صباح الخير علي الأيدي العرقانة لعمال مصر وهم يحتفلون بعيدهم. صباح الخير علي من بنوا المدن، وعمّروا الصحاري، وأقاموا المصانع، وحملوا العبء الأكبر في كل نهضة قامت، وقدموا كل التضحيات لتجاوز أي عثرة قابلناها في الطريق. أنا من جيل نشأ في ظل ثقافة كانت تحكم المجتمع، وتؤكد علي أنه لا سبيل للتقدم للوطن وللمواطن معا إلا بالعلم والعمل. لم يكن هناك طريق إلا بالتفوق العلمي والاجتهاد في العمل. وفي هذا المناخ تحققت المعجزات. قبل ثورة يوليو كان عمال مصر يعيشون ظروفاً صعبة، وكان عمال الزراعة يعملون في ظل ما يشبه السخرة. مع الثورة بدأ العمال يحصلون علي حقوقهم. وفي نفس الوقت بدأت مسيرة صعبة لنهضة شاملة في ظل أقسي التحديات. في سنوات قليلة بنينا السد العالي وأقمنا قلاع الصناعة وأنجزنا خطة تنمية جعلتها منظمات الأممالمتحدة نموذجا للطريق الذي تسير فيه الدول النامية! وفعلنا ذلك ونحن تحت ضغط حصار اقتصادي وحروب تحاول منع نهضتنا، ومؤامرات لم تتوقف لتعطيل مسيرتنا. كانت ثروتنا البشرية التي أتحنا لها العلم وفتحنا أمامها أبواب العمل هذه الثروة الحقيقة لهذا الوطن. ملايين العمال وأعظم طبقة وسطي في تاريخ مصر كانا هما الدعامة الأساسية للتقدم. وعندما تلقينا الضربة في 67 كان هؤلاء هم رصيد مصر للثأر هم الذين تكون منهم جيش المليون مقاتل الذي خاض أول حرب الكترونية في العالم وحقق العبور العظيم. وهم الذين تحملوا عبء الإعداد للمعركة. وهم الذين أدركوا أن يقاتلوا ويبنوا في نفس الوقت. كانوا يبنون حائط الصواريخ ويستعدون لحرب المصير، وفي نفس الوقت كانوا يقيمون قلاعا صناعية بحجم مجمع الألمونيوم وغيره من المشاريع العملاقة التي أقيمت أثناء حرب الاستنزاف. حكي لي أبوالصناعة المصرية الراحل عزيز صدقي أنه حين وضع أول خطة للتصنيع وعرضها علي عبدالناصر الذي درسها ثم استدعاه ليناقشها معه، وليقول له انه سيساندها في مجلس الوزراء. وليقول له إنه يدرك أن الطموحات في الخطة كبيرة، وأن الصعوبات التي ستواجه التنفيذ ليست قليلة. وأن المطلوب هو بذل كل الجهد، ولو حققنا 70٪ من أهداف الخطة فسيكون ذلك أمرا لا بأس به. وكانت النتيجة كما قال أبوالصناعة أن أبناء مصر في ظل التحديات حققوا أكثر من 100٪ من الأهداف المطلوبة. وكان ذلك بكل المقاييس إنجازاً هائلا لعمال مصر ومهندسيها وإدارييها حققوه حين توافرت لهم أقل الإمكانات. أكتب عن ذلك، لأن أصعب ما يصادفه المرء، أن يسمع تلك الأصوات القبيحة التي تحاول منذ سنوات تصدير فكرة أن شبابنا لا يريد العمل، وأن عمالنا لا يقدرون المسئولية! كبرت كلمة تخرج من أفواههم. شبابنا بخير يبحث عن فرصة عمل شريف ولقمة عيش حلال، وهو بالتأكيد أكثر علما واتصالا بالجديد في العالم. وعمالنا قادرون علي إنجاز الصعب بأقل الإمكانيات كما كانوا علي الدوام. إنهم الذين حفروا القناة الجديدة وأقاموا الأنفاق العملاقة عبر قناة السويس، وهم الذين يحملون علي أكتافهم عبء كل إصلاح، ويسددون ثمن سنوات طويلة من الفساد والإفساد، ومن ضياع ثقافة العلم والعمل لتحل محلها ثقافة السمسرة علي حساب الصناعة الوطنية. شبابنا بخير يتحدي الصعاب، ويملك روح المبادرة، وينتظر فقط رعاية مؤسسات الدولة لمبادراته، وأظن أن جهاز الصناعة المتوسطة والصغيرة سيكون عوناً لشبابنا في هذا المجال. وعمالنا الذين بذلوا الجهد لحماية مصانعهم في الظروف الصعبة، والذين يتحملون العبء الأكبر في فواتير الإصلاح، لا يريدون إلا المزيد من المصانع التي تعمل بكامل طاقتها، وإلا أن تعود الماكينات المعطلة في قلاع صناعة كبري مثل »المحلة وكفر الدوار والحديد والصلب« للعمل، وأن يعود الانحياز لكل ما «صنع في مصر» ليكون عقيدة كل المصريين.. ولو كره السماسرة الذين لا يهمهم إلا تضخم ثرواتهم.. ولو علي حساب الصناعة الوطنية.. والذين لا يأبهون بإغلاق قلعة صناعية، مادام العاملون به سيتحولون إلي باعة جائلين لما يستورده هؤلاء السماسرة! شبابنا بخير، وعمالنا هم عماد أي نهضة مرتقبة وأساس أي إصلاح حقيقي يستلزم أن يتحول المجتمع كله إلي ورشة عمل وطاقة إنتاج قادرة علي قهر الظروف الصعبة والمرور بالوطن إلي بر الأمان وطريق التقدم. كل عام وعمال مصر بخير.. يبنون المستقبل ويزرعون الأمل، ويبذلون الجهد وهم يعرفون أن جهدهم لن يسرقه السماسرة كما حدث في سنوات الفساد. كل عام ونحن نبني مصر بالعمل وبالعلم.. وبإيمان عميق بأن الغد أفضل مهما كانت التحديات. بابا الفاتيكان.. وعبقرية مصر لم يكن هناك أجدر من مصر لتحتضن هذا اللقاء من أجل الحوار الذي يجمع الأديان السماوية في مواجهة الإرهاب، وفي إنقاذ العالم من «العنف الأعمي» كما أسماه قداسة البابا فرانسيس الثاني بابا الفاتيكان الذي أصر علي القيام بزيارته للقاهرة رغم المحاولات التي بذلها البعض لتأجيلها والتحذيرات التي وجهوها للبابا. أصر الرجل النبيل علي أن مصر دار أمان، وأن مشاركته في حوار الأديان مع الأزهر الشريف والكنيسة القبطية وباقي الكنائس المسيحية أمر لا يمكن التخلي عنه في هذه الظروف. جاء بابا روماالفاتيكان وهو يحمل رسالة محبة للعالم كله. وجاء أيضا وهو يحمل رسالة تقدير لمصر التي قدمت علي مدي تاريخها نموذجاً للتعايش والمواطنة التي تجمع بين كل أبنائها. كان البابا يعرف أن الجرح من أحداث الكنيستين كان جرحاً للمصريين جميعاً.. المسلمين قبل المسيحيين، وأن المستهدف كانت وستظل هي مصر وطناً ودولة وشعباً واحداً يخوض الحرب ضد إرهاب لا دين له ولا وطن يؤمن به. ومثلما كان الرجل حريصاً علي المجيء لمصر، كانت مصر أكثر حرصاً علي هذه الزيارة التي سبقتها زيارات إلي الفاتيكان من الرئيس السيسي ومن شيخ الأزهر الشريف ومن البابا تواضروس. وجاء البابا فرنسيس الثاني ليؤكد علي إنهاء الخلافات بين أقدم وأهم كنيستين في العالم، وليعمق العلاقات مع الأزهر الشريف، وليؤكد التقدير لمصر ودورها في إنقاذ المنطقة والعالم مما أسماه «مجاعة المحبة» التي يثيرها دعاة العنف وعصابات الإرهاب. جاء البابا فرنسيس وهو يحمل ر سالة السلام للعالم والمحبة لمصر. ولا شك أنه وجد فيها كل المحبة والتقدير. وفي حديثه قدم الرجل النبيل نظرة شاملة إلي أسباب الأزمة في المنطقة والعالم. وهنا أشار إلي «الرغبة الجامحة» في السلطة وتجارة الأسلحة، والمشاكل الاجتماعية الخطيرة، والتطرف الديني الذي يستخدم اسم الله القدوس لارتكاب مجازر ومظالم مريعة. إنها نظرة رجل ينفتح علي العالم ويدرك حجم التحديات التي تواجهه، ويؤمن تماما أن الأديان السماوية بريئة من إرهاب يستخدم اسم الله ويبيع نفسه للشيطان ولتجار الأسلحة، ولمن يريدون الحكم بأي ثمن ولمن يغرقون المجتمعات في الظلم ويقودونها إلي الفوضي ويسلمونها للتطرف والعنف. وهو يتحدث عن مصر ومحبته لها وتقديره لتاريخها وحضارتها التي احتضنت كل الرسالات السماوية.. استوقفني تعبيره الجميل عن «العبقرية الفطرية لشعب مصر». هذه العبقرية هي التي حفظت مصر عبر التاريخ، وعبرت بها كل الأزمات. وهي التي وحدت المصريين جميعا وراء الشعار الخالد الذي تذكره البابا فرنسيس «الدين لله والوطن للجميع»، وهي التي تجعل من مصر قادرة علي تحقيق ما التمسه الشعب من وطن لا ينقص فيه الخبز أو الحرية أو العدالة الاجتماعية، وقادر في نفس الوقت- علي تمكين مصر من أداء دورها الفريد في إنقاذ المنطقة وتعزيز السلام فيها، برغم ما أصابها من جراح الإرهاب. هذه الثقة في مصر لا تأتي من فراغ. إنها «العبقرية الفطرية»، لشعب مصر كما قال البابا فرنسيس وهو يردد علي أرض الحضارة ومهد الديانات: «مبارك شعب مصر». أوروبا.. وأسبوع الآلام أمام أوروبا كلها أسبوع من القلق انتظارا لنتيجة انتخابات الرئاسة في فرنسا. أسبوع الالام الأوروبية يأتي من إدراك الجميع أن مستقبل الاتحاد الأوروبي كله مرتبط بهذه الانتخابات. فوز «ماكرون» قد يعطي فرصة للحياة للاتحاد الأوروبي وإن كان لا يخفي الحاجة للإصلاح. أما فوز «مارين لوبان» فيعني فتح الباب لنهاية قريبة لهذا «الاتحاد» خاصة أن هناك انتخابات قادمة في ألمانيا، وأن المستشارة ميركل تواجه منافسة شرسة مع تيار يدعو أيضا إلي الابتعاد عن الاتحاد الأوروبي ويقول إن ألمانيا تتحمل الكثير بسبب انفتاحها علي أوروبا، وبسبب قبولها للاجئين.. ونجاح «لوبان»، في فرنسا سوف يترك آثاره بلا شك علي انتخابات ألمانيا، وسوف يقوي صوت اليمين ويضع مستقبل «ميركل» والوحدة الأوروبية معها في مهب الريح!! حتي الآن يتقدم «ماكرون»، السباق إلي قصر الاليزيه، لكن لا شيء مؤكدا في ظل تقلبات السياسة في فرنسا والعالم. معظم القيادات السياسية أعلنت تأييدها للمرشح «ماكرون». لكن من قال إن هذه القيادات لها كلمة مسموعة بعد سقوط أحزابها؟! اليسار المتشدد والذي أعطي للمرشح.. «ميلانشون»، حوالي 20٪ من الأصوات في الجولة لا يعرف أحد أين تتجه أصواته.. خاصة بعد رفض زعيمه مناصرة ماكرون، ومع وجود أكثر من نقطة اتفاق مع «لوبان»، من بينها الموقف ضد «العولمة»، ومع الخروج من الاتحاد والاروبي؟! ثم يبقي الجانب المثير حيث يتحول الأمر إلي صراع حول فرنسا وليس داخلها فقط. وحيث تقف أوروبا بقيادة المستشارة الألمانية ميركل داعمة للمرشح «ماكرون»، مع الاعلان بالطبع بأنها لن تتدخل في الانتخابات!! بينما يعرف الجميع أن «لوبان»، تحظي بتأييد الرئيس الروسي «بوتين»، وبتعاطف الرئيس الأمريكي «ترامب»!! والمعركة لم تحسم بعد. ولعلنا نراقب الوضع جيدا، ففي كل الأحوال لن تكون فرنسا بعد انتخابات هذا العام كما كانت قبلها، ولن تكون أوروبا هي أوروبا التي عرفناها في السنوات السابقة!! هكذا غنينا للعمل!! في خزانة الإذاعة المصرية روائع غنائية تكشف عن دور الفن في مجتمع يقدس العمل ويستهدف النهضة الصناعية. رأينا عبدالحليم حافظ يغني لبدلة العامل الزرقاء، وللتصنيع الثقيل. وكان صوت سيد مكاوي يستقبلنا في الصباح ب«يا أهل الله قوموا للعمل». وكانت أم كلثوم تدعو كل مصر دوس علي كل الصعب وسير. وكان عبدالوهاب ينشد «دقت ساعة العمل». وكان صلاح جاهين يكتب هذا الاوبريت النادر عن «المكن» الذي لحنه سيد مكاوي ليكون تعبيرا جميلا عن مجتمع يسعي للانتقال إلي عصر النهضة.. بالعلم والصناعة. ليت الإذاعة تفرج عن «المكن» في عيد العمال!!