من سيكتب موال النهار ياخال، من يجلس القرفصاء متاهبا متوثبا لاستقبال النهار، وكأنه ينتظر وحياً، لا يقطع خلوته أحد وفاجأني الخال بثمرات من المانجو حلوة المذاق، زففت الخبر للأصدقاء، كنت مزهواً بهدية الخال، قال قائل منهم أريب « مانجو ابنودي إذاً أنت حللت سهلاً في قلب الخال».. كريم يا خال، انتظر المانجو ياخال، اقترب موسم الحصاد.. ورحل الخال. ورؤيا شجرة المانجو في الحلم دالة علي الخير ورزق وفرج من هموم،لم تر عيني الخال عبد الرحمن الأبنودي، قبل الرحيل، سبحانه، كنت متيقنا من عودته إلي فرشته تحت شجرة المانجو العتيقة تلقي بأطيب الثمار. اذا جاء أجلهم، لم تر عيني الخال أبدا، قانطاً من رحمة الله، كان فريدا، يقابل الألم ليلا بابتسامة وكأنه علي موعد مع صديق غادره نهاراً وسيزوره حتما ليلاً، كل هنيهة يتحسس بخاخة ( دواء) تبخ رذاذاً في الفم توسع الشعب الهوائية التي ضاقت في رئته المتعبة، يطمئن أنها في متناول يده. وينادي متعباً علي زوجته المحبة بأعلي صوته «يا نهال»، فإذا جاءه صوتها من داخل البيت الريفي رائقاً كالندي علي ورق الشجر الأخضر في حديقة « المانجو « الغناء، اطمأن وراق المزاج، البخاخة ونهال وشجرة المانجو، ثلاثية الأبنودي في ملحمة مرضه العضال. كشجرة المانجو العتيقة ظل الخال صامد في مواجهة مرض عقور، ينهش في رئتيه، يقاوم ببسالة، بضحكة، بقفشة، باتصال محب من القلب للقلب، بمربع شاعري يحمل موقف سياسي يصكه الخال كل صباح، يهزم به الألم، يصرع به اليأس، يقتات بالشعر ويستعين علي قسوة الحياة. عدي النهار مرارا بالأبنودي بأمل في نهار، نهار أبيض من اللبن الحليب، يدخر الخال تفاصيله في أوراق شرع في كتابتها، موال النهارعلي شط القنال، كان يقاوم المرض ليلاً بالكتابة عن نهار، ينتظره علي أحر من الجمر طالع من علي شط القنال، وهو من عاش حلما علي شط القنال، لم يغادرنا الخال، الأحباء لا يغادرون. من مكنته في قرية « الضبعية» علي أطراف « الاسماعيلية « كان يرقب النهار، كان يعيش فقط ليري لحظة جريان الماء في القنال الجديدة، كان بيحلم بنهار، غادرنا في منتصف النهار، كان علي موعد مع النهار، عاش ومات من أجل نهار ينير لنا طريقاً، ويعبّد لنا مستقبلاً. من سيكتب موال النهار ياخال، من يجلس القرفصاء متاهبا متوثبا لاستقبال النهار، وكأنه ينتظر وحياً، لا يقطع خلوته أحد حتي « نهال «، علي موعد مع بنات الشعر يحملن في كفوفهن شمس النهار، يستقبلهن بابتسامات عذاب، يستعذب العذاب وألم المعاناة ومخاض شطرة من بيت شعر عصية علي التسجيل، يراودها، وتتمنع، يغريها بالقرب تبتعد، يقف علي قدميه متعباً، متكئاً علي عصاه، تتعطف عليه، تقرضه بيتاً، ينام قرير العين. ألق الأبنودي ليس في موته اذ فجاة، في صموده، صمود شجرة مانجو مثمرة في مهب ريح صرصر عاتية، شجرة الأبنودي أصلها ثابت وفرعها في السماء، تؤتي أكلها شعراً وطنياً مفعماً بالأمل، كان قويا يتحدي الزمن، ويسمو فوق الصغائر، الأبنودي نسر من أصل عريق، من سلالة من المصريين، ارواح تحلق فوق الجبال. تري البسطاء وهم يتحلقون حول الخال وهو قائم بينهم يستلهم كيف بنوا الأهرامات في زمن المعجزات، وكيف هزموا الإخوان في فورة بركان، يستعذب عذاباتهم، ويقتات من حبهم، حياة الأبنودي لم تكن ابدا في الأنابيب معلقة في الأوردة، بل في الناس الطيبة تترحم عليه كلما طلع عليها نهار.