مثلت المأساة التي تعيشها ليبيا منذ بداية الاحداث في فبراير الماضي تحدياً مفاجئاً امام السياسة الخارجية المصرية خاصة انها جاءت في توقيت بالغ الدقة والاهتمام فيه بقضايا الداخل في ظل اجندة متعددة وقضايا متنوعة تحتاج الي الحسم ومصر بحكم المصالح والجوار الجغرافي مع وحدة واستقرار الاوضاع في الجماهيرية ووضع حد سريع لتداعيات الزلزال الذي تعيشه وهي بالضرورة اختيارات الشعب الليبي وحقه في الديمقراطية والعدالة والحرية وهي ايضا مع وحدة هذا البلد الذي يمثل بمساحته قارة مترامية الاطراف فتقسيمه يمثل كارثة استراتيجية علي مجمل الاوضاع في المنطقة بصفة عامة ومصر بصفة خاصة واذا اضيف علي التقسيم الذي حصل في دولة الجوار الأخري السودان الذي تحول الي دولتين في الشمال والجنوب في يوليو القادم فنحن امام جغرافيا جديدة للمنطقة وامام هذا المتغير الجديد والخطير والمفاجئ لم تدم حيرة مصر طويلا وحددت خياراتها بسرعة وهو" التزام بالحياد" ما بين الحكومة المركزية في طرابلس والمجلس الانتقالي في بنغازي فمصر بحكم مصالحها السابقة قد تكون مع نظام العقيد معمر القذافي في ظل العلاقات الطويلة والمستقرة وزيادة الاستثمارات الليبية في مصر واستقبال الجماهيرية لاعداد من العمالة المصرية وصل الرقم الي اكثر من مليون وربع يمثلون المرتبة الاولي هناك ومصر بحكم اجواء ثورة 25 يناير قد تميل حتي ولو من حيث المزاج الشعبي علي الاقل مع المجلس الانتقالي الذي يقدم نفسه كتعبير عن مطالب الشعب الليبي في الحرية والديقراطية دون النظر الي ظروف تشكيله ومواقفه التي دعت علي رءوس الاشهاد الي التدخل الاجنبي ولاتزال تفعل ذلك مما يخصم من رصيده امام ثورة شعبية في مصر نجحت في تغيير النظام وهي ترفض اي تدخل اجنبي معتمدة علي صمودها في الشارع وتمسكها بمطالبها واهدافها وقد لا أذيع سرا اذا قلت ان الطرفين منذ البداية سعيا إلي الحصول علي الدعم المصري لمواقف كل منهما وجاء الي القاهرة مبعوثون من الطرفين وسعت دول عديدة الي دفع القاهرة واقناعها بالتعاطي ايجابيا مع المجلس الانتقالي او الاعتراف به الا ان مصر فضلت ان تكون بعيدة عن مخطط يتم تنفيذه وبدأت ملامحه وبداياته في الظهور دون ان يعرف احد نهايته علي الرغم من محاولات استفزازها والزج بها في الاحداث او تحميل الجالية جزءا من اسباب ما يحدث وهو ما تم تجاوزه بسرعة ويدرك اي مراقب ان الحسم العسكري بالاسلوب المستخدم من قبل قوات الناتو لن يكون سريعا. صحيح ان مصر وافقت علي قرار الجامعة العربية بفرض حظر جوي علي ليبيا ولكن علي خلفية حماية المدنيين كما قيل يومها من قبل فرنسا وبريطانيا وامريكا ولكنها رفضت وانا لا أذيع سرا المشاركة باي صورة من الصور في عمليات حلف الناتو ضد ليبيا كما فعلت قطر علي سبيل المثال. ومن المؤكد ان الموقف المصري ينحاز الي المبادئ دون المصالح التي تحكم سياسات دول كثيرة تبحث عن دور وعن نصيبها من "تورتة النفط والاستثمارات في مرحلة ما بعد القذافي اذا غاب عن المشهد السياسي دون اي اهتمام بمصالح الشعب الليبي واعتقد ان مصر قد تكون لظروف عديدة مرشحة لبداية القيام بوساطة جديدة بين الطرفين بعد ان وصلت المبادرات السابقة الي طريق مسدود سواء المقدمة من الاتحاد الافريقي او من تركيا وبعد ان اكتشف الجميع ان سقوط النظام ليس بالسهولة التي روج لها البعض وعادت كل المنظمات الدولية والاقليمية الي الدعوة الي وقف اطلاق النار كما كشف عنه اللقاء الاخير في الجامعة العربية الخميس الماضي.