هناك قدر كبير من انعدام الثقة بين الشباب الذين خرجوا يوم 52 يناير في مظاهرات الاحتجاج والمطالبة بالاصلاح، وذلك ناتج عن استبعادهم من عملية صنع القرار أو المشاركة السياسية والتهميش المتعمد لهم عن العمل العام الذي تفاقم بفعل ارتفاع معدلات البطالة وانخفاض نسب التشغيل، بالاضافة إلي ما فعله الرأسماليون والطفيليون الذين لعبوا في المال العام لعبا معيبا أدي إلي ارتفاع نسب التضخم في المجتمع، وبالتالي حتي من يستطيع من هؤلاء الحصول علي فرصة عمل فإن دخله لا يستطيع توفير الأساسيات التي يستطيع أن يقتات منها. وبالتوازي مع هذا الواقع المر كان رئيس الوزراء السابق يخرج ببيانات وشهادات تؤكد ارتفاع متوسط التنمية وتحسن الأوضاع الاقتصادية بل انه وصل من اللعب بعقول الناس إلي حد ان رئيس الوزراء وأمين التنظيم السابقين اعتبرا ان زحمة المرور وأزمته في القاهرة الناتجة عن زيادة السيارات الخاصة هي دليل علي ارتفاع مستوي المعيشة، وان تراكم »الزبالة« ناتج عن ارتفاع معدلات الاستهلاك! والحقيقة انه كانت هناك شرائح اجتماعية تحتل الشوارع بسياراتها بينما كان ملايين الشباب عاجزا عن أن يشق طريقه إلي المستقبل، ذلك ما يجعلنا نعترف بأن كل أسباب عدم الثقة التي حدثت هي نتيجة لاستغلال وسوء توزيع للثروة وبيانات كاذبة وخداع طال أمده من قبل المسئولين التنفيذيين لم يكونوا مع الأسف علي مستوي المسئولية، وعلينا أن نعترف ابتداء انه لا يمكن الخروج من الأزمة السياسية الراهنة إلا بحلول سياسية الأزمة ليست في ميدان التحرير، وإنما هي باتساع الوطن، والمشكلة ليست في اجلاء المتجمهرين من ميدان التحرير، لكن المشكلة في هذا التصعيد السياسي الذي خلقه لنا منتفعون من النظام علي جميع المستويات مارسوا كل أشكال التلاعب بالعقول والتلاعب بالأموال حتي اتسعت الفجوة بين الشعب والمسئولين. ولا يمكن عبور هذه الأزمة إلا بإعادة بناء الثقة بين الشعب وبين القيادة السياسية، لذلك لابد من قرارات عاجلة وسريعة وملموسة لأن الدعوة إلي التفاوض المطروحة بقوة علي الساحة السياسية رغم أهميتها إلا انها تبقي معلقة علي حسن النوايا وشبابنا المأزوم لم يعد يمتلك رصيدا معنويا يجعله يصدق مزيدا من الوعود للاصلاح، لذلك فإن قرار قبول استقالة بعض الرموز في السلطة لا يعني مجرد التغيير ولكنه يسعي إلي بناء الثقة مرة أخري لأن الشعب لا يستطيع أن يصدق هذه الوجوه التي طالما راوغت وطالما وعدت وطالما جنت المكاسب الشخصية! نقطة أخري أود التنبيه إليها وهي ان التغييرات القوية التي حدثت في الوزارة وفي هيئة مكتب الحزب الوطني الديمقراطي لم تكن مجرد استبدال لأشخاص وإنما بمراجعة سريعة للأسماء التي استبدلت سوف تؤكد لنا أن عددا من أعضاء المجموعة التي تم قبول استقالتها هي تلك المجموعة التي كان يطلق عليها الرأسماليون الجدد أو الليبراليون الجدد والذين كانوا يروجون بقوة لاقتصاد السوق، لكن هذه المتاهات النظرية لا تستطيع ان تقنع شبابا غاضبا يريد أن يمسك بمستقبل بلاده فالليبراليون الجدد قد قادوا الولاياتالمتحدةالأمريكية ومن ورائها العالم إلي خراب اقتصادي، أما في مصر فإن سياساتهم قد قادتنا إلي المأزق السياسي الذي تعقدت خيوطه في أمريكا ثم الاطاحة ببوش وكونداليزا رايس وكل ممثلي الليبرالية الجديدة.. وفي مصر فإن الأحداث الغاضبة قد فرضت هذا التغيير، لكن هذا التغيير يبقي شكليا ما لم تستتبعه تغييرات فورية تطيح بهيئة تشريعية عظم التشكيك في مصداقيتها وفي الأساليب التي استطاعت ان تفوز بها في الانتخابات. ذلك اجراء كفيل بأن يطفئ بعض الغضب لأنه يعيد إلي الشعب كلمته وحقه في اختيار ممثليه ويطيح في نفس الوقت بالرأس المدبر الذي لعب بهذا الشكل المروع في ادارة الانتخابات التشريعية الماضية.. ذلك مخرج أول. أما المخرج الثاني فهو ضرورة استعادة هيبة الدولة فلا يمكن لدولة أن تكون دولة ناجحة بأن تطلق تصريحاتها الموجهة إلي الشعب متباهية بما حققته من نسب في التنمية وزيادة في الدخل القومي نعلم جميعا انها كانت ناتجة عن بيع أصول الدولة في صفقات بعضها مريب! لذلك فإن مراجعة كل هذه الصفقات بمعرفة المستشار عبدالمجيد محمود النائب العام المحترم بشكل عاجل وفوري كفيل بأن يطفئ قدرا آخر من الغضب الشعبي. تلك اجراءات عملية وضرورية وعاجلة نتذكر جميعا انه في الشهر الماضي حينما أعلنت حكومة نظيف انها لن ترفع الأسعار فإنها لم تستطع ان تحقق هذا الهدف، لأن الأسعار لم تعد في يد الحكومة بعد أن آلت الملكية إلي أيدي تجار هدفهم الربح والنهب، وبالتالي فإن هذا العجز لا يمكن علاجه إلا بأن تتخلص الحكومة من السياسة الرخوة من الوزراء المدللين لكي تطبق سياسة صارمة. نحن اذن نريد ونطالب بمجلس تشريعي يتم اختياره بأقصي الضمانات الديمقراطية ونحن نطالب أيضا بمراجعة قانونية لكل الظروف والأوضاع التي انتقلت فيها الملكية العامة إلي أفراد ليست لهم جذور رأسمالية معلومة. ذلك وحده هو الكفيل بإعادة الثقة وهو الكفيل بأن يكون بداية قوية لنفتح حوارا سياسيا مبدعا حول مستقبل الوطن.