الاطاحة بقيادة الحزب الحاكم تطرح عدة قضايا بالغة الأهمية تتعلق بالنظام السياسي في مصر. وكنت - قبل هذا التطور الأخير - قد توقفت عند تصريح لافت للنظر أدلي به رئيس الوزراء أحمد شفيق، قال فيه إن حكومته هي حكومة الدولة وليست حكومة الحزب. ولم يستبعد رئيس الوزراء تغيير شكل الحزب الوطني أو أن ينال الحزب شئ من التعديل في التنظيم والاشخاص، كما جاء في حديثه التليفزيوني مع خيري رمضان. والحقيقة ان رئيس الوزراء لمس - برفق - مشكلة كبري كان لها دور في تحريك الغضب الشعبي ، وهي مشكلة تأسيس حزب سياسي من موقع السلطة. ذلك أن النتائج التي تترتب علي هذه الطريقة في تشكيل الحزب.. قد تكون كارثية، وربما تؤدي إلي إفساد النظام السياسي.. تماما، كما حدث في الفترة بين عامي 3291 و 2591 في ظل دستور (32) عندما تم استغلال مادة في ذلك الدستور تمنح للملك الحق في حل البرلمان.. فكانت النتيجة هي حرمان حزب الاغلبية الشعبية من الحكم طوال تلك الفترة، باستثناء أقل من سبع سنوات. ماهي عيوب طريقة تشكيل حزب من موقع السلطة؟ أخطر تلك العيوب ان اصحاب المصالح سوف يسارعون الي الالتحاق بهذا الحزب، لانه حزب السلطة، حتي يضمنوا حماية مصالحهم وتنمية هذه المصالح والحصول علي المنافع والمغانم.. حيث إنه من المعروف في بلد مثل مصر ان الاقتراب من مواقع السلطة ومراكز صنع القرار يمكن ان يؤدي إلي فتح الطريق لتحقيق امتيازات واقتناص فرص تكفل مضاعفة الثروات بطرق يمكن أن تكون غير مشروعة.. أو علي حساب المال العام. ولكي يعزز اصحاب المصالح مكانتهم ويرفعوا اسهمهم داخل الحزب الحاكم، فإنهم يحرصون علي تمويل انشطة الحزب وتقديم التبرعات التي ترفع من شأنهم وتوسع دائرة نفوذهم. وكلنا نعرف كيف استطاع اصحاب المصالح الحصول علي أراضي الدولة بأسعار رمزية لكي يشيدوا القصور والمنتجعات السياحية والمدن السكنية للأثرياء، وينتقلوا - بفضل المزايا التي حصلوا عليها - الي فئة اصحاب المليارات. ولسنا في حاجة إلي التذكير بصفقات فاز بها المحظوظون من المقربين إلي الحزب الحاكم. وبطبيعة الحال.. فإنه الي جانب زحف طلاب المنافع والمغانم ومن يريدون ان يبحثوا عن غطاء لمفاسدهم بالانضمام إلي حزب السلطة.. فإن هناك جوانب سلبية كبري في مثل هذا الحزب. ولاشك ان الجميع يتذكرون ما حدث عندما قرر الرئيس انور السادات ان يترك حزب مصر العربي الاشتراكي ويؤسس الحزب الوطني الديمقراطي.. فقد هرول الجميع - آعضاء الحزب - للانضمام الي الحزب الجديد، لأنه »حزب الرئيس«. وعندما كتب الكاتب الصحفي الراحل مصطفي أمين منتقداً هذه »الهرولة« قبل ان يعرف المهرولون.. حتي برنامج الحزب الجديد.. عوقب الكاتب علي رأيه بمنعه من الكتابة لفترة غير قصيرة. ولابد - في حالة وجود مثل هذا »الحزب« أن يتزاحم المنافقون للانضمام إليه علي أمل ان تنفتح أمامهم أبواب التسلق الي المناصب والمراكز العليا. وليس معني ذلك أن جميع اعضاء الحزب الحاكم من أصحاب المصالح والمنافقين، فلا شك ان بينهم وطنيين شرفاء، ولكن المشكلة ان هؤلاء الشرفاء ضاعت اصواتهم وسط ضجيج الطبل والزمر ومواكب التصفيق والمديح. وفي هذه الحالة لا يستطيع الحاكم ان يستمع الي نصيحة مخلصة او الي صوت العقل او مطالب الشعب، لأن اصحاب المصالح سيشكلون حاجزاً قوياً وسداً منيعاً يحول دون تحقيق أي خطوة أو صدور أي قرار قد يؤدي سلباً علي مصالحهم، أو يهدد مكاسبهم. وقد يكون هذا الحزب الذي احتكر السلطة والعمل السياسي وراء التراجع حتي عن وعود سبق تقديمها، ولم توضع موضع التطبيق خلال السنوات الأخيرة. مثلا.. سمعنا ان من لا يملك قوته لا يملك قراره قبل سنوات طويلة علي لسان الرئيس حسني مبارك. وبعد مرور أكثر من ربع قرن لم ينفذ الحزب الحاكم هدف الاكتفاء الذاتي من الطعام. وسمعنا وعداً رئاسياً بإلغاء حالة الطواريء. ولم يتم تنفيذ ذلك وسمعنا وعداً رئاسياً بشأن قانون جديد للانتخابات » لتقوية الاحزاب السياسية«.. وفهمنا جميعاً ان المقصود هو ان تكون الانتخابات بنظام القائمة النسبية. ولكن الحزب الحاكم رفض هذه الفكرة وأصر علي ان تستمر الانتخابات بالنظام الفردي حتي يمكن مواصلة دعم اعضائه من »نواب الخدمات« الذين يستعينون بصلاتهم بالحكم لكي يروجوا في دوائرهم فكرة انهم وحدهم القادرون علي تحقيق مصالح ابناء تلك الدوائر. وسمعنا وعدا رئاسياً بان الانتخابات البرلمانية ستجري في حرية ونزاهة، ولكن الحزب الحاكم وضع خطة لاقصاء المعارضة والسيطرة علي 79 في المائة من مقاعد مجلس الشعب، كما سبق أن فعل في مجلس الشوري والمجالس المحلية. وضرب الحزب الحاكم بعرض الحائط كل الوعود المتعلقة بحماية محدودي الدخل وعدم اللجوء الي رفع اسعار السلع الضرورية وواصل تطبيق سياسة العرض والطلب ورفض ضبط الأسواق وجاء وقت اعترف فيه قادة في هذا الحزب بجوانب الخطأ والقصور في سياسة الخصخصة التي استفادت منها طبقة الأغنياء الجدد. وفي ظل سياسات الحزب الحاكم تدهورت الزراعة، ولم تجد الصناعة الوطنية الحماية الضرورية وانتفخت جيوب المحتكرين. وكان الحزب الحاكم يستعد لتقديم قانون جديد للتأمين الصحي التجاري بدلاً من التأمين الصحي الاجتماعي، وبذلك تسقط مظلة الرعاية الصحية لأبناء الشعب. بل إن الحزب الحاكم فشل في حماية النسيج الوطني الواحد، وبلغ الاحتقان الطائفي ذروته دون ان تتحرك قيادة هذا الحزب - ولو خطوة واحدة - علي طريق تفعيل مبدأ المواطنة واصدار القانون التي تكفل تجريم أي تفرقة بين المواطنين علي أساس الدين او المعتقد أو الجنس او المركز الاجتماعي. وها هو رئيس الوزراء أحمد شفيق يتحدث عن انهيار في الأمن الداخلي في الايام الاخيرة في ظل هذا الحزب الحاكم، بل إن نائب الرئيس عمر سليمان اشار الي وجود »مؤامرة«. ولم يستبعد رئيس الوزراء ان يكون الذين هاجموا المتظاهرين في ميدان التحرير.. من الطابورالخامس وطرح تساؤلات خطيرة حول انسحاب قوات الأمن من كل مكان في ذلك اليوم الذي وقعت فيه مظاهرات كبيرة. وعندما يقول رئيس الوزراء إنه تم التخلص من رجال الاعمال في الحكومة، فإن ذلك يعني ان هناك ارتباطا بين وجود رجال الأعمال وبين اخطاء وخطايا كثيرة وقعت علي أيديهم. لا حاجة الي القول بأن نظام الحزب الواحد استمر في مصر منذ تأسيس هيئة التحرير - مروراً بالاتحاد القومي والاتحاد الاشتراكي وحزب مصر العربي الاشتراكي - حتي تأسيس الحزب الوطني. وجود رئيس الجمهورية علي رأس الحزب الحاكم يجعل من التعددية السياسية والحزبية.. تعددية شكلية في قالب الحزب الواحد. ولا حاجة إلي القول ايضاً بأن تخلي رئيس الجمهورية عن رئاسة الحزب الحاكم هو السبيل الوحيد الذي يضمن تكافؤ الفرص بين الاحزاب السياسية وإنهاء الاحتكار السياسي ويكفل تحقيق التعددية السياسية والحزبية الحقيقية. الفصل بين المنصبين - منصب رئاسة الجمهورية.. ورئاسة الحزب الحاكم- يعيد الحيوية الي الساحة السياسية ويجعل رئيس الجمهورية.. رئيسا لكل المصريين وينهي سياسة استغلال قيادات داخل الحزب الحاكم لاسم الرئيس في مواقف وقرارات تثير الغضب الشعبي.. وعندها يتنصل الحزب الحاكم من المسئولية ويلقيها علي عاتق صانع القرار.