لو كان عبد الناصر أو السادات هو الذي يحكم مصر صباح يوم الخامس والعشرين من يناير 2011 لاشتعلت الثورة ضده لان حركة »الشباب الاحرار« التي أشعلت الثورة الحالية جرت ضد بنية استبدادية شيدت سجونها وسلخاناتها وأجهزتها القمعية وممارساتها اليومية علي مدي ما يقرب من 60 عاما، لا فرق في ذلك بين هيئة التحرير (أول تنظيم سياسي في عهد الثورة بعد الغاء الاحزاب) او الحزب الوطني الديمقراطي (آخر حزب سياسي نشأ في ظل التعدد الهلامي للاحزاب). ويتساوي فيها ضرب المستشار عبد الرزاق السنهوري رئيس مجلس الدولة بالحذاء عام 1954 علي يد البوليس السياسي مع ضرب رئيس محكمة بالجزمة وسحله بالشارع امام نادي القضاة عام 2006 . حبل سري واحد يجمع هذا المسخ الديكتاتوري الطويل والكئيب الذي جثم علي رقاب العباد من فجر 23 يوليو 1952 حتي فجر 25 يناير 2011 . نفس جرائم تعذيب المعتقلين السياسيين سواء كان الجهاز اسمه البوليس السياسي او مباحث أمن الدولة.. هي .. هي المحاكم الاستثنائية بصرف النظر أكان اسمها محكمة الثورة لإدانة الاخوان المسلمين عام 1954 والتي طلب فيها جمال سالم من احد اعضاء الجماعة ان يقرأ سورة البقرة بالمقلوب، أو محاكم الطوارئ التي سجنت أعضاء الجماعة في العشرية الاولي من القرن الحادي والعشرين. لقد تحمل الشعب المصري الكثير، ولم تقتصر العذابات علي الاخوان المسلمين إبان العصور الثلاثة بل شملت الجميع، اليساريين أيام عبد الناصر والسادات ومبارك (لن انسي ما حييت تعذيب المفكر النبيل محمد السيد سعيد رحمه الله رحمة واسعة الذي ضرب بالسياط في الثمانينات لانه تجرأ ونشر بصحيفة الوفد دراسة من حلقتين عن" عصر ضابط الشرطة الفتوة"، وشملت الناصريين أيام السادات ومبارك، والوفديين ايضا ابان حكم الرئيسين وكانت قمة الديكتاتورية في قرارات 5سبتمبر 1981 حين وضع السادات جميع أطياف المعارضة في السجن. الفارق الوحيد بين الديكتاتوريات الثلاث هو التطور التكنولوجي المذهل في ادوات الاتصال من الموبايل وروافده (الرسائل القصيرة وغيرها) الي الانترنت وتطبيقاته (الماسينجر واليوتيوب والفيس بوك وتويتر) والتي نسي العهد الحالي خطورتها وظل في غيه يقمع ويعتقل ويعذب ويمنع دون ان يتنبه ان النار تحت الماوس والتي سرعان ما امتدت عبر الاسلاك لتحرق اصابعه. تركة استبدادية كارثية توارثتها الجمهوريات الثلاث، ونمتها وطورتها ودججتها بترسانة من القوانين الاستثنائية ، بلا مبالغة هي"ذرية بعضها من بعض" والغريب انه مع التطور الهائل في شتي مناحي الحياة علي مدي60 عاما،لم تحقق الثورة،سواء في شرعيتها الاولي (23يوليو) او شرعيتيها الاثنتين (اكتوبر الساداتية واكتوبر المباركية) لم تحقق الا هدفا واحدا من اهدافها الستة وهو"إقامة جيش وطني قوي" حتي القضاء علي الاستعمار وأعوانه استبدلته بتبعية مقيتة للولايات المتحدة وخضوع لاسرائيل . ولو حاولت المقاربة مع أهداف ثورة 25 يناير ستجد انها تسعي مع تعديلات طفيفة لتحقيق الاهداف الخمسة التي لم تر النور بعد، هذه الاهداف هي: * القضاء علي النظام واعوانه *إقامة حياة ديمقراطية سليمة * القضاء علي الاحتكار وسيطرة رأس المال علي الحكم * القضاء علي الاقطاع *تحقيق العدالة الاجتماعية. لقد سقطت شرعية يوليو صباح هزيمة 5 يونيو 1967 وانتهت شرعية اكتوبر الاولي مساء 17 نوفمبر عام 1977 بزيارة السادات للقدس، وانهارت شرعية اكتوبر الثانية ظهر الخامس والعشرين من يناير 2011 وبدأت شرعية ثورة الشباب. تحية لهذا الجيل العظيم الذي سيحقق بمشيئة الله ما عجز عنه طلاب الجامعات وعمال المصانع أعوام 1968(ضد عبد الناصر) و1972و1977(ضد السادات) و1986 و2008 (ضد مبارك) فقد كانت كلها مطالب محدودة لا تتسع للطموحات الواسعة لجماهير هذا الشعب العظيم. وأقول لهؤلاء الشباب: أتمني لو أنزل ميدان التحرير لأقبل جبين كل واحد منكم وأعتذر لكل واحد منكم، لقد كشفتم خطايا جيل حاول الكثير منه أن يمسك العصا من الوسط ورغم ان هذه العصا قد انهالت عليه قهرا وعدوانا الا ان بعضه لم يحاول ابدا ان يشق عصا الطاعة التي أحنت ظهره وكوت جباهه، ومع ذلك ظل يمشي "داخل الحيط ،لا جنبها"، وأقصي ما فعله هو المشاركة في المظاهرات التي طالبت السادات بالإسراع بحرب التحرير. بئس جيل رقص علي السلم، لا الحكام الديكتاتوريين "شافوه" ولا الشعب ايضا. وسلام علي شهداء ثورة 25 يناير في عليين الذين حققوا حديث رسولنا الثائر(صلي الله عليه وسلم) حين حفز الصحابة:" الا سيولي عليكم امراء إن أطعتموهم، أذلوكم وإن عصيتموهم، قتلوكم، قالوا وماذا نفعل يارسول الله، قال : كونوا كاصحاب عيسي، نشروا بالمناشير وحملوا علي الخشب، والله لموتة في طاعة الله خير من حياة في معصيته".