجه ماي الآن خطر زيادة المُعارضة لخططها للانسحاب من الاتحاد الأوروبي من داخل وخارج حزبها، خاصة بعد أن طالبها كوربن بالاستقالة عقب الهزيمة واتهمها بالضعف. وقد يسعي بعض زملائها »لاستبدالها» رغم أن مصدراً في الحزب قال إن المنصب يبدو في الوقت الراهن أشبه بالكأس المسمومة. ودعت ماي إلي انتخابات مبكرة لتعزيز موقفها في محادثات »البريكست» وهي واثقة من تعزيز أغلبية حزب المُحافظين الذي تقوده.. لكن بدلاً من ذلك تقلصت سلطتها. ثمة عوامل كان لها الأثر في »تبخر» أحلام ماي وارتفاع أسهم »العمال» بشكل ملحوظ، وفقا لبعض المحللين السياسيين، أهمها: أولاً المشاركة المرتفعة للناخبين الشباب (بين 18 و24 عاماً) الذين صوتوا بمعظمهم لحزب كوربن. ثانياً »المانيفستو الاستفزازي» الذي قدمه حزب المحافظين الحاكم متوجهاً بأقسي بند إلي المسنين الذين هم عادة نواة القاعدة الشعبية التي تصوّت له. ثالثاً: الحملة الناجحة التي قادها كوربن وظهر فيها متفهماً لمطالب جميع طبقات المجتمع ومن شتي الأعمار، فيما امتنعت ماي عن المشاركة في عدد من المناظرات الانتخابية ودفع اعتدادها بنفسها عدداً من الناخبين إلي معاقبتها لكونها اعتبرت الفوز أمراً مضموناً للمحافظين. رابعاً: الهزتان الأمنيتان التي تعرضت لهما لندن ومانشستر، فوقوع الهجمات الإرهابية ألقي الضوء علي تدابير اتخذها المُحافظون خلال السنوات الماضية قاموا خلالها بتقليص أعداد رجال الشرطة، وهو ما أثار لدي الناخبين شكوكاً في مدي أهلية فريق ماي للحفاظ علي أمن المملكة وحمايتها. خامساً: هرب العديد من الناخبين الذين صوتوا العام الماضي للبقاء في الاتحاد الأوروبي من تصريحات ماي الشديدة اللهجة واتخاذها خطاً مشابهاً لخط حزب استقلال المملكة المتحدة، فقرروا توجيه رسالة لها بأنهم لا يرغبون في »مفاوضات خشنة» مع قادة أوروبا بل يريدون مواقف أكثر ليونة. وفور إعلان النتائج التي عززت كفة حزب العمال، انتاب الاتحاد الأوروبي شعور بالخوف حيث وجد نفسه في مواجهة شخصية أصبحت »ضعيفة». وينظر المسئولون الأوروبيون بقلق إلي المشهد السياسي في بريطانيا ويرصدون تداعياتها السلبية علي مستقبل مفاوضات »البريكست». وفيما يتوقع الأوروبيون أن تواجه ماي صعوبات في تشكيل تحالف وفق معايير المفاوضات، ويخشون أن يؤدي تأخير تشكيل الحكومة إلي تأجيل موعد بدء المفاوضات في 19 من الشهر الجاري، يأمل رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر في »ألا يواجه الاتحاد تأجيلاً إضافياً في موعد بدء مفاوضات بريكست»، علماً أن مسئولي الاتحاد يحرصون علي إطلاق المفاوضات في موعدها لتبديد الغموض الذي قد يتزايد بالنسبة للعاملين والمؤسسات الاقتصادية بعد فقدان حزب ماي الغالبية البرلمانية. ويخشي الاتحاد عواقب عدم استناد الحكومة البريطانية المقبلة إلي غالبية برلمانية مريحة. وقال محللون إن ماي تدفع ثمن المغامرات التي خاضها حزب المحافظين من أجل إضعاف الاتحاد. ولكن التساؤل الأهم »هل تنتصر ماي وتحقق أحلامها بشأن انفصال بريطانيا عن الاتحاد الأوروبي رغم الصعوبات؟ أم ينتهي بها الأمر إلي الاستقالة؟». • أحمد فتحي