هذه المرة لم يكن الاجتماع السنوي للرئيس حسني مبارك مع أعضاء المجلس الأعلي للشرطة مجرد تقليد متبع كل عام في مناسبة الاحتفال بعيد حماة الأمن. طال اللقاء، وامتد قرابة 09 دقيقة، واستشعر الحاضرون في قاعة الاحتفالات التي سيشرفها الرئيس لإلقاء خطابه ان هناك شيئا ما بالغ الأهمية يدور خلف أبواب غرفة الاجتماع المغلقة.. وراودت البعض أمنيات بأن يكون الأمر يتعلق بكشف جريمة كنيسة القديسين بالإسكندرية، التي روعت المصريين من أقصي البلاد إلي أقصاها لاسيما مع تواتر أنباء خلال الأيام والساعات الأخيرة عن توصل أجهزة الأمن المصرية إلي خيوط مهمة، تميط اللثام عن مرتكبي تلك الجريمة الإرهابية الغادرة ومخططيها والمتورطين فيها. لم تدم التساؤلات كثيرا. ففي مستهل كلمته في بداية الاحتفال.. كشف اللواء حبيب العادلي وزير الداخلية عن تورط جيش الإسلام الفلسطيني المرتبط بتنظيم القاعدة الإرهابي في تخطيط وتنفيذ تلك الجريمة الدنيئة، وأن أعضاء التنظيم تخفوا وراء عناصر تم تجنيدها لارتكاب جريمتهم الغادرة. وحان وقت إلقاء الرئيس مبارك خطابه المهم.. خرج الرئيس عن نص كلمته، واستهلها مهنئا رجال الشرطة بتوصلهم لمرتكبي هذا العمل الإرهابي، ولخص الرئيس مبارك مشاعر الحاضرين وأحاسيس ملايين المصريين الذين يتابعون خطابه بعبارة عفوية مركزة قائلا: »إن ما استمعنا إليه يشفي صدور جميع المصريين، ويضع وساماً جديداً علي صدور رجال الشرطة ونحن نحتفل بعيدهم«.
02 دقيقة فقط استغرقها خطاب الرئيس مبارك، لكنه حمل رسائل مهمة محددة إلي الداخل والخارج، بعضها يرسم استراتيجية مصرية جديدة في مكافحة الإرهاب وفي تعقب الإرهابيين. رسالة الرئيس مبارك إلي بني وطنه تتلخص في النقاط التالية: أولا : ان مصر مستهدفة كدولة وكشعب بمسلميه ومسيحييه، وان اللحظة الراهنة تفرض علينا جميعا وقفة حذر ووعي واستعداد، لأن أحداً لا يستطيع أن يكون محصنا ضد ضربات الإرهاب الإجرامية مائة في المائة. ثانيا: لا تسامح مع من يحاول المساس بوحدة الشعب والوقيعة بين المسيحيين والمسلمين ولا تهاون مع أي تصرفات ذات ابعاد طائفية من الجانبين، وسيتم التصدي لدعاة الفتنة والمروجين لها والمحرضين عليها بقوة القانون وحسمه. ثالثا: دعوة القلة إلي الاستقواء بالأجنبي، يرفضها الشعب وتأباها كرامة المصريين مسيحيين ومسلمين. بنفس الوضوح والصراحة جاءت رسالة الرئيس مبارك إلي الخارج، خاصة إلي دول دول »صديقة« تطالب بحماية أقباط مصر.. وكان فحوي الرسالة قاطعاً وحاسماً في التأكيد علي المعاني الآتية: زمن الحماية الأجنبية والوصاية ذهب إلي غير رجعة، ومصر لا تقبل أي ضغوط أو تدخل في شئونها من أي أحد، وأنها أولي بأقباطها من أي أحد، وان حماية كل المصريين هي مسئوليتنا وواجبنا. حرصنا علي حماية بلدنا ومواطنينا لن يكون أبدا أقل من حرصكم علي أمن بلادكم ومواطنيكم، ولن نتردد في اتخاذ ما نراه محققا لأمن مصر وشعبها سوف نتعقب مرتكبي الإرهاب ونلاحقهم في الداخل والخارج.
كلنا خلف قائد مصر في معركة الوطن ضد الارهاب، ونثق - كما وعدنا - في اننا سوف نهزم الإرهابيين وننتصر في معركتنا مع الإرهاب مثلما هزمناه أول مرة. تحية لرجال الشرطة البواسل مرتين. مرة بمناسبة عيدهم الذي يجسد ذكري وقفتهم البطولية في الاسماعيلية منذ 95 عاما مضت دفاعا عن كرامة الوطن، ومرة بمناسبة انجازهم المشهود بكشف مرتكبي الجريمة الإرهابية الغادرة، بعد جهود مضنية متواصلة دامت 32 يوما، دفاعاً عن أمن المواطنين. وهل هناك أغلي من الكرامة والأمن؟!