في الزمن الرخيص.. يهون كل شئ... ويصبح الفن الهابط هو العملة الرائجة ما علاقة الكاتب بما يكتب، هل ينقل الكاتب خلال ما يكتب لقطات من حياته الخاصة، وهل ينعكس تأثر الكاتب ببيئته، وبالوسط الذي يعيش فيه، والظروف المحيطة به علي ما يسيل به قلمُه«.. استدعيت هذه المقدمة من مخزون القراءة والذاكرة.. تلك المقدمة التي سطرها الأديب محمد بدر الدين خليل في كتابه: »4 كتب و4 كتّاب«، دار المعارف، أكتوبر 1967، ولعل من المفيد للقارئ ان نذكر الكتب الأربعة، التي تستهوي المؤلف، ويعود إليها كلما اشتاق للقراءة لقيمتها الأدبية والفنية والإنسانية، وفي مقدمة هذه الكتب الأربعة: »كوخ العم توم«.. لمؤلفته هارييت بتشر ستو، والكتاب الثاني: »هي أو عائشة«.. للسير ه. رايدر هجارد، والكتاب الثالث: قصة »غادة الكاميليا«.. كتبها الكسندر دوماس، الابن، عام 8481، والكتاب الرابع: قصة »كارمن«.. لبروسبير مريميه ويمكن للقارئ أن يعود إلي هذه الكتب الأربعة ليعرف أسباب تفضيل الكاتب لها.. طافت بخلدي، هذه المقدمة، وأنا أقرأ كتاب: »أنت متفرج.. إذن أنت ناقد«.. للزميل الناقد الفني »للأخبار« الكاتب الأستاذ عصام بصيلة، رحمه الله، الذي صدر مؤخرا في ذكري مرور عام علي وفاته في 81 مايو 9002، والزميل الراحل، تولي منصب نائب رئيس التحرير، ومهمة الإشراف علي صفحة : »أخبار الناس«.. وقسم الراديو والتليفزيون، وقد خلفه في تحمل المسئولية تلميذه الزميل الأستاذ عادل دربالة، وقاد السفينة بنجاح مع فريق العمل الذي يضم مجموعة متميزة من شباب الصحفيين.. ونرجو للربان وبحارته مزيدا من التفوق. و»الكتاب: »أنت تتفرج.. إذن أنت ناقد«، هو أقرب في المضمون ل: كتاب دليل المتفرج الذكي إلي المسرح، للمؤلف المسرحي المرموق الفريد فرج كتاب الهلال 6691، كلا الكتابين يقدمان شرحا وافيا لمصطلحات الأعمال الفنية: الدراما، والتراجيديا، والكوميديا، ومفهوم المسرح ووظيفة الديكور، والممثل، والأوبرا والأوبريت والباليه والملحمة، والمسرح الغنائي، والمسرحية والحوار ومواصفات الناقد الفني وصناعة التذوق الفني.. إلخ. وإذا كانت الكتابة هي حوار بين الإنسان ومجتمعه والعصر الذي يعيش فيه، وثقافته التي اكتسبها بالدراسة الأكاديمية، وبالممارسة العملية، كل هذه العناصر تنعكس علي حياة الكاتب الإنسانية، الاجتماعية، والأدبية والفنية، فالكاتب ابن بيئته، والمعبر عن آمالها، وآلامها، وكل ما يدور داخلها من أحداث، ورؤيته لتطويرها من أجل حياة أفضل.. ومن ثم يقدم الكاتب لقارئه كل ما يفيده، وينير أمامه الطريق حتي يقف القارئ، أو المتفرج العادي علي حقيقة ما يقدم له علي خشبة المسرح وعلي شاشات التليفزيون وعبر أثير الإذاعة، وأن ما يشاهده من مسرحيات ومسلسلات يتفق مع الأصول العلمية والفنية.. ذلك دور الكاتب ورسالته، ويعظم هذا الدور، خاصة في زمن شاعت فيه قيم فنية رديئة هدفها تحقيق ثروات طائلة، حتي ولو جاءت بطرق غير نظيفة، ومنافية للآداب العامة، وثوابت المجتمع، وكما يقول الكاتب بصيلة: تقرأ في الصحف والمجلات أعمالا تطلق عليها مسميات لا تمت إلي واقعها بصلة، فمثلا يقال عن استعراض يتضمن بعض الرقصات والأغنيات الفردية انه: »أوبريت«، أو تشاهد حدوتة تاريخية يسمونها »ملحمة«، ومواقف قديمة أو جديدة يرويها راو يؤكدون انها »دراما«.. وذاك »كونشرتو«، وهذه »أوبرا«.. وتلك »سيمفونية«.. إلخ. هذا الخلط المعيب في المفاهيم الفنية والمصطلحات، كما يوضحه الكاتب، هو الذي أدي إلي انتشار الفن الهابط. وزاد.. »الطين بلة«.. فقد ترسخت في ذهن المتفرج الجهالة الفنية، التي جعلته يعتقد أن ما يشاهده يخضع لمعايير فنية صحيحة، علي خلاف الحقيقة. لقد حاول الكاتب عصام بصيلة، تبسيط معاني المصطلحات الفنية دون تسطيحها، لتكون متاحة، أمام القراء، حتي لا يكونوا ضحايا مفاهيم خاطئة، احترفها دعاة الاستسهال، والفن الهابط حتي ولو جاءت علي حساب الفن، والثقافة الراقية.. وقد يصبح من بين القراء نقاد فنيون، توفر لديهم الوعي الكافي، في التفرقة بين الجيد والرديء من الأعمال الفنية.. خاصة وإن الناقد الفني كالجواهرجي، في مقدوره أن يتعرف علي الذهب الحقيقي من الفالصو، من أول نظرة.. ان كتاب: »أنت متفرج.. إذن أنت ناقد«.. جدير بالقراءة، ويسد ركنا شاغرا في المكتبة الثقافية والفنية والجماهيرية، لقلة العطاء الفكري في هذا المجال الحيوي. حكمة فلاسفة قال الشاعر: آلة العيش صحة وشباب، فإذا وليا عن المرء ولي! بودلير: الحياة مستشفي تسيطر فيه علي كل مريض الرغبة في تغيير سريره! يحيي حقي: من حسن الحظ ألا ينقطع عن ذكرك أناس، وألا ينقطع عن نسيانك أناس، وأن ينساك أناس ثم يذكروك! جان بول سارتر: كل الذي أدريه انني سأموت، وأنا أتساءل: لماذا لم أكن أفضل مما كنت! الجنرال مونتجمري: لم أجد داعيا لأن أسير في جنازة تشرشل، ثم أموت! خليل جبران: الذكري ورقة خريف، لا ترتعش في الهواء لحظة، حتي تكفن في التراب إلي الأبد. يوجين أونيل: الموت، هو خوف واقع، بين ما نسميه حياة وبين ما نسميه موتا! قال حكيم: - الحياة فوق الأرض ليست هي كل الحياة! - الموت اثقل البلايا، وافدحها وزنا! - الموت إله لا يحب القرابين! لحظة تأمل قال عبدالرحمن الكواكبي: المستبد إنسان، والإنسان أكثر ما يألف الغنم والكلاب، فالمستبد يود ان تكون رعيته كالغنم درا وطاعة، وكالكلاب تذللا وتملقا، والمستبد يسره غفلة الشعب، لأن هذه الغفلة سبيله لبسط سلطانه عليهم، يذلهم، ويبتز أموالهم، فيحمدون له إبقاءه علي حياتهم، ويسعي بالوقيعة بينهم، فيصفونه باللياقة وحسن التدبير، والمستبد خواف رعديدا! يخاف من أفراد رعيته أكثر مما يخافون منه، لأنه يخاف منهم عن وهم، وهم يخافون منه عن وهم وجهل، وكلما زاد المستبد تعسفا وجورا: زاد خوفه من رعيته ومن حاشيته بل من هواجسه ووساوسه.