منذ أكثر من 3 سنوات والجمهور محروم من مشاهدة مباريات كرة القدم «لايف» في الملعب.. محروم من دخول الملاعب وتشجيع الفريق الذي يعشقه وينتمي له، كما يحدث في جميع ملاعب العالم.. فهي بالنسبة له متعة. غياب الجمهور عن الملاعب جعل كرة القدم تتراجع كثيرا.. علينا أن نعترف بذلك، فالجمهور هو الوقود المحرك للاعبين، وهو الملهب للمهارات ومفجِّر الطاقات. الملاعب عندنا خرابات، ينعق فيها المذيعون، في غياب أهم شيء بمنظومة اللعبة.. لعبة كرة القدم جاءت من أجل متعة الجمهور. وأقصد هنا الجمهور في المدرجات، ومع مرور الزمن أصبح هو اللاعب رقم (12) وفي أحيان كثيرة، اللاعب رقم (1).. فهو من يضفي علي اللعبة الإثارة والمتعة. الجمهور وخاصة الشباب الذي يتحمل الكثير، يرافق فريقه في كل مكان.. وجدوا في تشجيع فريقهم بحماس، بديلا لكثير يفتقدونه.. يجتمعون علي هدف واحد، حب الفريق.. فهي تفجر طاقتهم الكامنة.. وجدوا في التشجيع ضالتهم.. يجتمعون معا في المدرجات علي هدف واحد.. يشجعون بحماس. الجمهور وإن كانوا يختلفون في أمور كثيرة، سواء في طباعهم أو أسلوب تفكيرهم أو حتي مستوي التعليم والمعيشة، يجتمعون علي حب فريقهم، يرتدون زيا واحدا، فانلة بلون الفريق.. يتحدون في المدرجات.. يجدون مع انتصار فريقهم انتصارا ونشوة بالفوز تملأهم.. ومع هزيمة فريقهم انكسارا لهم، فهم يشاركون في الهزيمة ويصنعون النصر.. وهذا بالنسبة لهم مصدر للفخر والتباهي.. يشعرون بأن لهم دورا وأهمية في المجتمع، وأنهم ليسوا مهمشين. لن تحدث عن سلبيات غياب الجمهور التي جعلت من لعبة كرة القدم مسخا، وانعكاسها علي الأندية كصناعة.. وانعكاس ذلك علي اللاعبين أنفسهم. وإنما أتحدث عن سوء حظنا نحن المشاهدين عبر شاشات التليفزيون وخلف الراديو.. فمع غياب الجمهور ارتفع صوت المعلق علي المباريات.. لا شيء يحجبه أو يقلل من حدته، سوي أن تغلق الصوت حتي لا تصاب بصداع مزمن.. المذيعون الآن حدِّث ولا حرج.. لا متعة ولا إثارة.. بل سبب لتطفيشنا.. ينفروننا من مشاهدة أو سماع المباريات.. لا خبرة ولا موهبة.. ثقافة ضحلة، وثقل دم.. يخرجون عن صلب المباراة، ويتفرعون إلي أشياء أخري، مما يصيبنا بالملل وفي أحيان كثيرة بالغثيان. كما أنهم يتسابقون في إضفاء أوصاف علي اللاعبين لو سمعها «مسي» لاعتزل كرة القدم. والمصيبة تتجسد في الإذاعة.. عندما يعلو صوت المذيع «جون» وبعد نصف ساعة تكتشف أن الكرة «أوت» أو كانت تسللا.. مما يجعلنا نكره اليوم اللي شجعنا فيه الكرة. الله يرحم المذيعين العظام الكبار الذين كانوا يضيفون متعة إلي لعبة كرة القدم، أمثال الكابتن لطيف وعلي زيور وميمي الشربيني وأحمد عفت وغيرهم.. كل منهم كان له أسلوبه الجميل ولزمته التي حفظها الجمهور.. ولم يقلد أي منهم الآخر. أعود إلي الجمهور من الشباب الذي وجد في تشجيع كرة القدم ملاذه، بل إنها عند الكثير منهم حياته.. جميعا نتذكر عندما حصلنا علي كأس أفريقيا ثلاث مرات.. وكان الجمهور يسهر فرحا حتي الصباح، يطوف مصر أدناها وأقصاها، حاملا الأعلام مرددا الأغاني والهتافات في حب مصر.. فالكرة علمت أجيالا حب مصر والانتماء لها والتمسك بعلمها وترديد نشيدها الوطني. لا أعلم سببا وجيها لمنع الجمهور من حضور المباريات.. ولست مقتنعا بما يساق من مبررات.. المسألة ليست معقدة، فما حدث في الإمارات أثناء مباراة الأهلي والزمالك، دليل ونموذج رائع يسهل تطبيقه بشيء من التنظيم. كما أن الإرهاب لم يمنع الجمهور من دخول المباريات في فرنسا وفي العديد من الدول الغربية. الأمن الذي استطاع تأمين انتخابات مجلس النواب، قادر علي تأمين المباريات.. إنها مسألة إرادة. نعم نستطيع تأمين المباريات، ولكن الرغبة غير متوافرة.. إن عودة الجمهور للمدرجات رسالة للعالم، بل هي أقوي رسالة علي أن مصر هي بلد الأمن والأمان.. الجمهور لازم يرجع، حتي تعود الروح لكرة القدم، ويعود للشباب متنفسهم وضالتهم.. وأنا علي ثقة أن الجمهور سيكون علي قدر المسئولية.. افتحوا الملاعب فنحن نستطيع تأمينها.