انطلاقا من قول الرسول الكريم عنه » ولقد رأيتك بمكة وما بها أحد أرق حلة منك.. ولا أحسن لمة منك.. ثم أنت أشعث الرأس في بردة» . نبدأ رحلتنا مع مصعب بن عمير. ففي ظل حياة الترف والنعيم.. والعطر والدلال.. عاش حياته الأولي لأبوين شريفين يحيطانه بكل أسباب النعيم.. المال والجاه، فكان له فيها ما أراد، لذلك كان لايري الامتعطرا متجملا.. ضاحكا مقبلا علي الحياة. وفجأة تبدلت الأحوال أو تغيرت الأمور فكان لا يري إلا متأملا دائم التفكير. جاداً تكسو ملامحه علامات الجدية، معرضا عن كل أسباب الترف والزينة. فضلا عن حياة أكثر خشونة وصرامة. لقد التحق مصعب بمدرسة الإسلام الأولي في دار الأرقم عند محمد بن عبدالله لقد دخلها الفتي المعطر ليعرف حقيقة الدعوة التي تبين لمريديها أن هناك نعيما دائما يعلو علي كل نعيم دنيوي، أعدها الله للمؤمنين بها. لقد أسلم مصعب واقر بدعوة الإسلام وصدق برسولها، وأصبح من اتباعها. فهجر حياته السابقة إلي حياة أخري يرضاها له اسلامه. وإذا بالعذاب واقع لا محالة.. وبقوة الاضطهاد تناله ولما غلظت القسوة واشتد الاضطهاد، استجاب لنداء الرسول بالهجرة إلي أرض الحبشة حفاظا علي النواة الإسلامية المؤمنة. أما هجرته الأخري فكانت نتيجة لتوجيه كريم من الرسول الكريم له. بان يحل بأرض يثرب بعد ان بايعه بعض أهلها بيعة العقبة الأولي. ليكون لهم داعية لرسالة الخير مفقها لهم في كتاب الله الكريم، معلما إياهم أمور دينهم ودنياهم.. فحل بها منفذا ما كلف به من توجيهات يخلص في المسعي ويجد في النصح. فأسلم علي يديه صناديد الانصار ورجالها وعلي رأسهم سعد بن معاذ. واستمر في دعوته مفقها.. داعيا.. مرشدا حتي انتهي العام وخرج نفر من حجاج الاوس والخزرج متجهين إلي مكة كي يبايعوا رسول الله بيعة العقبة الثانية فرافقهم مصعب في رحلتهم. ولم تدم اقامته في مكه فلم يلبث أن هاجر إلي المدينة ليكون في صحبة الرسول الكريم مجاهدا النفس والهوي في سبيل المبدأ والعقيدة . وعندما اشتعلت نار الحرب في »بدر» كان مصعب من ابطالها المغاوير وعندما دارت رحاها في »أحد» كان يحمل لواء الإسلام، حمل اللواء في يده اليسري بعد أن قطعت يمناه ثم حمله بعضده بعد ان قطعت الاثنتان معا ثم خر شهيدا فوق أرض المعركة لقد كانت هذه رحلته الأخيرة وهو في الاربعين من عمره. لقد حمل إلي الرسول شهيدا نظر إليه متذكرا جهاده وهجرته وبذله في سبيل الدعوة الإسلامية. ثم امر بتكفينه ودفنه، فكانوا إذا غطوا رأسه بالبردة.. خرجت رجلاه. وإذا غطوا رجلاه خرجت رأسه.. فامرهم النبي ان يغطوا رأسه. لقد كان واحدا من عظماء الإسلام.. كان يلقب بالمهاجر الدائم، وكان يلقب بأمير الدعاة.