لا ينسي أهل سيناء أبدا ذكريات هذه الأيام عندما كانت تخرج مئات الأسر لموسم حصاد القمح وتصطحب معها الرحي أو الطاحون حتي تتمكن السيدات وقت المساء من طحن حبات القمح والشعير لتحويله إلي دقيق،وتعود بعد رحلة الحصاد محملة بالخيرات التي تكفي لمدة عام تقريبا دون الحاجة إلي عيش الأفران،ومازالت الرحي أو الطاحونة حتي الآن ،من أهم الأدوات التي كانت تمثل مفردات تراثية في حياة أبناء سيناء،فهي التي توفر لهم دقيق خبزهم ويدفعون منها زكاة محصولهم. وتتذكر أم محمد الزمن الجميل الذي كان يجمع السيدات في منزل واحد وهن يجهزن القمح للطحين، ولكن الطحن اندثر مع تطور الحياة وأصبح الكل يعتمد علي دقيق المطاحن الكبيرة أو جلب العيش من الأفران،وتقول : »كنت أري والدتي وهي تطحن القمح بالرحي الحجرية، وتعلمت منها كيف يكون دوران الحجر حتي يصبح القمح طحيناً بالمواصفات المناسبة»، ولم تخف أم الزين حنينها إلي تلك الأهازيج التي كن يغنينها أثناء الطحين. ويشير سليمان العياط الباحث في التراث السيناوي إلي أن »الرحي» كانت تعرف في مناطق مختلفة من سيناء ب»الجاروشة او الطاحونة »، وتعد من عبق التراث الأصيل في العائلة السيناوية،ويوضح أنها من أقدم الأدوات في التاريخ العربي ،وتتكون الرحي من طبقتين دائريتين من حجر صوان تقص علي حجم معين، فالطبقة السفلية الأولي هي قطعة دائرية ضخمة عريضة ثابتة ويصل سمكها إلي 20 سم، وقطعة علوية ثانية متحركة ويصل سمكها إلي (5-7) سم، وتقص من المنتصف بشكل دائري ليوضع بالقطعة الثابتة »الفراشة»،وهي عبارة عن مسمار حديد سمكه 10 ملم وارتفاعه 10 ملم، وله ثلاث درجات، ثم يوضع أعلاها قطعة خشبية محفورة علي قدره تركب فوق المسمار، ليصبح داخلها، وتثبت يدٌ خشبيةٌ واقفة لأعلي علي القطعة العلوية، ويكون ارتفاعها من 20-25سم، ويشير إلي ان هناك من يضيف علي الطبقة السفلية في الرحي حوضًا من الطين علي محيطها، ويترك ثقبا علي شكل »محقن»؛ كي يتسني للطحين الخروج منه ولا يتسرب من الأطراف أو يخرج الحب عن مساره.