المجالس العرفية.. ضروة ملحة، انقذت المجتمع -ولا زالت- من الوقوع في براثن الفوضي والخلل الامني، تساهم بشكل كبير في نزع " فتيل " الازمات، احكامها ملزمة للجميع، قوانينها لها حجة وقوة، لا يقدر أحد علي التراجع عن شرط واحد يتم إقراره في اي من جلساتها، كما تتميز بالسرعة في الفصل بين المتنازعين، لذلك يلجأ اليها البعض لتعويض بطء اجراءات التقاضي داخل المحاكم واذا كانت قد اثبتت فاعليتها في حل العديد من المشكلات فهي ليست بديلا عن القضاء، ويعتبرها خبراء الامن اداة معاونة ومكملة لهم، فهي تساعد رجال الشرطة في اعمالهم، وهنا نطرح التساؤلات هل تقضي المجالس العرفية علي بذور الفتنة قبل ان تنمو؟ هل تفعيلها يساهم في وأد النزاعات الطائفية قبل ان تكبر وتضر بالوطن ؟.. الاجابة في السطور القادمة من هذا التحقيق.. المجالس العرفية في عجالة سريعة، هي جلسات عرفية اهلية، يطلق عليها البعض " قعدة عرب "، تنتشر في الارياف وفي محافظات الصعيد، تتكون من شخصيات ذات ثقة من اهل القرية، يرتضيها الاطراف المتنازعة للفصل في مشكلاتهم قبل ان تكبر وتتفاقم، وتكون قرارات هذه المجالس ملزمة لجميع الاطراف ولا يحق لاحد ان يمتنع عن تنفيذها.. بالرغم من ان عدد القضاة في مصر يتجاوز 12 ألف قاض وهناك أجهزة أمنية متعددة تنتشر في كل شبر في مصر، ويوجد اكثر 350 ألف محام يرتدون أروابهم السوداء للدفاع عن موكليهم، كل هؤلاء الاشخاص وتلك المؤسسات مهمتها تثبيت دعائم الدولة وتوفير الأمن والعدل، ولكن يلجأ المواطنون في الكثير من المحافظات الي البحث عن العدل في مجالس الصلح ومكاتب التحكيم العرفية، اما بسبب بطء التقاضي او للرغبة في انهاء النزاعات قبل ان تتفاقم.. بين الحين والاخر تظهر في مصر بذور الفتنة الطائفية، فعندما ينشب خلاف صغير بين مسلم ومسيحي، موروثاتنا الخاطئة " تنفخ " فيه، فيتحول الي نار مشتعلة يصعب علي اجهزة الدولة، وأدها وتعجز مؤسساتها عن عدم تحولها إلي ألسنة لهب، فتظهر اهمية القضاء العرفي، وقدرته علي نزع فتيل النزاعات الصغيرة قبل ان تتفاقم وتصبح ازمة تذهب بنا الي ما لا يحمد عواقبه.. اللواء سعد الجمال الخبير الامني يؤكد علي اهمية المجالس العرفية في مساعدة رجال الشرطة، ويعتبرها معاونة ومكملة للجهاز الامني، فهي تحمي المجتمع من تداعيات تصعيد المشكلات الصغيرة، ويشير إلي انه خلال عمله كمدير امن في احدي محافظات الصعيد حضر اكثر من 65 مصالحة عرفية خاصة بنزاعات اراقة الدماء والفتنة الطائفية، وكانت نتائجها جيدة واستطاعت بالفعل حلها والقضاء عليها. ويستكمل اللواء محمد عبد الفتاح عمر الخبير الامني قائلا ان المجالس العرفية لها دور حيوي في الكثير من المحافظات التي تتمتع بطابع قبلي كسيناء ومطروح والصعيد وبعض محافظات الوجه البحري حيث يتم تشكيل المجلس من كبار العائلات ورموز القري كالعمد والمشايخ وأئمة المساجد ومأذون القرية وبعض الشخصيات العامة للعمل علي فض المنازعات بين المواطنين كعمل تطوعي تخفيفا علي البسطاء من توكيلات المحامين والاحتكاك بالشرطة او اللجوء للقضاء، وغالبا عندما تكون هناك مشكلة كبيرة يقوم المجلس العرفي بكتابة محضر بين الطرفين واذا اصر احدهما علي الذهاب الي القضاء او الشرطة يتم ارسال المحضر للنيابة واشار عمر الي ان دور الامن في منع الجريمة وضبط المتهمين اذا حدثت الجريمة اما المجالس العرفية فضرورية لعدم تصعيد المشكلة للامن وتكون المشكلة بعيدة عن الامور التي تحمل شقا جنائيا لان هذا من اختصاص القضاء مؤكدا علي احترام قري الصعيد والريف احترام للمجالس العرفية وتنفيذ قراراتها توقيرا لكبار العائلات والشخصيات من اعضاء المجلس. سرعة العدالة يلجأ البعض الي هذه المجالس لانهم يشعرون مع تلك الجلسات بالراحة والعدالة السريعة المفقودة، بهذه الكلمات بدأت الدكتورة فادية ابو شهبة استاذ القانون الجنائي بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، مشيرة إلي ان فض المنازعات والحد من المشاحنات واستتباب الامن والاستقرار والاطمئنان علي الحقوق كلها مميزات تحققها المجالس العرفية إذا طابت نفوس الاطراف المتنازعة لذلك، موضحة ان ذلك لا يتعارض مع القضاء لان المحاكم نفسها تأخذ بأحكام المجالس العرفية وما اتفق عليه الاطراف بالتراضي فضلا عن ذلك أن ما يتم بالتوافق والتراضي والتصالح أفضل من تدخل القضاء أو الذهاب لاقسام الشرطة، لان الاقسام والمحاكم يكفيها ما لديها. مؤكدة ان المجالس العرفية لا تتنافي مع القانون والدستور، فالمادة 18و18 مكرر من قانون الاجراءات الجنائية تدعوان إلي الصلح والتصالح، خاصة في المسائل الصغيرة التي لاتتطلب اللجوء الي القضاء، وهذا الامر يخفف العبء والضغط من علي كاهل القضاء بسبب كثرة القضايا وازدحام المحاكم. وتطالب بضرورة تفعيلها وزيادة العمل بها في الكثير من الاماكن لان ذلك سيمنع المشكلات خاصة الطائفية من التفاقم، وتترك للقضاء القضايا الكبيرة والمعقدة التي تحتاج لخبراء وفنيين علي ان تحل تلك المجالس قضايا النزاعات البسيطة والمشاكل الاجتماعية والاسرية. تفعيل المجالس العرفية القمص صليب متي ساويرس راعي كنيسة مار جرجس بشبرا يشير الي ان هناك عوامل لابد من تواجدها قبل تفعيل المجالس العرفية وفي مقدمتها قبول الاخر وتغيير ثقافة المجتمع خاصة فيما يتعلق بقضايا الاقباط والفتنة الطائفية حتي نصل الي زرع المحبة والقبول لدي الطرفين من مسلمين واقباط والعمل علي ضبط النفس في جميع الاحوال، واشار صليب الي اهمية المجالس العرفية في الوقت الحالي خاصة بعد نجاح الثورة ومحاولة البعض الوقيعة بين عنصري الامة، وعلينا حسن اختيار اعضاء المجلس العرفي بحيث يلقي ترحيبا وقبولا من المواطنين من رجال الدين والشخصيات العامة التي تحظي باحترام وثقة. اضاف القمص ان المجالس العرفية لابد ان تضم رجال دين معتدلين من الطرفين لان ذلك سيؤدي الي نتيجة مقبولة وعدم لجوء الكثيرين الي القضاء وعدم الجور علي حقوق الاخرين، مشيرا الي انه طالب منذ سبتمبر الماضي بإنشاء مجلس العائلة المصرية يتكون من رجال الدين من الازهر والكنيسة، يكون هدفه حل المشكلات الطائفية، قبل تفاقمها حتي لاتضر بالمجتمع، وان يجوب ممثلون من هذه اللجنة القري والنجوع للقضاء علي الموروثات الخاطئة، وتصحيح الفكر غير الصحيح، ويعمل علي حل مشاكل المواطنين قبل تصعيدها الي الامن او القضاء. صلاحيات حقيقية كارم محمود حسن عمدة احدي القري بمحافظة قنا يؤكد علي ان المجالس العرفية مازالت موجودة داخل القري والنجوع ولها تاثير فعال، فهي تحل المشكلة قبل تصعيدها للامن او القضاء، حيث يقوم المجلس العرفي بعقد جلسات ودية داخل "دوار " عمدة القرية ويتم الاتفاق بين اطراف المشكلة علي تنازلات للتصالح دون تصعيدها للشرطة وتنتهي بذلك المشكلة.. مشيرا الي ان المجالس العرفية لو اعطيت صلاحيات بشكل رسمي وقادتها شخصيات تلقي استحسانا وقبولا شعبيا لن تحتاج القري الي القضاء خاصة ان القري والنجوع يعرف جميع العائلات بعضها ولكن بشرط الا يطمع كبار المجلس العرفي في شئ اكبر من ذلك والا يتدخل اعضاء مجلس الشعب فيه حتي لا يفسدوه بسياستهم، واستغلال نشاطه لصالح دعايتهم الانتخابية.