لأول مرة يختار مهرجان الأقصر الأفريقي فيلما مصريا لافتتاحه، وكان اختياره موفقا ورائعا.. ∩نوارة∪ فيلم يليق بالسينما المصرية ويشرفها، يرصد أحلام البسطاء والثورة وتوابعها بتوقيع هالة خليل مؤلفة ومخرجة موهوبة شديدة الحساسية غابت لسنوات طويلة بعد فيلمها الأول الرائع ∩أحلي الأوقات∪ لتعود أكثر نضجا وواقعية. ترصد هالة المجتمع المصري في ربيع عام 2011، بعد فترة قصيرة من انفجار ثورة يناير التي نعيش توابعها، من خلال تناقض رهيب لشريحتين في مجتمع يعاني خللا وظلما وفسادا، ( نوراة ) منة شلبي الخادمة الشابة التي تعاني من أجل حياة آدمية بسيطة، كل أحلامها مياه نظيفة ترحمها من مشوارها اليومي لجلب المياه لبيتها العشوائي.. دواء لجدتها العجوز المريضة وسرير لحماها المريض بالسرطان وبيت صغير تتزوج فيه (علي ) أمير صلاح الدين خطيبها النوبي بعد خمس سنوات من عقد القران.. علي الجانب الآخر هناك الأسياد، أسامة ∩محمود حميدة∪ عضو مجلس الشعب وشاهندة ∩شيرين رضا∪ زوجته سليلة البشوات وابنتهما خديجة المدللة وكلبها يقطنون قصرا بكومبوند فخم راق تعمل لديهم نوارة كخادمة، الأسرة المذعورة من الثورة وما يظنون من إجراءات قد تعصف بهم وبثروتهم يقررون السفر هربا إلي الخارج رغم اعتراض أسامة بك الذي يطمئن قلبه إلي فشل الثورة وعودة كل شيء إلي ما كان قبلها وأكثر إلا أنه يرضخ لقرار زوجته.. تترك شاهندة هانم القصر وما به من ثروات صعب نقلها معهم، والكلب في عهدة نوارة الخادمة الأمينة وعبدالله الحارس العجوز الخانع في صمت.. تنفذ نوارة وصية الهانم بأمانة واتقان، ترعي القصر والكلب الذي تهابه خوفا من شراسته حتي تدرك أنه يهاجمها لأنه يدرك أنها تخاف منه فتتعلم ألا تخاف وهنا تملك الزمام وتقوده، تتدهور حالة والد علي ويحتاج لعشرة آلاف جنيه للمستشفي الاستثماري بعدما يطرد من المستشفي العام الملقي فيه علي الأرض في انتظار سرير، فتطلب نوارة من مخدومتها ان تأخذ المبلغ من المال الذي تركته في عهدتها لتساعد خطيبها، تتصاعد الأحداث بعدما يتهجم الأخ الأصغر لأسامة بك علي القصر وحاميته نوارة فيضربها بعنف ولا ينقذها منه سوي الكلب الوفي، فيفر منه مذعورا لكنه يشهر مسدسه ليقتل الكلب في مشهد أليم، بعد دفنه يذهب علي نادما ليرد ساعة كان قد سرقها في لحظة ضعف من القصر فيجد نوارة مهزومة حزينة يضمها في حنان لتنهار مقاومتها بعد خمس سنوات انتظارا وتتزوجه في القصر، وفي الصبح تعطيه المال لينقذ والده، إلا أن القدر لا يمهلهما وتقتحم القصر قوة من النيابة والشرطة لتنفيذ حكم بالتحفظ علي أموال وممتلكات اسامة بك المتهم باستغلال نفوذه، تسلمهم نوارة مفاتيح القصر بهدوء وتخرج حاملة حقيبة صغيرة تثير شك الشرطي فيتم تفتيشها ليجدوا بداخلها مالا اعطته لها الهانم فيقبض عليها بتهمة السرقة وهي تستنجد بعلي، وبالله، في نهاية رائعة للفيلم الذي يفتح باب الجدل حول الثورة وأثرها وحال المواطن المصري وأحلامه وما وصل إليه في الواقع، من خلال قصة بسيطة وسيناريو مترابط وحوار اكثر من رائع عبر في بلاغة عن أحلام وثقافة أبطال الفيلم، سانده أداء ممثليه الذين كانوا في أفضل حالاتهم خاصة منة شلبي التي رسمت معاناة وبراءة وانكسار نوارة بملامحها وصوتها ببراعة شديدة، وأمير صلاح الدين بأدائه البسيط الذي يبشر بمولد نجم كبير ومحمود حميدة ويعد افضل ما قدم حتي الآن. وتنافس صناع الفيلم تحت قيادة المخرجة الرائعة التي اهتمت بالتفاصيل، فتفوقت هند حيدر بديكور أضفي واقعية علي الجانبين في العشوائيات والكومبوند، وتألق مدير التصوير زكي عارف خاصة في مشاهد القصر ليلا وزواج نوارة، وساهم مونتاج مني ربيع في خلق حالة من النعومة ورهافة الايقاع في حين كانت ريم العدل موفقة جدا في اختيار ملابس ابطالها بما يلائم الحالة الاجتماعية والنفسية.