ذهبت إلي مسجد آل رشدان للعزاء في سعد الشاذلي. كان وقت العزاء الثانية ظهراً بسبب حظر التجول. أمام المسجد رأيت مصر وهي تغير جلدها. من قبل كنت تري السيارات الفارهة السوداء ينزل منها كبار المسئولين. يسبقهم ويلحق بهم الحراس. أما الآن فمعظم سيارات القوات المسلحة متواضعة. وأكثر من حضروا للعزاء كانوا من ضباط القوات المسلحة. الوقت الذي جلست فيه لم أجد مسئولاً مصرياً واحداً. وحتي عندما نظرت إلي اللوحة المكتوب عليها: مندوب السيد رئيس الجمهورية ووجدت ضابطاً كبيراً يجلس تحتها. سألت نفسي: مندوب من يا تري؟ أم أنه كان مندوباً للمشير محمد حسين طنطاوي رئيس المجلس الأعلي للقوات المسلحة. تمثلت دور سعد الشاذلي عندما كان رئيساً لأركان حرب القوات المسلحة. وكنت أحد مجنديها. حيث قام مع وزير الحربية الفريق أول محمد فوزي بعمل يماثل ما قامت به إيزيس في التاريخ المصري القديم. عندما جمعت أشلاء أوزوريس من كل زاوية في بر مصر لكي تنفخ فيها روح الحياة. هذا ما فعله البطلان. كانت تصلنا التعليمات العسكرية تسبقها الأمثال الشعبية والأحاديث النبوية وآيات القرآن الكريم. وكانت الأوامر مكتوبة بلغة مشبعة بالعاطفة وحب الوطن وأنسنة عملية الدفاع عنه. ثم جري ما جري. وعندما ذهبت محكمة القيم بعد اغتيال الرئيس السادات فوجئت بابنة الشاذلي في المحكمة لأن بعض ممتلكات والدها قد وضعت تحت الحراسة. أيامها كان دوي محاكمات أوائل ثمانينيات القرن الماضي يغطي علي كل شئ. ثم تقلبت الحياة بسعد الشاذلي وعاد إلي مصر واعتقل ومرض ومات. علي أن موته قبل رحيل مبارك بيوم وجنازته التي توافقت مع يوم الرحيل تضعنا وجهاً لوجه أمام تصاريف الأقدار التي تتفوق كثيراً علي القصص والروايات التي نكتبها. حزنت كثيراً لأن بانوراما حرب أكتوبر تخلو من صورة له. وأتمني رد الاعتبار له بطبع مذكراته ووضعه في بانوراما حرب أكتوبر في المكان الذي يليق به حتي تقرأ الأجيال الجديدة حكايته الصحيحة. لقد ظلموه حياً فهل يمكن إنصاف سعد الشاذلي ميتاً؟! ألا يكفي أن جماهير التحرير تذكرته وهتفت بإسمه في يوم وفاته؟ خسائر معرض الكتاب كلنا يعرف الملابسات الحزينة التي أدت لتأجيل معرض القاهرة الدولي للكتاب إلي أجل غير مسمي. لكن المشكلة الراهنة والتي لا بد من تقديم حل لها هي تدبير مبلغ 12 مليون جنيه قيمة تكلفة الأجنحة والسرايات وأماكن عرض الكتب والتعويضات التي لا بد أن تدفع - أو ربما تم دفعها - للناشرين العرب والأجانب الذين جاءوا إلي مصر وتكلفوا الأموال الطائلة. وكانوا في انتظار افتتاح المعرض الذي لم يتم.المعرض يقام مشاركة بين الهيئة المصرية العامة للكتاب وهيئة أرض المعارض. لكن الحسابات هي الحسابات. والأموال هي الأموال. ولا بد من جهة ما تسدد هذا المبلغ الضخم. أعرف الظروف الصعبة والعصيبة التي تمر بها مصر الآن. والخسائر التي منيت بها مصر بسبب الأحداث التي وقعت مؤخراً. وأيضاً الفاتورة الضخمة التي لا بد من تدبيرها ودفعها في مواجهة العديد من الاحتجاجات والإضرابات العمالية والفئوية والاجتماعية. لكن من الذي يسدد هذا المبلغ؟ لا هيئة الكتاب تستطيع ولا هيئة المعارض قادرة. فهل هو وزير المالية - أياً كان شخصه - عند نشر هذا الكلام هو الذي يتولي تدبير هذا المبلغ حتي نحافظ علي سمعة مصر أمام الناشرين العرب والأجانب؟ نهب الأراضي الزراعية من المؤكد أن ثورة الخامس والعشرين من يناير عمل عظيم. سيكتب عنه في التاريخ الحديث الكثير جداً. لكن لا بد أن تكون لدينا شجاعة مواجهة هوامش هذه الأحداث. ومن هوامشها ما جري في الريف المصري. فقد انطلقت عملية بناء فوق الأرض الزراعية لم يسبق لها مثيل. كانت هناك ضوابط قبل هذه الأحداث. وتصاريح لا بد من صدورها. واعتبارات يجب مراعاتها. وكلها تدور حول عملية الحفاظ علي ما بقي من الأرض الزراعية قبل أن تلتهمها عمليات البناء.لكن إن كان شباب التحرير يعدون من أنبل وأطهر الظواهر التي طرحتها مصر مؤخراً. فإن مصر نفسها كانت قادرة علي أن تخرج فئات من سكان القري وتستغل هذا الظرف وتمارس عملية بناء لم يسبق لها مثيل. كانت تتم في وضح النهار. وبدون تصريحات. ولا حتي سؤال أي جهة في الدولة. وفي حالة غياب الدولة المصرية وتبخر الحكومة وغياب المسئولين. لم يكن هناك أحد يجرؤ علي سؤال فلاح يقوم بعملية بناء في الأرض الزراعية.لا أريد أن أظلم الطرف الضعيف وهو الفلاح المصري. فمنع البناء في حد ذاته واعتبار أن البناء من جرائم أمن الدولة العليا تنفذ بموجب قانون الحاكم العسكري أو ربما قانون الطوارئ. لم يحمل بداخله أي حل للمشكلة. ومع هذا أقول إن استغلال ظروف الثورة وما جري للدولة المصرية وعملية البناء تستلزم مواجهة ما. لأن الدولة المصرية إما أن تكون أو لا تكون. والحكومة المصرية وهي الجهة المنفذة لما تريده الدولة لا بد أن تلعب دورها قبل أن نجلس للبكاء علي مصر وما كان في مصر. السؤال الأول كيف نوقف عمليات البناء غير العادية؟ وكيف نتصرف إزاء ما تم بناؤه خلال أيام المحنة؟ وإلا سنجلس لنبكي ونقول: كان لدينا وطن اسمه مصر.