بين آونة وأخري يتجدد الحديث عن تأنيث الفقر باعتباره ظاهرة في الواقع المصري تعبر عن ارتفاع معدل الفقر بين النساء بالمقارنة بمعدل الفقر بين الرجال وانخفاض مستوي معيشة النساء بدرجة تفوق انخفاض مستوي معيشة الرجال مستدلين علي ذلك بمؤشرات ارتفاع نسبة الأسر الفقيرة التي تعولها النساء إلي ضعف نسبة الأسر التي يعولها الرجال، وارتفاع نسبة عمال الأطفال في الأسر التي تعولها نساء وارتفاع نسبة النساء العاملات في الزراعة بدون أجر في الريف المصري وانخفاض معدل الأمية بين النساء خاصة في الريف، حيث تصل هذه النسبة بين النساء في ريف الوجه القبلي إلي 86% في بعض المحافظات، ويضاف إلي ما سبق انخفاض نسبة النساء الحائزات لأرض زراعية إلي نحو 3% فقط. وتوضح بعض الدراسات أن سياسة التكيف الهيكلي كان لها تأثير سلبي علي أوضاع المرأة المصرية من حيث ارتفاع نسبة البطالة بين النساء إلي حوالي 16% مقابل 5% فقط للذكور، كما انخفض نصيب النساء في التشغيل في القطاع الحكومي بين عامي 1988 و1998 إلي 28.6% مقابل 55.6% للرجال، وذلك بالإضافة إلي أن النساء فقدن وظائف في القطاع العام بنسبة 4.5% خلال تلك الفترة مقابل 2.6% فقط في حالة الرجال نتيجة سياسة الخصخصة وما ارتبط بها من تطبيق للمعاش المبكر وذلك بالنسبة لشركات القطاع العام التي أصبحت تسمي شركات تابعة لقطاع الأعمال العام. أما في القطاع الخاص فقد انخفضت فرص العمل للنساء من 47% عام 1988 إلي 35% عام 1998 بينما ارتفعت هذه الفرص لدي الرجال من 52% إلي 56% خلال تلك الفترة ويعني ذلك أن فرص العمل المتاحة للنساء في القطاع الخاص لم تعوض نقص الفرص في قطاع الأعمال العام أو في القطاع الحكومي وأن الفرص المتاحة لا تزال متحيزة إلي صالح الرجال دون أسباب موضوعية. وفي القطاع الحكومي حدثت زيادة في حالات الأحالة إلي المعاش المبكر بالنسبة للنساء بناء علي رغبتهن مقارنة بالرجال خاصة النساء اللاتي في العقد الخامس من العمر مما ساهم في انخفاض نسبة النساء اللاتي يشغلن مناصب إدارية عليا إلي 13% فقط مع زيادة الفجوة بين الرجال والنساء في المناصب القيادية بدلا من انخفاضها بل امتدت هذه الفجوة إلي المناصب الإدارية الوسطي أيضا ومن ثم حدث تراجع في الدور التنموي للمرأة المصرية. وفيما يتعلق بالقروض الممولة للمشروعات الصغيرة نجد أن المرأة تمثل 12% فقط من إجمالي المستفيدين من القروض الائتمانية قصيرة الأجل، 16% من قروض الاستثمار الزراعي وذلك نتيجة عدم قدرة المرأة الفقيرة علي تقديم ضمانات لمؤسسات التمويل الرسمية فضلا عن أمية المرأة وعدم قدرتها علي إعداد الدراسات المطلوبة للحصول علي القرض، وعدم الانتشار الجغرافي لفروع البنوك خاصة في الريف المصري و نسبة النساء اللاتي حصلن علي قروض من الصندوق الاجتماعي للتنمية لا تزيد علي 23% مقابل 73% للرجال وذلك طبقا لإحصائيات عام 1999. صنع القرار وفيما يتعلق بتأثير المرأة في صنع القرار ودرجة مشاركتها في الحياة العامة سياسيا وثقافيا واجتماعيا توضح المؤشرات المعلنة محدودية تلك المشاركة حيث لا تتعدي نسبة تمثيل النساء في مجلس الشعب 2%، وفي مجلس الشوري 6%، وفي المجالس المحلية 3.2% علي مستوي المحافظة، 1% علي مستوي المراكز، 1.7%، علي مستوي المدينة، 0.7% علي مستوي القرية وتنخفض نسبة مشاركة المرأة في الأحزاب المختلفة حيث تتراوح بين 2% في حزب العمل، 7% في الحزب الوطني الديمقراطي، أما مشاركة المرأة في التصويت في الانتخابات البرلمانية فلا تتجاوز 1.4% فقط، وتمثل مشاركة المرأة في مجالس إدارات الجمعيات الأهلية 19%. وفيما يختص بدور المرأة في اختيار شريك حياتها نجد أن 25.6% من عينة من الأسر المصرية يرون أن المرأة لا يجب أن يكون لها دور في هذا القرار، 1.6% يوافقون بشرط موافقة الوالدين، وهو ما يعكس أثر الموروثات الاجتماعية المرتبطة ببيئة الفقر وانعكاساتها علي نساء الفقر باعتبار هذه الصفة هي الأفضل من صفات أخري مثل فقر النساء أو تأنيث الفقر والتي تحوي من المعاني ما يخالف حقيقة الواقع وارتباط الأسباب بالنتائج، فالفقر ليس صفة أنثوية ولكن يتساوي تحت ظلاله النساء والرجال حالة حدوثه وهو ما لا ينطبق علي ثراء العديد من النساء سيدات الأعمال وأبناء الطبقة الوسطي في مصر، أما تعبير نساء الفقر فإنه يعكس توصيفا لحالة النساء اللاتي يعشن في أو ينحدرون من أسرة فقيرة فصرن فقيرات يجب العمل علي إخراجهن من تلك الحالة المزرية المرتبطة بنقص الغذاء والكساء والدواء والمسكن الملائم للحياة الآدمية أما في حالة تجاهل هذه الظروف وعدم الاهتمام بالبرامج الإصلاحية فإن هؤلاء النساء يصبحن قنابل موقوتة قابلة للانفجار في أي وقت في وجه أعداء الحياة الإنسانية الكريمة مثلما يحدث للنساء في فلسطين الشقيقة المحتلة حيث تعاني النساء من ظلم وقهر وجبروت المحتل الصهيوني الذي جعل من المخيمات التي تأوي اللاجئين معسكرات اعتقال خالية من الطعام والشراب والدواء والكساء، ومليئة بالدماء والأشلاء فتحولت النساء اليائسات من إنصاف المجتمع الدولي لهن أو تخليصهن من ظلم وجبروت وبطش السفاح شارون إلي قنابل متفجرة ضد أعداء الإنسانية وأحفاد النازية. تجارة الرقيق الأبيض وعلي الصعيد العربي كذلك لابد من القضاء علي تلك الظاهرة التي غالبا ما تشير إليها التقارير الدولية بصفة سنوية متكررة ألا وهي ظاهرة تجارة النساء أو الرقيق الأبيض والمنتشرة في بعض دول الخليج العربي والتي يقدر حجم الدخل المتولد منها بنحو 9.5 مليار دولار واللاتي يفدن من دول جنوب شرق آسيا وبعض الدول العربية وأخيرا من دول الكومنولث "جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق والتي تحررت وأصبحت جمهوريات مستقلة"، والتي اتجهت إلي تطبيق الاقتصاد الحر وما يرتبط بعملية التحول من الاشتراكية إلي الرأسمالية عادة من فقر وبطالة ومعاناة شديدة في ظل ارتفاع معدلات التضخم في الأسعار وفقدان مزايا الرعاية الصحية والاجتماعية وزيادة معدلات البطالة في تلك الدول خلال فترة التحول، والتخلص التدريجي من الدعم السلعي وإعانات الضمان الاجتماعي وتقلص برامج الرفاهية الاجتماعية، ولا يخفي ما يترتب علي ذلك من زيادة معدلات الفقر والأمية والبطالة بين النساء بصفة خاصة وبين جميع المواطنين محدودي الدخل أو أصحاب الدخل الثابت بصفة عامة، ومن هنا تجيئ أهمية تخلص الدول العربية من استيراد النساء للعمل الخدمي والمنزلي والمتاجرة في أجسامهن استغلالا لهن ولظروفهن السيئة، ويتطلب ذلك وضع قوانين عامة وتشريعات تفصيلية تمكن السلطة المختصة من تتبع هذه الظاهرة والتدخل الميداني للقضاء عليها وإعادة الوجه الحضاري للعرب بين شعوب العالم المتحضرة. ولا يخفي أولوية القضاء علي أمية النساء والتي ظهرت مرتفعة معدلها بناء علي تقرير التنمية البشرية لمصر والذي يصدره معهد التخطيط القومي بالتعاون مع منظمة الأونكتاد عن التنمية البشرية في مصر والذي يوضح تدني معدل قيد الإناث في التعليم الأساسي وتدني نسبة مساهمة المرأة في قوة العمل والتي تبلغ 27.8% معظمها في محافظات جمهورية مصر العربية "الوجه البحري ومحافظات الحضر"، بينما تنخفض النسبة إلي 17.3% في محافظات الوجه القبلي، 24.9% في محافظات الوجه البحري ثم محافظات الحضر والتي تبلغ النسبة فيها 22% فقط، ولا يخفي ضآلة هذه المعدلات الأمر الذي يحتاج إلي دعم المرأة في الريف وفي محافظات الوجه القبلي ثم أخيرا في محافظات الحضر ويرتبط بذلك ارتفاع معدلات إعالة النساء والأسرة التي تعولها النساء والتي تتجاوز 85% في محافظات الوجه القبلي، 64.4% في محافظات الوجه البحري، 53.6% في محافظات الحضر، حوالي 70% علي مستوي الجمهورية ويتطلب ذلك ضرورة الارتقاء بالتنمية البشرية للمواطنين جميعا بصفة عامة وبتنمية المرأة بصفة خاصة لزيادة درجة مشاركتها في النشاط الاقتصادي، وضمان حصولها علي الضمان الاجتماعي والصحي المقرر للفقراء دون معوقات إدارية أو غيرها فضلا عن زيادة مشاركتها الاجتماعية في العمل الأهلي ورفع درجة مشاركتها السياسية في الأحزاب، وفي انتخابات المحليات وانتخابات مجلسي الشعب والشوري في ضوء التعديل الدستوري الذي جري في مصر والذي أجاز تخصيص نسبة أو حصة للمرأة من إجمالي المقاعد البرلمانية، ومن ثم إزالة العقبات الدستورية التي كانت تمنع مثل هذا التخصيص قبل تعديل الدستور وكان ذلك علي أساس أن التخصيص يخل بمبدأ المساواة لجميع المواطنين أمام القانون، ولا يخفي أن متطلبات ما بعد تعديل الدستور بصفة خاصة في البرلمان وذلك لكي تكون عنصرا فعالا وليس مجرد التمثيل الشكلي وحتي تتمكن من مساعدة النساء الفقيرات علي الخروج من قيود وإغلال الفقر وبذلك تكون في هذه الحالة داعمة لتحسين أحوال نساء الفقر والتخلص من فقر النساء أو ما يعرف بتأنيث الفقر، إذ إن التنمية البشرية لنساء الفقر يمكن أن تصبح مدخلا مهما وفعالا لعلاج فقر النساء في إطار منظومة قومية شاملة للقضاء علي فقر الشعب دون أن يؤدي ذلك إلي فقر الدولة والتحول من الفقر المطلق "في حالة نساء الفقر" إلي حالة الفقر النسبي "في حالة فقر النساء" حيث يكون الفقر عند النساء منسوبا إلي الفقر العام في المجتمع وبالنسبة إلي فقر الرجال في نفس الوقت، ولا يخفي أهمية وجود برامج عملية خاصة في الريف المصري وفي المناطق العشوائية بالمدن لزيادة درجة وعي النساء بمخاطر الزيادة السكانية، وتقليل نسبة التسرب من التعليم في المرحلة الأساسية خاصة بالنسبة للفتيات الفقيرات من أجل العمل في المنازل بأجر أو العمل في الحقل الزراعي أو تصنيع المنتجات الغذائية الناتجة من القطاع الزراعي أو بيع الخضر والفاكهة علي الأرصفة والأزقة أو التسول أو غيرها من أعمال وسلوكيات نساء الفقر