رغم أن التحريض علي فعل شيء أو الشروع في فعله يترك دائما وقعا غير حسن وغير طيب لدي عموم الناس لارتباطه في الأذهان بأنه تشجيع للانفعال أو التحرك في غير محله، إلا اننا لابد أن نقول بوضوح إنه ليس كل التحريض مكروها. التحريض إذا كان علي فعل الصواب أو للخروج من نطاق السلبية والدفع في اتجاه التحرك الايجابي هو في حقيقته تحريض محمود بل مطلوب وضروري. ومن هنا فإن التحريض الواجب الآن، والمرحب به في اللحظة الراهنة، هو التحريض الشديد علي ضرورة المشاركة في الاستفتاء، ودفع كل المواطنين من أبناء مصر ممن لهم حق الإدلاء بأصواتهم للذهاب إلي اللجان الانتخابية والادلاء بأصواتهم باعتبار ذلك واجبا وطنيا وفرض عين وضرورة لابد من الوفاء بها والالتزام بأدائها. وسواء كنت أنا، أو كان غيري من المؤيدين للتعديلات الدستورية المطروحة للاستفتاء عليها، أو كنت، وكان غيري من غير المؤيدين لها، فإن الواجب والضرورة يحتمان علينا جميعا أن نذهب إلي اللجان، وأن نقول نعم أو لا بكل الحرية، وبكل الشفافية، علي أن يكون الدافع لنا علي التأييد، أو الرفض هو الاقتناع الكامل بما تقوله.
واعرف أن في مصرنا الآن ما يشبه عدم التوافق علي رأي واحد أو رؤية واحدة تجاه هذه التعديلات،..، فهناك من يري ضرورة الموافقة والتأييد المطلق والكامل لها، بوصفها أقصر الطرق وأسلمها للخروج من حالة غياب المؤسسات الشرعية للدولة، بما يؤدي لسرعة قيام هذه المؤسسات بمهامها، وهو ما يحقق الاستقرار لمصر في ظل دولة مدنية حديثة تقوم علي الحرية والتعددية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية ومناهضة الفساد. وأصحاب هذا الرأي وتلك الرؤية لهم منطقهم الذي يستندون إليه، ويرون ضرورة انهاء الحالة الاستثنائية التي تمر بها الدولة المصرية الآن، وذلك عن طريق سرعة اجراء الانتخابات البرلمانية، ومن بعدها انتخابات الرئاسة، بحيث يصبح لدينا برلمان أو مجلس شعب منتخب انتخابا حرا، ثم رئيس جمهورية منتخب بإرادة كاملة وحرة من الشعب، من بين العديد من المرشحين.
ويرون أن ذلك يسمح بعودة القوات المسلحة الباسلة إلي ثكناتها، وتفرغها لتأدية مهامها ودورها في الحفاظ علي الأمن القومي المصري، بعد أن أدت دورها الوطني في الحفاظ علي ثورة الشباب التي احتضنها الشعب، وأصبحت علامة مضيئة وفارقة في تاريخ مصر، ومثالا فذا وناصع البياض بين ثورات العالم كله، وهاديا لكل شعوب الدنيا في طهارة الفعل، ونبل الهدف. ويرون أيضا، أن التعديلات الدستورية المطروحة للاستفتاء استوفت كل ما هو ضروري ولازم لتحقيق الهدف منها، وانها التزمت بكل ما هو واجب ومطلوب، كمرحلة أولي تتلوها مراحل، تتيح الاستجابة الكاملة لكل أهداف الثورة، وتفتح الطريق للبدء في اعداد دستور جديد نصا وموضوعا يتفق مع طموحات وآمال الشعب.
وإذا كانت تلك هي رؤية المؤيدين، وذلك منطقهم فهناك فريق آخر يري غير ذلك، ويخالفهم الرأي، ويؤكدون عدم موافقتهم علي هذه التعديلات المطروحة للاستفتاء، ويطالبون بأن تكون الاجابة عليها »بلا« علي عكس المؤيدين الذين يطالبون بأن تكون الاجابة عليها في ورقة الاستفتاء »بنعم«. وهؤلاء يرون أن هذه التعديلات التي تمت، لا تفي بالغرض، ولا تحقق أهداف الثورة التي طالبت بدستور جديد بالكامل، وليس بمجرد تعديلات علي بعض مواد وبنود الدستور الذي كان معمولا به منذ 1791، وحتي قيام الثورة. ويرون أن هذه التعديلات تتم علي بعض مواد الدستور مرفوض أصلا نصا وموضوعا، وأن الواجب والضروري هو دستور جديد، وليس مجرد تعديل في الدستور المرفوض،...، وأن أي رتق لدستور مهلهل لا ينفع ولا يفيد. ويؤكدون أن الموافقة »بنعم« علي هذه التعديلات تفتح الباب سريعا إلي الانتخابات البرلمانية في الوقت الذي لم تستعد فيه الساحة السياسية، سواء بالنسبة للأحزاب القائمة حاليا، أو بالنسبة لقوي الثورة الناهضة، الاستعداد الكافي لخوض هذه الانتخابات.
ويرون أن الانتخابات البرلمانية إذا جرت في مثل هذه الظروف فإنها ستؤدي إلي شيء واحد فقط، وهو أن يتشكل مجلس الشعب الجديد من القوة السياسية الوحيدة الجاهزة والمنظمة في الشارع المصري الآن وهي جماعة الإخوان المسلمين، بالإضافة إلي فلول وبقايا الحزب الوطني التي مازالت تريد القفز علي البرلمان والنيل من الثورة. ويؤكد هؤلاء، أن الانتخابات إذا جرت في ظل هذه الظروف، وفي الغيبة النسبية للتواجد الشرطي والأمني عن الشارع في جميع المدن والقري المصرية، فإن عمليات العنف، والبلطجة، وشراء الأصوات، وغلبة المال، سيكون لها اثر شديد، وستؤدي إلي تمثيل لرموز لا يجب أن تتواجد في البرلمان، في حين ان العجلة والسرعة غير مطلوبة ولا محمودة في ذلك.
ويرون الأكثر صحة من ذلك كله، هو اعلان دستوري مؤقت يتضمن مطالب الثورة ويحدد صلاحيات الحكومة الانتقالية، وتشكيل مجلس رئاسي يتكون من ثلاثة اعضاء بينهم أحد العسكريين يقوم مقام الرئيس بصفة مؤقتة، حتي اجراء انتخابات تشريعية ورئاسية، وأن يقوم المجلس الرئاسي بتشكيل جمعية تأسيسية لوضع دستور جديد. ليس هذا فقط، بل طالبت بعض القوي السياسية، بإلغاء الاستفتاء، وسرعة إصدار إعلان دستوري جديد بدلا من التعديلات المطروحة، وذلك حتي لا تتم اتاحة الفرصة لعودة ما كان،...، وانطلاقا من ذلك يطالب هؤلاء المواطنون برفض التعديلات، والقول »بلا« في ورقة الاستفتاء، إذا ما تم اجراؤه.
والآن هذه هي الصورة للوضع القائم حاليا في وطننا بالنسبة للاستفتاء علي التعديلات الدستورية المطروحة، ونحن نري أن عدم التوافق علي رأي واحد، هو في حد ذاته موقف ايجابي، بل هو من طبيعة الأشياء، وان اختلاف الرأي وتعدد الرؤي أيضا موقف ايجابي. ولكن المطلوب منا جميعا هو الاتفاق علي ضرورة المشاركة، وضرورة الحرص علي الادلاء بأصواتنا، وتحريض كل المواطنين علي الذهاب للصناديق والقول بنعم أو لا، واعتبار ذلك واجب وطني لازم وضروري.