مفوض الشركة: الديون 850 مليون جنيه والتكنولوجيا تعيده للحياة خلال 7 شهور »إن إقامة صناعة الحديد والصلب في بلدنا كان دائماً الحلم الذي ننظر إليه منذ سنين طويلة.. دقت ساعة العمل».. هذه هي الجملة التي بدأ بها الرئيس جمال عبد الناصر حديثه في افتتاح مصنع الحديد والصلب بحلوان عام 58.. ولكنه لم يدرك ما ستصل اليه مصانع الحديد والصلب الوطنية وما آلت اليه.. قلاع صناعية سلكت طريقها إلي الهاوية فقد مني مصنع حلوان منذ عام 1990 حتي عام 2005 بخسائر كبيرة وتمت مواجهة الازمة بالاستعانة بصندوق هيكلة القطاع العام ماليا لكن بقيت المشكلة الفنية المتمثلة في ضرورة التطوير وتنقية الخام لزيادة الانتاج وتقليل التكلفة، ومع ثورة 25 يناير 2011 زاد الركود واستمر نزيف الخسائر.. اليوم وبعد ثورتي 25 يناير و30 يونيو لاتزال قلعة هي أخري لا تقل اهمية عن مصنع حلوان وهو مصنع ابوزعبل للحديد والصلب ليتحول إلي ذكريات واكوام حديد »أكلته البارومة» وتحول من اكبر مصانع مصر بالشرق الأوسط إلي أسوار عالية محاطة بالقمامة وبيوت خاصة للعنكبوت وللكلاب الضالة.. فهل آن الأوان لكي تعود إليها الحياة مرة أخري بعيدا عن سياسة الاحتكار والمصالح الخاصة التي يحاول بعض رجال الأعمال ممارستها حتي لا ينهض القطاع العام مرة اخري خصوصا بعدما شدد الرئيس السيسي بضرورة مواصلة خطة إصلاح وتطوير شركات قطاع الأعمال موجها حديثه إلي د.أشرف الشرقاوي وزير قطاع الأعمال العام وذلك بعدما سيطر القطاع الخاص علي حصة 97% من سوق حديد التسليح، وهو ما يؤدي لعجز الدولة عن إحداث توازنات في الأسعار عند ارتفاعها. »الأخبار» قامت في هذا التحقيق بزيارة مصنع الحديد والصلب بأبو زعبل وطرحت الأسئلة علي الخبراء والمتخصصين حول كيفية اعطاء قبلة الحياة لمصانع القطاع العام الخاصة بانتاج الحديد والصلب مثل مصنعي ابو زعبل وحلوان؟. البداية كانت من منطقة أبوزعبل وبالتحديد من مصنع الحديد والصلب التابع للشركة الأهلية للصناعات المعدنية، هذا المصنع العملاق الذي كان به مصنع للدرفلة وفرن إنتاج سحب آلي لصب الحديد وفرن إنتاج نصف آلي وفرن يدوي وفرن تسخين وعنابر ومخازن ومحطة كهرباء وورش وأسطول نقل. هذا المصنع الذي ساهم بإنتاجه في بناء حائط الصواريخ لحماية الجبهة الداخلية من غارات العدو الصهيوني والذي استهدف المصنع بضربة إجرامية صباح يوم 12 فبراير 1970 ليسقط من عمالنا الشرفاء 88 شهيدا و150 مصابا ولتدمع عين القائد جمال عبد الناصر عند مشاهدته آثار دماء العمال عند زيارته للمصنع في أعقاب العدوان الصهيوني عليه ثم يعود ناصر ليذكره في آخر خطاب له في شبرا الخيمة قبل رحيله شارحًا قوة المصنع وأهميته والدمار الذي ألحقه به العدو الصهيوني ويقول (نحن نبني طاقة الحياة والأمل والحرية).. الآن وبعد أعوام ليست بالقليلة لا يزال المصنع شاخصا خربا يحكي قصة تفريط بحقوق الشعب وتسكن أرضه الكلاب الضالة والثعابين. عبث وإهمال ومن مدخل مدينة أبوزعبل وبالتحديد بعد 4 كيلو مترات من مزلقان أبو زعبل.. المصنع الذي كان أيقونة المحافظة اصبح الآن »لا بيهش ولا بينش».. فعند دخولك من بوابات المصنع الرئيسية تستقبلك تلال القمامة علي أسوار المصنع الأكبر والأقدم في الشرق الأوسط والذي تحول بعد ذلك إلي فندق خاص للكلاب والبوم والثعابين والعنكبوت لتنخر »البارومة» وبحور الإهمال في جسده بعد أن كان نواة تصنيع الحديد المسلح في مصر.. تجولنا اكثر داخل »الجمالون» وهو عنبر كبير، يضم فرن إنتاج سحب آلي لصب الحديد لا يوجد مثله في مصر ولا في الشرق الأوسط، اكوام الاتربة علي الفرن في كل مكان، اضافة إلي الصدأ والبارومة التي نخرت في جسده بفعل عوامل التعرية، ويشير حارس الأمن للفرن وهو يتنهد في حسرة »ثمن هذا الفرن 5 ملايين جنيه»، ونتجاوز الفرن لآخر، لنجد ان يد العبث والاهمال قد طالته بصورة أبشع، وعلي بعد خمسة أمتار يقبع فرن التسخين أسفل عنبر حديدي، وقد تآكل بنيانه، وأصبح مرتعا للكلاب الضالة التي استوطنته، فيما تحولت محطة الكهرباء الملحقة بالمصنع والتي كانت تنتج طاقة تصل إلي 100 ميجا وات، إلي فندق خاص للخفافيش والثعابين والطيور. صرح عملاق وخلال الجولة قابلنا المهندس السيد جلال صادق والذي يعمل في المصنع منذ عام 73 والذي اكد ان »البنية التحتية» الموجودة في المصنع لن يستطيع احد ان يقوم بعملها بنفس الجودة مرة اخري بالإضافة الي ارتفاع نسبة التكاليف في انشاء مصنع كبير مثل ذلك بالإضافة إلي إن هناك مواصلات موجودة بالفعل وخط سكة حديد كان يدخل إلي قلب المصنع علاوة علي وجود مرسي علي ترعة الإسماعيلية لسهولة النقل البحري وقتها ولجلب المازوت ومواد الطاقة التي تستخدم في تشغيل المصنع. وفي نفس السياق قابلنا المستشار محمد عيد الممثل القانوني للشركة الأهلية للصناعات المعدنية والمفوض من قبل الشركة لادارة مصنع ابوزعبل للحديد والصلب.. يجلس علي مكتبه داخل المصنع الذي تحول إلي سراب وبقيت المساحات الشاسعة والبنية التحتية للمصنع موجودة ولكن اصوات الماكينات والأفران والعمال توقفت عن العمل.. ويقول المستشار محمد عيد متسائلا »إنتو فين بعد 17 سنة جايين ليه؟» بهذا السؤال بدأ مفوض الشركة الأهلية حديثه معنا والذي اكد ان الخسائر التي تكبدتها الشركة عام 2002 جاءت بسبب التكنولوجيا المتأخرة للمصنع فحققت الشركة 460 مليون جنيه خسائر بالنسبة لراس المال الذي لم يتجاوز 29 مليون جنيه وتم تطبيق القانون وتم تصفية الشركة وذلك بعد عام 2008، حينما اعلنت الحكومة بيع المصنع في مزاد علني، وبالفعل رسا المزاد علي مستثمر اماراتي مقابل460 مليون جنيه، ولكنه حتي الان لم يسدد ثمن البيع، وأمهلته الحكومة حتي نهاية شهر مارس 2010 لسداد المبلغ أو فسخ العقد، ورغم مرور المدة المحددة لم يتم السداد، واعتبر عمال المصنع المشردون أن المفاوضات تعثرت مع المستثمر في 2011 حيث قامت الثورة ووقتها أقرت الحكومة بضرورة عمل الشركة الأهلية مرة اخري ولكننا ننتظر الفرج ، وأضاف عيد ان الشركة قامت بتقييم المصنع وجاهزون للطرح وكانت هناك بعض الشركات والمستثمرين الذين اخذوا فكرة عن المصنع ومكانه المتميز حيث انه »مكسب لأي حد» علي حد قوله فالمصنع يقع ضمن مساحات شاسعة اضافة إلي وقود محطة كهربائية تستطيع توليد كهرباء لمدينة قليوب باكملها وليس المصنع فقط فهي تنتج 100 ميجا فولت كما ان هناك خط سكة حديد علي جانبي المصنع وكان يدخل إلي المصنع قديما بالإضافة إلي وجود مصدر طبيعي للتبريد وهي ترعة الإسماعيلية ، واضاف مدير مصنع الحديد والصلب بابو زعبل ان المصنع من الممكن ان يعود إلي الانتاج خلال 7 شهور فالمصنع لا يحتاج سوي المعدات التكنولوجية الحديثه فالبنية التحتية كلها موجودة ولن تستطيع عمل »افران وجمالون» مثل الموجود هنا في ابو زعبل والذي كان يضم بين احضانه 3700 عامل ومهندس ، وفي الثمانينيات واوائل التسعينيات كان سعر الحديد مستقرا بقرار من وزير الصناعة وقتها ومن قبل هذه الفترة ايضا ابان فترة السبعينيات وبالتحديد في اخر حروب الاستنزاف وبداية حرب 73 فكان المصنع هو الذي ينتج الحديد »الدشم» وتم ضرب المصنع بغارة جوية سنة 70 راح ضحيتها 88 شهيدا و150 مصابا ولحقت اضرار ليست صغيرة بالمصنع ولكنه وقف علي قدميه مرة اخري خلال أيام ، واشار عيد بانه يجب اعادة الحياة لصناعة الحديد والصلب خصوصا في القطاع العام فالحديد كان في شهر ابريل قد وصل إلي 4800 جنيه اما الان فتجاوز ال10600 جنيه مما ينذر بكارثة وضرورة ملحة بعودة الصناعة الوطنية في هذه الصناعة الأستراتيجية الا وهي الحديد والصلب ، واختتم مفوض الشركة الأهلية للصناعت المعدنية ومدير المصنع بان مقومات المصنع قابلة للتشغيل فلدينا 88 فدانا مسجلة باسم الشركة ومحطة كهرباء كبيرة بالإضافة إلي وجود خطي غاز طبيعي مضيفا انه قام بعمل تقييم بقصد تحديث المصنع والتطوير ولكن الحل يكمن في جلب المستثمر المناسب للمشاركة في اعادة تشغيل المصنع او تطويره فالشركة عليها ديون ب850 مليون جنيه من ضرائب والشركة القابضة ووزارة المالية والبنوك. إعادة هيكلة وكان وزير قطاع الأعمال العام د.أشرف الشرقاوي قد أكد أن الوزارة تستهدف خلال عام 2017 إعادة إحياء قطاعي الحديد والصلب عن طريق إعادة الهيكلة الفنية والمالية وذلك من خلال مؤتمر صحفي للإعلان عن نتائج أداء شركات قطاع الأعمال العام خلال العام المالي 2015/2016 في اخر يوم من العام الماضي، ولكن فيما يتعلق بصناعة الحديد والصلب كانت توجد دراسة عام 2014 لتنشيط القطاع لكنها لم تشمل المخاطر الموجودة في السوق، كما أن تغير سعر الصرف والفائدة بشكل كبير خلال الفترة الماضية أعاق تلك الدراسة وفرض علينا عمل دراسة جدوي جديدة تنظر بعين الاعتبار للوضع الراهن.. مشيرا الي ان قطاع الحديد والصلب من اهم القطاعات التي ننظر اليها بعين الاعتبار ولكن زادت خسائر الشركات التابعة للقابضة للصناعات المعدنية لتصل إلي 997 مليون جنيه مقابل خسارة 900 مليون جنيه خلال العام المالي السابق.