مدير تعليم دمياط يشهد ورش عمل مخرجات ونواتج الأنشطة الطلابية لمدارس ميت أبو غالب    مجلس النواب يعقد أولى جلساته فى العاصمة الإدارية الأحد المقبل    مدبولي: سيتم التعامل مع المخالفات في أسعار السلع بمنتهى الحسم    الهجرة غير الشرعية ومخاطرها، ندوة بمركز إعلام الداخلة    أشرف عبد الغني يوضح دور مصر في دعم القضية الفلسطينية | فيديو    الاتحاد الأوروبى: مصر له دور فى تحقيق السلام المستدام بالمنطقة    تاريخ مواجهات مصر وأنجولا قبل موقعة الغد في نصف نهائي أمم أفريقيا    نجم منتخب غانا، ليفربول يستقر على بديل محمد صلاح    تعادل إيجابي بين الاتحاد وسيراميكا في الشوط الأول    محمد شريف يقود هجوم الخليج أمام التعاون في الدوري السعودي    بعد إصابته بقطع بالرباط الصليبي.. هذه مدة غياب أبو جبل عن البنك الأهلي    مدرب شيفيلد يونايتد يهاجم الاتحاد الإنجليزي بسبب مباريات الإعادة    نشوب حريق في 3 محال بجوار مترو حلوان    بسبب خلافات مالية.. مسجل خطر يقتل عامل بالسلام    بعد تغيبه.. العثور على جثة طفل غريق داخل ترعة في قنا    قبل عرضه في السينمات.. كل ما تريد معرفته عن فيلم «السرب» وأبطاله    «القومي لثقافة الطفل» يحتفل باليوم العالمي للتراث غدا    «ثلاث مخرجات يحفظن ماء وجهنا بمهرجان كان»    سورة الكهف ليلة الجمعة.. 3 آيات مجربة تجلب راحة البال يغفل عنها الكثير    وكيل صحة أسيوط يعقد اللقاء الأول لرؤساء فرق المعايشة بالمستشفيات    وزير الدفاع الأرجنتيني: نتطلع لنكون شريكًا عالميًا لحلف الناتو    الوزراء يوافق على طلبات «الرعاية الصحية» لتوفير خدمة طبية أفضل في 4 محافظات    عضو ب«مستقبل وطن» يطالب الحكومة بتطوير الجزر الصناعية: تعزز النمو الاقتصادي    النيابة تخلي سبيل 3 متهمين بالاتجار في النقد الأجنبي بالرحاب    129 متدربا اجتازوا 4 دورات بختام الأسبوع 31 من خطة المحليات بمركز سقارة    مسئول بأوقاف البحر الأحمر: زيارة وكيل مطرانية الأقباط الكاثوليك تعزز روح المحبة    بيلينجهام يمدح حارس الريال بعد التأهل لنصف نهائى دورى أبطال أوروبا    يسهل إرضاؤها.. 3 أبراج تسعدها أبسط الكلمات والهدايا    تعاون ثقافي بين مكتبة الإسكندرية والمكتبة الوطنية البولندية    مفتي الجمهورية يفتتح معرض «روسيا - مصر..العلاقات الروحية عبر العصور» بدار الإفتاء..صور    بعد انتهاء شهر رمضان .. جودر يتصدر نسب المشاهدة في مصر    ترامب يهاجم المحلفين المحتملين: نشطاء ليبراليون سريون يكذبون على القاضى    توفيق السيد ردًا على أحمد سليمان: لم أجامل الأهلي والدليل نيدفيد    جامعة كفر الشيخ تستضيف المؤتمر السنوي السادس لطب وجراحة العيون    قافلة طبية تخدم 170 مواطنًا بقرية الحمراوين في القصير البحر الأحمر    لو هتخرج من بيتك.. 5 نصائح لأصحاب الأمراض المزمنة أثناء التقلبات الجوية    الطاقة الإنتاجية لصناعة البتروكيماويات الإيرانية تزيد عن 100 مليون طن    بعد طرحها بساعات.. الترجي يعلن نفاد تذاكر مباراة صنداونز في دوري أبطال أفريقيا    شوقي علام يفتتح أول معرض دولي بدار الإفتاء بالتعاون مع روسيا (صور)    زاخاروفا: مطالب الغرب بتنازل روسيا عن السيطرة على محطة زابوروجيا ابتزاز نووى    وفاة معتمرة من بني سويف في المسجد النبوي بالسعودية    طقس سئ.. غبار رملي على الطرق بالمنيا    تأجيل محاكمة حسين الشحات في واقعة ضرب الشيبي لجلسة 9 مايو    5 خطوط جديدة خلال الربع الأول من العام تستقبلها موانئ دبي العالمية السخنة    وكيل الأزهر يتفقد التصفيات النهائية لمشروع تحدى القراءة في موسمه الثامن    وكيل صحة قنا يجتمع مديري المستشفيات لمناقشة اللائحة الجديدة وتشغيل العيادات المسائية    مدفوعة الأجر.. الخميس إجازة للعاملين بالقطاع الخاص بمناسبة عيد تحرير سيناء    إعادة تشكيل الأمانة الفنية للمجلس الأعلى للتعريفة الجمركية    إحالة 30 من العاملين بالمنشآت الخدمية بالشرقية للتحقيق    ضربات أمنية مستمرة لضبط مرتكبى جرائم الاتجار غير المشروع بالعملة الأجنبية    "الوزراء" يوافق على تعديل بعض أحكام قانون إنشاء المحاكم الاقتصادية    وثائق دبلوماسية مسربة.. البيت الأبيض يعارض الأمم المتحدة في الاعتراف بدولة فلسطينية    دعاء العواصف.. ردده وخذ الأجر والثواب    ردد الآن.. دعاء الشفاء لنفسي    وزير التعليم العالي يبحث تعزيز التعاون مع منظمة "الألكسو"    بلدية النصيرات: غزة تحوّلت إلى منطقة منكوبة جراء حرب الإبادة الإسرائيلية    التضامن تعلن فتح باب سداد الدفعة الثانية للفائزين بقرعة حج الجمعيات الأهلية لموسم 2024    علي جمعة: الرحمة حقيقة الدين ووصف الله بها سيدنا محمد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لمن كرسى الإليزيه اليوم؟
نشر في روزاليوسف اليومية يوم 07 - 05 - 2017

بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى وهى الإمبراطورية التى طالما عرفت بأنها البلاد التى لا تغيب عنها الشمس لاتساع المساحات الخاضعة لسيطرتها فى أنحاء متفرقة من العالم قبل عقود من الزمان، تتردد فرنسا جارتها ومنافستها التاريخية فى اتخاذ ذات المصير إما بالخروج من قيود الاتحاد الأوروبى بالكامل واختيار مارين لوبان زعيمة الجبهة الوطنية اليمينية المتطرفة، أو باللعب على جميع الأحبال السياسية والاقتصادية والعمل ضمن منظومة الاتحاد بما يخدم فى المقام الأول باريس ومصالحها فى الداخل الفرنسى والعالم الخارجى بانتخاب إيمانويل ماكرون مرشح الوسط المستقل الذى حل أولا فى نتائج الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية فى الثالث والعشرين من إبريل 2017 بنسبة تفوق ال 23.8 %.. وهو الشاب الذى وعد بدعم الاقتصاد واليورو والاتجاه بكل قوة للشراكة مع ألمانيا وأوروبا.
استدعاء حالة الحرب
فى حين أن المركز الثانى بنسبة 21.7 % كان من نصيب مارين لوبان التى ترغب فى السير على النموذج البريطانى واستدعاء حالة الحرب والقلق لاستعادة الجماهير وجعلها تتكاتف خلف الحكام والأنظمة الغربية دون تعاطف مع الإسلاميين والمهاجرين والسير على نهج أن كل الأولوية للأمن الفرنسى ومكافحة الإرهاب وعزل فرنسا عن محيطها والسيطرة على البنك المركزى فى باريس.
سيكون الحسم فى الجولة الثانية اليوم، وتذهب أغلب التوقعات إلى ماكرون الذى أحدث ترجيح كفته انتعاشة فى أسواق أوروبا وارتفاعا فى سعر اليورو مقابل الدولار بأسواق المال وهو رجل يمثل امتدادا للرئيس فرانسوا أولاند صغير السن -39 عاما- يراهن عليه كثير من الفرنسيين فى إحداث انتعاشة اقتصادية وإعادة الاستقرار للشارع الفرنسى.
اليورو ينتصر على الفرنك
لقد صوت الفرنسيون لمن قرر دعم اليورو والاقتصاد والبحث عن مزيد من فرص الاستثمار، وليس من قرر الاستغناء عن عملة أوروبا والعودة للعملة الفرنسية واستدعاء حقبة الإمبراطوريات العنصرية والتصريحات العدائية والتهديد بتقليل أعداد المهاجرين الرسميين بل وطرد غير المرغوب فى وجودهم بفرنسا وإغلاق المساجد ومنع الصلاة فى الشوارع.
أبناء شمال أفريقيا يحسمون المقعد الرئاسى
استشعر الفرنسيون من أصول إسلامية وعربية أن فوز لوبان يمثلا خطرا يستهدف بالأساس أبناء الشمال الأفريقى الذين يفوق تعدادهم ال 5 ملايين شخص وهو عدد مرشح للزيادة؛ لأن كثيراً من العرب والمسلمين غير مسجلين بشكل رسمى فى المؤسسات الحكومية.
ووفق المعهد الوطنى للدراسات الديموغرافية (INED)، فإن أكبر نسبة من مسلمى فرنسا ترجع أصولهم للجزائر بنسبة 43.2 بالمائة، والمغاربة بنسبة 27.5 بالمائة، والتونسيون بنسبة 11.4 بالمائة، ومن جنوب الصحراء الأفريقية بنسبة 9.3 بالمائة، والأتراك بنسبة 0.1 بالمائة.
أعلن الفرنسيون بنتائج الجولة الأولى رفضهم لمعدلات البطالة التى ترتفع فى بلادهم، فضلا عن تدهور نموهم الاقتصادى وكذلك التخوفات من الإرهاب الذى يحمل صبغة إسلامية.
بينما فى الجولة الثانية عمل كل من ماكرون ولوبان على تجييش داعميهم والبحث عن تحالفات من الأحزاب الخاسرة على أمل تغيير النتائج أو الفوز باكتساح.
20% لصالح ماكرون ضد لوبان فى الجولة الثانية
وتقول تقارير غربية إن استطلاعا للرأى نشر مساء يوم انتخابات الجولة الأولى أشار إلى أن ماكرون سيقصى لوبان بأكثر من 20% فى الجولة الثانية، إذ أظهر استطلاع أجراه «ايبسوس» الشهير فى وقت متأخر من يوم الأحد (23 أبريل) أنه سيفوز بنسبة 62% مقابل 38 % للوبان.
وداعا للوجوه القديمة
النتيجة كشفت أنه للمرة الأولى فى التاريخ السياسى الفرنسى الحديث، يتم القضاء على الأطراف الرئيسية فى عالم السياسة هناك لصالح مرشح صغير السن لم يتجاوز الأربعين من عمره استطاع إنشاء حركة حماسية مستخدما مصطلح «إلى الأمام» اسما لها جمعت 200 ألف عضو منذ تأسيسها فى 2016، إذ جاء الجمهورى فرنسوا فيون ثالثا بنسبة 20%، فى حين حل رابعا جان لوك ميلنشون مرشح اليسار الراديكالى بنسبة 19.4 %.
مؤشر يؤكد أن الفرنسيين يسعون لانتعاشة اقتصادية، خاصة أن ماكرون رغم صغر سنه إلا أنه شغل مناصب اقتصادية مهمة، والتصويت لم يخيب آمال الفرنسيين، إذ قفز اليورو مع النتيجة بارتفاع وصل إلى 2٪ فى التعاملات المبكرة ليصل إلى أعلى مستوى منذ نوفمبر 2016.
لوبان تجلب معها التوترات
جميع التوقعات والتحليلات السياسية تبين أن انتخابات فرنسا هذه المرة تأتى بنكهة اقتصادية وتمس أوروبا بالكامل بعد خروج بريطانيا وتأثيره المتوقع على قوة الاتحاد الأوروبى لذلك كان الاختيار الأول هو ماكرون «المعتدل»، بعد إدراك الفرنسيين أن لوبان ستجلب معها حقبة من التوترات التى ستفاقم من أعداد العاطلين عن العمل – أكثر من 10 % بطالة بين الفرنسيين - وهروب الاستثمارات نتيجة الإجراءات الاستثنائية للمرشحة «المتشددة».
انتخابات أوروبية عالمية وليست فرنسية فقط
لقد اعتبر دومينيك رينى، أستاذ العلوم السياسية فى معهد العلوم فى باريس،هذه الانتخابات «أكثر من مجرد انتخابات فرنسية، نظرا لتداعياتها، انتخابات أوروبية أو حتى انتخابات عالمية»، هكذا ترى النخب الفرنسية أهمية انتخابات رئاسة 2017.. كما بين أن فرنسا لن تنتج فى نهاية المطاف نتيجة دراماتيكية مثل انتصار دونالد ترامب فى الولايات المتحدة أو قرار بريطانيا بمغادرة الاتحاد الأوروبى، ويشير هنا إلى خطورة فوز لوبان صاحبة الآراء المتشددة، رغم أن أغلب أعضاء البرلمان الفرنسى المقرر انتخابهم فى يونيو 2017 من الأحزاب التقليدية المتجذرة فى السياسة الفرنسية ما يكشف أن ماكرون لن يكون حر التحرك تشريعيا بل ستمارس عليه ضغوطاً أيضا، وربما يجد نفسه فى نهاية المطاف مضطرا للانصياع لأصوات الخروج من الاتحاد الأوروبى وإعادة أمجاد فرنسا أحد أهم الأقطاب السياسية التوسعية فى أوروبا، وإن كانت ليست فى حجم تأثير بريطانيا.
دعم وتأييد محلى وبلجيكى ألمانى لماكرون
على الفور حصل ماكرون بعد إعلان نتائج المرحلة الأولى على تأييد ودعم منافسيه فيون وهامون ورئيس الوزراء الفرنسى برنارد كازينيوف فى مواجهة لوبان فى المرحلة الثانية، كما أعرب رئيس الوزراء البلجيكى تشارلز ميشيل عن أمله فى أن يحظى ماكرون بالفوز بالجولة الثانية، بينما رحب ستيفن سيبرت المتحدث باسم المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بنجاح ماكرون.
بدوره، قال ماكرون فى أول تصريحات له عقب الفوز بالمرحلة الأولى «فى سنة واحدة غيرنا المشهد السياسى الفرنسي»، داعيا الناخبين إلى التوحد وراءه تحت شعار «صوت التفاؤل والأمل لبلدنا وأوروبا»، هكذا يغازل الشاب الفرنسى الطموح أحلام وآلام الفرنسيين والأوروبيين.
عنصرية لوبان تقلق الفرنسيين
فيما قالت لوبان صاحبة الثمانية وأربعين عاما إن الناخبين الفرنسيين يواجهون «فرصة تاريخية» للاختيار بين «العولمة الوحشية التى تهدد حضارتنا»، على حد قولها، أو فرنسا «مع الحدود التى تحمى وظائفنا، القوة الشرائية لدينا «.. تلعب هنا على العنصرية فى اتخاذ القرارات حتى فى البيع والشراء وأن الفرنسيين هم فقط أولى ببلادهم».
فرنسا دولة فيتو لا تحتمل المتشددين
ألقى ماكرون ولوبان جميع أوراقهم أمام الفرنسيين قبل الجولة الثانية، لإظهار من يستحق وعلى استعداد كامل لتولى رئاسة دولة من أعضاء الاتحاد الأوروبى الستة المؤسسين، وعضو فاعل بالطاقة النووية وعضو دائم بمجلس الأمن له حق النقض «الفيتو»، مع كل من الولايات المتحدة وروسيا والصين وبريطانيا.. فماكرون هو تكنوقراط ليبرالى تخرج من مدرسة النخبة فى البلاد، ويتحدث الإنجليزية بطلاقة، وعمل لفترة طويلة كمصرفى بالاستثمار ووزيرا للاقتصاد فى عهد أولاند، قبل دخول السياسة، هرب من حطام الحكومة الاشتراكية وقال إنه ترشح مستقل.. وهو ما حقق له ما أراد من التفاف كثير من الناخبين حوله، رغم أن الفرنسيين يعلمون أنه امتداد لمجموعة دعم «أولاند».
لوبان تفرض ضرائب وتغلق الحدود وتسيطر على البنك المركزي
بينما قضت لوبان حياتها غارقة فى السياسة اليمينية المتطرفة لوالدها، جان مارى، وتخطط إذا ما تحقق لها الفوز لخفض الهجرة القانونية فى فرنسا إلى 10 آلاف شخص سنويا، ووضع ضريبة على العمال الأجانب، وإعادة الضوابط الحدودية التى أزالها الاتحاد الأوروبى.
وفيما يتعلق بالاقتصاد، قالت إنها تريد أن تتخلى عن اليورو، وتسيطر على البنك المركزى وتطلق المطابع – طبع الأموال- لتمويل الإنفاق على الرعاية الاجتماعية.. وتعتزم، عند توليها منصب الرئيس، التوجه إلى بروكسل لإعادة التفاوض بشأن وضع فرنسا فى الاتحاد الأوروبى وإجراء استفتاء بشأن إعادة طرح عملة فرنسا الفرنك، الذى كان ضعيفا أمام أغلب عملات أوروبا وهى نقطة لم تكن لصالحها لرؤية كثير من الفرنسيين أن اليورو يضمن لهم انتعاشة وقيمة أكبر لعملتهم.
شراكة مع أوروبا لنمو اقتصادى وزيادة الاستثمارات
وعلى العكس من ذلك، يريد ماكرون إعادة بناء شراكة فرنسا مع ألمانيا لإدخال حقبة جديدة من التعاون الأوروبى وليس الإنغلاق الذى تسعى إليه لوبان، ويهدف إلى تبسيط قانون العمل الفرنسى لتعزيز النمو الاقتصادى وزيادة الاستثمار العام فى التدريب والتعليم.
وقال ماكرون، الذى نشأ بالقرب من ساحات المعارك فى الحرب العالمية الأولى، ل «لوبان» فى نقاش متلفز فى وقت سابق من شهر نيسان أبريل 2017 تقولين إن «القومية هى حرب».. «لقد جئت من منطقة مليئة مقابرها ولا أريد العودة إلى ذلك»، وهى رسالة طمأنة للفرنسيين بأنه لن يزج بهم وأبنائهم فى أتون معارك لا ناقة لهم فيها ولا جمل.
رئيس فرنسا يضمن استقرار أوروبا
الناجح فى انتخابات رئاسة فرنسا هو فقط من يضمن الاستقرار للاقتصاد والأمن وأوروبا، ويكفى أن نعلم ان فوز ماكرون «الوسطي» فى الجولة الأولى أدى إلى خفض المخاطر فى منطقة اليورو بعد عام من الاضطرابات والاضطرابات السياسية التى تقود تقلب العملات، من الانتخابات الأمريكية إلى الاستفتاءات الإيطالية والبريطانية، إذ إن أوروبا وفرنسا ترى أن العالم الغربى لم يعد فى حاجة إلى مزيد من المجازفات والمخاطر السياسية والاقتصادية.
فوز لوبان يطيح باليورو أمام الدولار
وسيتجه اهتمام المستثمر الآن إلى جولة الأحد، إذ قال الاقتصاديون الذين شملهم استطلاع لوكالة بلومبيرج الاقتصادية إن فوز لوبان سيؤدى إلى انزعاج المستثمرين وربما وقف أى استثمارات مستقبلية، لأن اليورو سيتعثر إلى أدنى مستوى له منذ 15 عاماً أمام الدولار فى رد فعل مماثل لتلك التى شهدها الجنيه الإسترلينى بعد تصويت بريطانيا على الخروج من الاتحاد الأوروبى.
فى المقابل سيعزز وجود ماكرون السندات الفرنسية وينعش سوق الأوراق المالية خاصة تلك التى تتعامل مع ألمانيا، أى أنها فى النهاية انتخابات سياسية لكن بنكهة اقتصادية وطموحات يسعى إليها الفرنسيون للعودة من جديد إلى الأسواق المتنوعة.
أحد أهم الدوافع التى منعت الفرنسيين من التصويت للوبان هو مطالبتها بإلزام جميع الفرنسيين مزدوجى الجنسية من الدول غير الأوروبية بأن يتخلوا عن جنسيتهم الفرنسية أو جنسيتهم الأخرى،وهى هنا تستهدف القطاع الأكبر من الشعب الفرنسى المسلم دون شك، الذى يحمل معظمه الجنسية الفرنسية، بالإضافة إلى جنسية شمال إفريقية أخرى.
ونددت لوبان فى مرات سابقة بصلاة المسلمين فى الشوارع، التى على الأرجح تكون فى أيام الجمعة، أو المناسبات التى تحمل طابعاً دينياً، وتعهدت بأنها حال ترشحها سوف تصدر قانوناً يحظر تلك الممارسات، وأن عقاب المخالفين سيكون شديداً وغليظاً للغاية، كما أنها كررت كثيرا عزمها على «وضع حد لاتفاقات شنجن» حول حرية تنقل الأفراد داخل الاتحاد الأوروبي.
لا يسار ولا يمين.. ألعاب سياسية
فى المقابل، يتخذ المرشح الوسطى المستقل ماكرون موقفاً بعيداً عن التشدد حيال المسلمين والمهاجرين، وبقاء فرنسا فى أوروبا، ويرفع شعار «لا يسار ولا يمين».. يجيد ماكرون ألعاب السياسة والمصطلحات المنضبطة فهو يستخدم دبلوماسية الابتسامة «الباردة»، لا ينفعل أمام الجماهير، لا يستخدم ألفاظا غير لائقة سياسياً واجتماعياً ويحرص دائما على إظهار إخلاصه لزوجته التى تكبره بأكثر من 22 عاماً.
مداعبة الجزائريين
لقد داعب «ماكرو» - أصغر رئيس فرنسى فى حال انتخابه الأحد – الجزائريين وهم كتلة تصويتية مهمة فى فرنسا خلال زيارته للجزائر، فى فبراير2017، بقوله إن تاريخ فرنسا فى الجزائر كان «جريمة ضد الإنسانية.. كان الأمر وحشياً حقاً، وهو جزء من الماضى يجب أن نواجهه حتى نعتذر أيضاً لمن تضرروا»، وهو اعتراف حقق له ما أراد من التفاف العرب الفرنسيين حوله بل والحشد لصالحه، ويكفى ما أعلنه صراحة نجم كرة القدم الفرنسى الأشهر من أصول جزائرية ومدرب فريق ريال مدريد، زين الدين زيدان بدعمه الكامل ودعوته للتصويت لماكرون فى مواجهة لوبان، وهو موقف له دلالته من تخوفات يلمسها الفرنسيون العرب حتى من النخب.
فى حين لعبت لوبان طوال الوقت على مهاجمة ماكرون، مؤكدة أنه سيعطى «اندفاعة للنزعة الإسلامية» فى حال وصوله إلى السلطة، ناصحة الفرنسيين بعدم انتخابه تحت زعم أنه سيُسرع أكثرَ وتيرةَ غرقِ المجتمع الفرنسى فى انحراف التعددية الثقافية».
مغازلة مسلمى فرنسا
ذكاء ماكرون السياسى وداعميه يكمن كذلك فى رفض أن يكون أى دين بمثابة مشكلة فى فرنسا، وله مقولة شهيرة بأنه إذا «كان ينبغى أن تكون الدولة محايدة، وهو ما يأتى فى صلب العلمانية، فعلينا واجب ترك كل شخص يمارس دينه بكرامة»، لقد ضمن الرجل ملايين الأصوات الفرنسية العربية المسلمة بعبارات بسيطة ورسائل طمأنة.
لدى ماكرون مرونة كبيرة فى التعامل مع المواقف السياسية المتنوعة، فقبل أسبوع واحد من موعد الجولة الثانية فى الانتخابات طمأن كذلك شريحة مهمة من الفرنسيين ترغب فى الاستقلال عن الاتحاد الأوروبى – وهو عكس برنامجه - بقوله إنه لا يستبعد انسحاب فرنسا من الاتحاد الأوروبى فى حال لم يقم الأخير بإصلاح نفسه، ترك جميع الخيارات متاحة ونجح فى توجيه المترددين بالتصويت له.
وعى سياسى متحرك يتفاعل مع المتغيرات والمتطلبات
تصريحات ماكرون تبين أن لديه وعيا سياسيا «متحركا» يتفاعل بمرونة مع متغيرات ومتطلبات العمل السياسى، إذ قال فى حديثه لهيئة الإذاعة البريطانية، إنه من أنصار «الفكرة الأوروبية» والسياسة الأوروبية، لكن فى الوقت نفسه أشار إلى أن «نصف بلاده غاضب على الفكرة الأوروبية هذه».. ماكرون ألمح إلى ضرورة عمله على إصلاح عميق للاتحاد الأوروبى ولمشروع الفرنسيين الأوروبى، وأنه إذا قرر مواصلة تمويل الاتحاد الأوروبى كما هو الآن، فسوف يخذل شعبه، ولا يريد فعل ذلك، حتى لا تحصل فرنسا على «فريكست» (على غرار «بريكست») – انفصال بريطانيا عن الاتحاد الأوروبي- أو قدوم الجبهة الوطنية المتطرفة مجددا».
تغيير ومرونة فى المواقف لصالح استقلال القرار
لقد مال ماكرون – بذكاء سياسى - فى الأيام القليلة قبل الجولة الثانية لفكرة مهمة فى برنامج لوبان تعتمد عليها فى كسب الأصوات وهى أن الاتحاد الأوروبى تحول إلى كيان شمولى ولابد من أن يحل محله كيان جديد، لكن بصيغة أكثر دبلوماسية عنوانها «التطوير» والبحث عن الذات الفرنسية فى إطار أوروبى وتحالف بشكل آخر يلبى طموحات فرنسا الجديدة.
الفرنسيون الأصليون يرون أن باريس تنازلت عن الكثير من صلاحياتها لبروكسل «الاتحاد الأوروبى»، وأنه لابد من استعادة فرنسا لسيادتها الكاملة على أراضيها واقتصادها وأموالها وتشريعاتها، وإذا لم يشعر هؤلاء مع صعود ماكرون بأى تحسن فى اقتصاد بلدهم والعودة إلى أطلال الماضى بفرنسا كقوة عالمية.. فإن احتقانا ستشهده الشوارع الفرنسية وربما الدعوة لاستفتاء بشأن خروج فرنسا من الاتحاد الأوروبى، أو الاتفاق على أى صيغة ترضى كبرياء الفرنسيين الأوائل.
التحرر هو الحل
التحرر هو الحل شعار يرفعه ماكرون وحركته يسعى من خلاله إلى أن يتمكن الجميع من العيش سويا تحت سماء فرنسا دون تعقيدات الأحزاب السياسية القديمة المتوارثة منذ القرن التاسع عشر، ويدرك الرجل جيدا أن ردود الأفعال المتطرفة فى مكافحة الإرهاب، والعنصرية والتعصب فى التعامل مع التطرف الإسلامى، لم تساعد فى السابق على إيجاد صيغة توافقية بين أوروبا، والشرق الأوسط وشمال افريقيا، بل زادت هذه النبرة من الانقسام والتطرف.
استمرار التعاون مع مصر
عربيا سيسعى ماكرون «المرن» إلى استمرار الصيغة السياسية والاقتصادية القوية مع مصر واستكمال صفقات عسكرية مهمة أبرمتها القاهرة مع باريس فى عهد الرئيس الفرنسى فرانسوا أولاند، كما سيعزز من التعامل مع مصر خاصة فى حربها على الإرهاب والتشاور فى أهم القضايا المؤثرة فى المنطقة كسوريا وليبيا والعراق.
إذاً إن مهمة ماكرون المكلف بها من قبل داعميه هى الوصول إلى توافق سياسى يمنح السوريين استقراراً تلمسه المنطقة مع حقهم فى تقرير مصيرهم بأنفسهم، لكنها رغبة ستتعارض مع كيانات ودول أخرى قوية تضع قدمها ودعمها فى مناح شتى بسوريا.
كما سيدعم ماكرون بصيغة أو بأخرى تيار المستقبل فى لبنان وعلى رأسه سعد الحريرى وسيكون له مواقف ربما بتصريحات منضبطة تجاه حزب الله اللبنانى، بضرورة العمل تحت سيادة الدولة اللبنانية وأن تكون أولوية حمل السلاح للجيش اللبنانى وليس لأى فصيل خارجه، وهو الموقف الذى ستتعامل فيه لوبان بأكثر شدة لصالح المدنية فى لبنان فى مواجهة سلاح حزب الله.
حاكم فرنسا 2017 فى موقف لا يحسد عليه
حاكم فرنسا فى مايو 2017 يدرك جيدا أن عليه التزامات ينتظرها المعارض والمؤيد له، لإعادة أمجاد بلدهم وهيبته التى يرون أن الاتحاد الأوروبى الذى كان من أهم أسباب الدعوة إلى تشكيله - تحت أى مسمى - هو القضاء على احتمال وقوع حرب شاملة فى القارة العجوز بعد حربين مدمرتين كالعالمية الأولى والثانية، قد أطاح بها وأن الأوضاع فى المنطقة تحتاج إلى قرار فرنسى خالص يؤمن المصالح الفرنسية فى ظل متغيرات جديدة فى المنطقة قد تدفع باريس لقرارات بعيدة عن قيود الاتحاد الأوروبى، وأن التحالفات ربما تقتصر على دول بعينها تخدم الفكرة الفرنسية فى الحكم التى تقوم على الاستقلال والدعم المتبادل، وليس دعما من طرف واحد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.