هل تكفي المساحة لنعدد أوجه الفساد التي تحاصرنا في كل مكان، وكلها جرائم مؤثمة والقانون غير مفعل. آفة حارتنا النسيان، كل يوم تمر علينا مصيبة يشيب لها الولدان، تهتز لها الضمائر الحية، تولول بشأنها أجهزة الإعلام، تنصب من أجلها سرادقات الشرشحة في الفضائيات الليلية، وفي الصباح تحل علينا نعمة النسيان، لنبدأ في شرشحة أخري، في ليلة تالية، علي مصيبة أخري، وتمضي بنا الحياة هكذا بين دائرة جهنمية من الفساد الممنهج المستمر، ودائرة من النسيان المريح الذي أنعم به الله علينا ! السوس الذي ينخر في عظام الدولة، ليتآكل كل شيء فيها وتنهار بنيتها ولا يبقي منها إلا كل ما هو فاسد ورديء، والمصيبة أن الدولة والناس تحصر الفساد في قضايا سرقة أو إهدار المال العام، هذا أضعف أنواع الفساد الظاهر للعيان المؤثم بالقانون، اتهامات وتحقيقات وإيحالات للنيابات المختصة وغير المختصة، وصد ورد وتسويف وتأجيل وإعادة إعلان، والوقت يمر لصالح من ستفوا الأوراق، استنزاف ينتهي بحلول نعمة النسيان وعقاب لا يردع بفعل فساد تستيف الأوراق، وتستيف الذمم الخربة ! هناك أوجه أخري للفساد أشد وأخطر من سرقة وإهدار المال العام، الاختيار السييء للنماذج السيئة في أماكن الإدارة العليا والوسطي والسفلي فساد، قد يكون المسئول عفيف النفس طاهر اليد لكنه جاهل بمتطلبات المكان الذي تم اختياره لتحمل مسئولياته، وهذا أخطر أنواع الفساد لأن الجهل بالإدارة الصحيحة القائمة علي الابتكار والتفكير في حلول من خارج الصندوق التقليدي تهدر الوقت والجهد بما يعادل أضعاف سرقة وإهدار المال العام، الارتكان علي أهل الثقة وإقصاء أهل الكفاءة والخبرة والعلم، فساد، الطرمخة علي المخطئين لأنهم من أصحاب الحظوة والثقة، فساد، كذب الأب والأم علي أولادهم، فساد، الفتاوي المضلة والمضللة، فساد، الدروس الخصوصية فساد، الغش في البناء والتصريح به من حيتان المحليات فساد، عودة الباعة الجائلين لمنطقة الإسعاف ووسط البلد بعد تطهيرها منهم تحت سمع وبصر عربات الشرطة التي تقف بجوار دار القضاء العالي فساد، ما تبثه أجهزة الإعلام في الفضائيات الليلة من تضخيم لظواهر لا تستحق التهويل فساد، غياب العدالة الاجتماعية فساد، تربية الأبناء علي الأنانية وتفضيل الذات فساد، عدم احترام الصغير للكبير فساد، كافة صور الانهيار الاخلاقي فساد، تشويه الجدران بالملصقات فساد، التسول في الشوارع والمواصلات العامة فساد، إغلاق منازل محطات المترو بالباعة الجائلين فساد، تخليص المصالح في الأجهزة الحكومية والخدمية بالرشوة فساد، مشاهد العفن والقذارة والإهمال بالمستشفيات فساد، الغش في الأدوية والأطعمة والمنتجات فساد، تسريب الامتحانات والغش بالبلطجة فساد، هل تكفي المساحة لنعدد أوجه الفساد التي تحاصرنا في كل مكان، وكلها جرائم مؤثمة والقانون غير مفعل. المشكلة ليست في القانون، المشكلة في التساهل والتراخي والانتقاء في التطبيق، وصدق شاعرنا الراحل الكبير صلاح عبد الصبور عندما قال : « في بلدٍ لا يحكم فيه القانون لا يوجد مستقبل.. في بلدٍ يدخل فيه الناس إلي السجن بمحض الصدفة لا يوجد مستقبل.. في بلدٍ يتمدد في جثته الفقر كما يتمدد ثعبانٌ في الرمل لا يوجد مستقبل.. «، نريد لمصرنا الطيبة أفضل مستقبل، وهذا المستقبل لن يتحقق إلا إذا تكتلنا جميعا لفضح أهل الفساد، والقضاء علي كل أوجه الفساد !