التغيرات المناخية أصبحت حقيقة مسلم بها. إنكارها يصبح نوعا من الهروب أو الغفلة. أخذ العالم بالفعل يعاني من تأثيراتها السلبية أو الكارثية، وهي في مزيد. نشرنا نقلا عن العلماء أن دلتا النيل مهددة بالغرق ولم يحرك أحد ساكنا. وكأنهم ينتظرون غرق الدلتا. أو هم متواكلون بجهالة. المصيبة لن تقع عليهم وحدهم، بل سيدفع ثمنها كل مصري حي أو لم يولد بعد. فإذا لم يصدقوا أبحاث العلماء فليصدقوا غضب الطبيعة. وإن لم يستجيبوا لهذا الغضب فهم صم بكم عمي لا يفقهون. في ديسمبر الماضي فقط غرق 50 فدانا بقريتي برج مغيزل والجيزة الخضراء بمحافظة كفر الشيخ بالكامل بمياه البحر المتوسط المالحة بسبب ارتفاع أمواج البحر إلي ستة أمتار. وغرق الأراضي الزراعية بمياه عذبة كفيضان النيل الذي كان ليس كغرقها بمياه البحر المالحة التي تضر بالتربة نفسها وتعوق زراعتها من جديد. كما يبدو أننا لا ننتظر فقط المتغيرات المناخية لكي تؤذينا، بل نبادر إلي مساعدتها بإيذاء أنفسنا بأنفسنا. تلقيت رسالة من الأستاذ رجب سعد السيد مرفقا بها صورا فوتوغرافية عن غرق الكافتيريا المشهورة علي شاطئ الإسكندرية »كافتيريا لاتينو«. كتب الأستاذ رجب في رسالته: »ابتلع البحر كافتيريا لاتينو الشاطئية بمنطقة ستانلي. تحقق ما كنا نتخوف منه، وما كنا ندعو الله أن نكون مخطئين بشأنه، من أن كوارث بحرية ستحدث جراء عمليات توسيع الكورنيش الغبية التي تمت بتسرع غريب ودون دراسات جدوي بيئية. ها هو البحر يحتج.. أو يواصل الاحتجاج.. احتج من قبل حين ثار في أكثر من موقع وحطم الطريق. وحدث ذلك أيضا منذ أيام - والمشكلة أن يستمر الاحتجاج ويأخذ صورا أخري، كأن ينهار طريق الكورنيش الموسع، الذي تم اقتطاعه بردم البحر بحجر جيري مسامي هش لا يمكن أن يصمد طويلا أمام تسربات مياه البحر. إن ما حدث لكافتيريا لاتينو ينتظر كل المنشآت والنوادي الشاطئية علي كورنيش الإسكندرية. ومرة أخري، أدعو الله أن يخيب ظني«. كتبت هنا في الأسبوع الماضي عن حديث الأستاذ الدكتور خالد عودة أستاذ الطبقات والحفريات المتفرغ بكلية العلوم بجامعة أسيوط في مجلس علوم البيئة بأكاديمية البحث العلمي حول الأخطار المحيقة بالشواطئ المصرية. . بعد عودته إلي أسيوط أرسل لي رسالة يستكمل بها توضيح المخاطر التي يحذرنا منها، وأرفق بها عددا من التوصيات المهمة لتجنب النتائج الضارة الناجمة عن حدوث هذه الأخطار. نظرا لأهمية الرسالة والتوصيات أنشر فيما يلي بعضا مما جاء بهما: جاء في رسالة الأستاذ الدكتور خالد عودة: »نظرا لضيق الوقت المحدد أمام مجلس علوم البيئة لشرح مخاطر ارتفاع منسوب سطح البحر علي سواحل الدلتا فإنني لم أتمكن من استكمال عرضي عن تهالك الحزام الرملي لبحيرة المنزلة، والثغرات التي تتخلل الكثبان الرملية في الحزام الرملي لبحيرة البرلس، والانهيار شبه الكامل للحزام الرملي الممتد من قرية أبو خشبة غربا إلي كوم مشعل شرقا، والذي يهدد باجتياح مياه البحر لكل السهول الممتدة فيما بين بحيرة البرلس ونهر النيل فرع رشيد حتي مدينة فوة جنوبا. بالإضافة إلي الثغرات التي تتخلل الساحل الجنوبي لخليج أبي قير الممتد غرب حائط محمد علي حتي ضاحية أبي قير. والتسرب المائي تحت السطحي الموثق بصور القمر الصناعي الذي أغرق سهل رشيد شرق خليج أبي قير، وملأ المنخفضات جنوب الحماد وحتي قلابشو شرقا، وجنوب رأس البر، وشرق جمصة، ومدينة دمياطالجديدة وضاحية أبي قير، وشمال غرب بورسعيد، وجنوب القابوطي ببورسعيد. كما لم تتح لي الفرصة لشرح مخاطر ارتفاع منسوب سطح البحر علي باقي السواحل المصرية وخاصة الساحل الشمالي الممتد من العجمي بالاسكندرية إلي مرسي مطروح غربا، وسواحل سيناء الشمالية«. تتناول التوصيات الشاملة التي كتبها الأستاذ الدكتور خالد عودة بشأن السياسات الواجب اتباعها للحد من مخاطر التغيرات المناخية علي مصر أربعة محاور رئيسية هي:. حماية السواحل من مخاطر ارتفاع منسوب سطح البحر ووسائل ومواقع الحماية وضرورة إعادة الاتزان البيئي لنهر النيل والبديل الحيوي المناسب لإنتاج الطاقة بمصر بغرض الحد من انبعاثات الغازات الدفيئة والحد من مخاطر نقص موارد المياه العذبة في مصر. كنت أود هنا نشر التوصيات كاملة لأهميتها القصوي. لكن المساحة للأسف لن تسمح. أرجو أن تنشرها كاملة أكاديمية البحث العلمي علي موقعها الإلكتروني وهناك نسخة منها لدي مجلس علوم البيئة بالأكاديمية. كما طلبت نشرها علي موقع الجهاز القومي للتنسيق الحضاري تعميما للفائدة ومنعا للجهالة. من هذه التوصيات: »التوقف تماما عن إقامة منشآت سكنية أو صناعية أو منتجعات سياحية جديدة علي طول الحزام الرملي الممتد من مصب رشيد غربا إلي البرج شرقا، والحزام الرملي الشمالي الغربي لبحيرة المنزلة الممتد غرب قرية المناصرة المعروف باسم بر الدحرة، وعلي طول الساحل الجنوبي لخليج أبي قير الممتد بين ضاحية أبي قير غربا والمعدية شرقا، وداخل السهل المثلثي الواقع شرق خليج أبي قير فيما بين إدكو والجدية ومصب رشيد، وعلي الضفة الغربية لقناة السويس فيما بين القابوطي شمالا والكاب جنوبا، وداخل الشريط الساحلي الواقع شرق جمصة مباشرة وشمال الركابية، وحول ميناء دمياط، والشريط الساحلي الواقع جنوب غرب رأس البر مباشرة فيما بين البحر ونهر النيل. كذلك التوقف عن أي إنشاءات جديدة في السهول الزراعية جنوب ضاحية أبي قير، وجنوب المعمورة وجنوب المنتزة وجنوب سيدي بشر القبلي، وذلك لحين إتمام إجراءات الحماية«. إعادة توطين سكان كل القري السكانية الواقعة علي الحزام الرملي لبحيرة البرلس فيما بين كوم مشعل غربا والبرج شرقا، والحزام الرملي الشمالي الغربي لبحيرة المنزلة غرب قرية المناصرة المعروف باسم بر الدحرة، والقري المنتشرة داخل بحيرة المنزلة والمقامة علي أراض جافة لا يتجاوز منسوبها مترا واحدا فوق منسوب سطح البحر وذلك خشية فشل استراتيجية الدفاع عن هذه الأحزمة كخطوط دفاع أولي. وقف كل قرارات التوسع في كردونات المدن والقري المقامة في السهول الساحلية للدلتا إلا بعد التيقن من ارتفاع منسوب أراضي التوسع المطلوب عن منسوب سطح البحر بمقدار لا يقل عن مترين. عدم التصريح بإقامة أي منتجع سياحي علي الساحل الشمالي للدلتا أو الصحراء الغربية إلا بعد تقديم دراسة طوبوغرافية عن المنطقة المزمع إقامة النشاط بها، وإتمام إجراءات الحماية لشواطئها، مع مراعاة عدم إقامة المنشآت السياحية المواجهة للشاطئ علي ارتفاعات تقل عن 3 أمتار فوق منسوب سطح البحر. التخطيط لبناء المدن الجديدة في الظهير الصحراوي، وعلي طول الساحل الشمالي للصحراء الغربية. فالساحل الشمالي الممتد من العلمين إلي الضبعة يتميز بالارتفاع الحاد عن منسوب سطح البحر، حيث يتراوح ارتفاعه من 5 أمتار إلي 25 متراً جنوب الشاطئ بعرض يتراوح من 6 إلي 11 كيلومترا مما يضمن حماية جميع المدن المقامة عليه. وقف أي توسعات إنشائية جديدة في الميناء الغربي بالإسكندرية حيث إن استمرار الإنشاءات ساهم في الانزلاق الكتلي تحت السطحي علي قاع الميناء. فالقيعان طينية وضعيفة ومشبعة بالمياه، ومن ثم فهي غير مستقرة، وتزداد تدهورا بزيادة الأحمال عليها. وكلما زاد تدهور التربة التحت سطحية لقيعان هذه الموانئ زاد من احتمال انزلاق الإنشاءات والتراكيب الصناعية الموجودة بغرض الحماية. كذلك التوقف عن إقامة أي مشروعات علي الساحل الجنوبي لخليج أبي قير حيث إن أراضي هذا الساحل منخفضة تحت منسوب سطح البحر وأن تكدس الإنشاءات عليها يشكل ثقلا علي التربة الطينية التحت سطحية، ويهدد بانزلاق غالبية المنشآت المقامة علي الساحل في اتجاه البحر، حال زيادة منسوب سطح البحر بأي مقدار. من مندوحة القول إن هذه التوصيات صادرة من عالم جليل له خبرته العملية الطويلة فيما يوصي به.. لذلك لابد من أن تؤخذ هذه التوصيات مأخذ الجد كله من المسئولين عن تنفيذها. وقد أعذر من أنذر.