انتصار ثورة الورد البلدي صنع لمصر تاريخا مجيدا لن ينساه العالم فقد كانت احتفالات ليلة أمس الأول الجمعة التي انطلقت في السادسة وثماني دقائق مساء بتوقيت القاهرة بمجرد انتهاء اللواء عمر سليمان بصفته الرئيس المفوض بصلاحيات رئيس الجمهورية حتي تلك اللحظة من أقصر بيان له منذ انطلقت الثورة والذي أعلن فيه أن الرئيس حسني مبارك اتخذ قرارا بالتخلي عن منصب رئيس الجمهورية ونقل الي المجلس الأعلي للقوات المسلحة مهمة ادارة البلاد لحظة فارقة أكبر بكثير من وصف التاريخية وعندها بدأت ردود الفعل من كل العواصم العالمية تتحدث عن عظمة مصر والشعب المصري . ومن بين ردود الفعل الأهم كان التصريح الذي ورد علي لسان الرئيس الأمريكي باراك أوباما الذي قال ان اليوم هو يوم الشعب المصري الذي أصبح الملهم بامكان تحقيق العدالة باستخدام الوسائل السلمية . وقال أوباما ان مصر التي كانت هناك تقود التاريخ والحضارة العالمية قبل 6الاف سنة يبدو أنها جعلت عجلة التاريخ تسير بسرعة كبيرة لكي يعود الشعب المصري لصنع التاريخ من خلال الشباب الذي اصر علي الصمود السلمي في ظل حماية الجيش المصري. كان هذا هو التعليق الذي أثار الفخر داخليا بمصر التي كانت هي الخبر الأول الذي فرض نفسه علي مختلف وسائل الاعلام العالمية في أرجاء الأرض علي مدي نحو 18 يوما وسوف يستمر بمشيئة الله . ولم تكن هذه السيطرة علي المشهد الاعلامي العالمي في دول العالم كافة سوي انبهار بقدرة هذا الشعب المصري الذي قدم ثورة هي الأكبر والأعظم في تاريخ البشرية ليس فقط من حيث أعداد الذين شاركوا فيها ولكن من حيث قدرتهم الهائلة علي الاستمرار والتواصل والصمود وهو الأمر الذي جعل شخصية سياسية خبيرة في حجم وزير الخارجية الأمريكية السابق العجوز هنري كيسنجر يقول انه مندهش ويعتقد أنه سيبقي مندهشا حتي آخر عمره مما صنعه المصريون عندما غضبوا . اذن فقد أصبحت سنوات الفساد وغياب العدالة وانتشار القمع في دولة البوليس والتزوير ماضيا لن يعود ونحن الآن في بداية صنع أسس الجمهورية الثانية . وقبل أي حديث عن أسس هذه الجمهورية المدنية الديمقراطية التي يتمتع فيها أبناؤها بالحرية واحترام حقوق الانسان وحرية التعبير و الجمهورية التي أثق كل الثقة في انها بمشيئة الله ستعود بمصر والمصريين الي المكانة التي تستحقها ويستحقونها في مقدمة دول العالم وليس ضمن قائمة الدول المتخلفة التي يطلقون عليها اسم النامية من قبيل التدليل . لقد كانت هناك مخاوف لدي الكثيرين من التأثير السلبي علي الاقتصاد المصري من فعل استمرار هذه الحالة الاستثنائية ولم يقل أحد من أصحاب هذه النظرية مرة واحدة أن الشباب - الذي يجب علينا جميعا تقبيل الأرض تحت أقدامه - لم يكن مسؤولا البتة عن الظروف الاستثنائية التي تسبب فيها النظام نفسه بداية من آلته الأمنية التي شاركت في مؤامرة خسيسة بمشاركة من الآلة الاعلامية "الغبية الحمقاء " باثارة الفوضي في أنحاء مصر المحروسة ما استدعي استدعاء القوات المسلحة واعلان حظر التجول . وعلي رغم ذلك فانني ومن خلال متابعتي لكل ما نشر أو تم بثه من أخبار وتعليقات اقتصادية أستطيع أن أؤكد أن ثمار الحرية والديمقراطية المنتظرة لمصر في الجمهورية الثانية ستبدأ باسرع ما يتوقع أحد ولعل الارتفاع الواضح في البورصات العالمية بعد دقائق من اعلان تنحي الرئيس مبارك يكون كافيا لتهدئة مخاوف البعض علي رد فعل البورصة المصرية عندما تبدأ التداول الذي أتمني ان لا يتأخر عن صباح اليوم . لقد سارعت كل دول العالم وعلي رأسها الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي ونتمني أن تكون البداية العملية بتقديم الدعم من جانب مجلس التعاون لدول الخليج العربية وهناك أيضا المؤسسات الدولية وعلي صندوق النقد الدولي الذي أعلن منذ نحو أسبوع تخصيص خمسة مليارات دولار كدعم عاجل للاقتصاد المصري معربا عن استعداده لبحث اية احتياجات اقتصادية لمصر .وكان رئيس البنك الدولي روبرت زوليك واضحا وهو يقول في تصريحات صحفية قبل ايام إن طبيعة النظام السياسي السابق في تونس وفي مصر لم تكن تسمح للجماهير بالاستفادة من النمو الاقتصادي. ولعل كل هؤلاء الذين أكدوا استعدادهم الكامل لتقديم الدعم الاقتصادي لا يفعلون ذلك فقط لتحقيق مصلحة مصر بل مصلحتهم قبل ذلك . فالجميع تابع كيف تأثر العالم كله لمجرد التفكير في امكان حدوث فوضي في مصر التي هي قلب العالم سياسة واقتصادا بما تمثله من امكانات ضخمة للاستثمار اعتمادا علي موارد طبيعية متوافرة وكوادر بشرية مؤهلة في كافة المجالات وسوق واسعة وبنية تحتية جاهزة وهي كلها عناصر تضمن الجدوي الاقتصادية لأي مشروع استثماري فاذا اضفنا الي ذلك أن تصبح مصر بحق دولة ديمقراطية بكل ما تعنيه الكلمة من معني فذلك سيكون هو الضمان الأكيد للنجاح . ففي ظل الديمقراطية سيختفي القهر والظلم والفساد وتختفي المحسوبية وتصبح الكفاءة هي المعيار الأول وينتهي مفهوم الرشوة . وفي ظل الديمقراطية لا مجال لاعلام التعتيم بل الاعلام الحر المسؤول الذي يقوم بدوره في تسليط الاضواء علي كل الأشياء فتختفي الجرذان التي تعيش فقط في الظلام وتتوالد حيثما تتكاثر القمامة وتصل الي درجة العفن . والاعلام الحر المسؤول الذي يضع مصلحة الدولة المصرية فوق كل اعتبار سيكون هو الذراع القوية الطولي لمحاربة كل مظهر للفساد . نقطة واحدة أخيرة من أجل أن تتسارع خطوات البناء السليم علي قواعد الطهارة الثورية هي ضرورة الانتهاء بأسرع وقت ممكن من ظاهرة المكارثية وهي اطلاق الاتهامات بدون دليل علي الناس باعتبارهم كانوا أعداء للثورة .