تسعي القيادة الجديدة في تونس لتحقيق الاستقرار وتشكيل حكومة وحدة وطنية تمهيدا لاجراء اصلاحات سياسية. واستعادة زمام الأمور بعد يومين من اعمال عنف ونهب وترويع أعقبت فرار الرئيس السابق زين العابدين بن علي في ذروة احتجاجات شعبية استمرت حوالي شهرا. وذكرت وكالة الأنباء التونسية ان الشرطة اعتقلت علي سيرياتي مدير أمن الرئاسة السابق وعدد من زملائه بتهمة التآمر علي أمن الدولة. كما ذكرت أنباء اعلامية انه تم اعتقال وزير الداخلية السابق »رفيق بلحاج قاسم« بباجه مسقط رأسه وكان الرئيس السابق بن علي قد أقال بلحاج بعد تصاعد الاحتجاجات الشعبية. وقد ساد الهدوء العاصمة التونسية وضواحيها أمس بعد ليلة شهدت تحليقا لطائرات هليكوبتر عسكرية استخدمت اضواءها الكاشفة بعد انذارات بتحركات مشبوهة لسيارات يطلق ركابها النار علي منازل. وتم صباح أمس تخفيف الطوق الامني حول وسط العاصمة ورفعت الحواجز التي نصبت ليلا في الشوارع مع انتشار أمني أقل وضوحا. وخيمت رائحة الحريق علي العاصمة لكن لم تظهر مؤشرات علي اشتعال حرائق جديدة في المدينة. وبدت الشوارع الكبري شبه مقفرة وانتشر الجيش في المناطق الحساسة وخصوصا مطار قرطاج الدولي ومقر حزب التجمع الدستوري الديمقراطي الذي كان ينتمي اليه الرئيس المخلوع. وفتح عدد قليل من المقاهي والمتاجر واشتكي متسوقون من ارتفاع مفاجيء بالاسعار. وأدي تحديد حركة المرور ونهب العديد من مخازن الاغذية إلي فوضي في شبكات توزيع المواد الاساسية. وسعت السلطات إلي طمأنة الشعب بهذا الشأن غير انها أقرت بوجود »بعض النقص« في المحروقات في محطات البنزين وقالت انها تعمل علي تلافي ذلك. وأقامت قوة مشتركة للجيش والشرطة حاجزا علي الطريق الواصل بين »حلق الوادي« والعاصمة لتوقيف السيارات وتفتيشها واعتقال المشتبه بهم. ويجري تطبيق حظر التجول بحزم وسط العاصمة. إلا أن قنوات تليفزيون محلية بثت بعض النداءات لطلب النجدة اطلقها سكان في احياء تقع جنوب العاصمة يطلبون قدوم الجيش بعد ان لاحظوا تحركات مشبوهة. وشكل العديد من المواطنين في العاصمة وباقي المدن لجانا لحماية احيائهم. ودعا الاتحاد العام التونسي للشغل في بيان له هياكله للانضمام الي هذه اللجان. ونسب العديد من الشهود معظم اعمال العنف الي من أسموهم »ميليشيات حزب التجمع الدستوري الديمقراطي« الغاضبين من فرار بن علي وذلك بهدف زعزعة استقرار البلاد. وقد أعلن مصدر قنصلي فرنسي في تونس العاصمة ان مصورا فرنسيا يعمل لحساب وكالة »يو.بي.اي« للانباء توفي أمس اثر اصابته يوم الجمعة باطلاق قنبلة مسيلة للدموع. في الوقت نفسه، واصل رئيس الوزراء المكلف محمد الغنوشي محادثات مع عدد من الشخصيات السياسية وزعماء الاحزاب بهدف تشكيل حكومة وحدة وطنية. وشاركت في المرحلة الأولي من المشاورات جميع الاحزاب السياسية المعترف بها والاتحاد العام التونسي للشغل والرابطة التونسية لحقوق الانسان ومجلس نقابة المحامين. وقال رئيس حزب »التكتل الديمقراطي للعمل والحريات« مصطفي بن جعفر ان المشاورات تهدف الي وضع أسس عملية ديمقراطية وطي صفحة نظام فشل. واضاف ان الغنوشي سيجمع جميع الشخصيات البارزة للتفاهم بشأن تشكيل حكومة وحدة وطنية والاتفاق علي الشخصيات التي ستعمل لتجسيد هذه العملية بهدف اجراء انتخابات »شفافة« ربما تحت اشراف دولي. وقال »بن جعفر« انه سيتم تشكيل لجنتين للتدقيق في »التجاوزات واعمال العنف« خلال الحركة الاحتجاجية وبملف الفساد. واكد بن جعفر ان التجمع الدستوري الديمقراطي وهو حزب الرئيس السابق لن يتم اقصاؤه من هذه العملية لتجنب زعزعة استقرار جهاز الدولة »ولتفادي السيناريو العراقي«. وقال نجيب الشابي زعيم الحزب الديمقراطي التقدمي المعارض ان الغنوشي اقترح مشاركة حزبه في تشكيل حكومة وحدة وطنية ستكون مفتوحة امام القوي الديمقراطية. واضاف ان البرنامج واضح وهو اصلاح القانون والاعداد لانتخابات تشريعية ورئاسية حرة في غضون ستة او سبعة اشهر مضيفا ان الاشراف الدولي كان احد مطالبه كما اعلن راشد الفنوشي زعيم »حركة النهضة الاسلامية« المحظورة انه سيعود خلال ايام من المنفي في لندن. وكانت السلطات التونسية قد حظرت حركة النهضة في اوائل التسعينات بعد اتهامها بالتآمر للاطاحة بالنظام العلماني باستخدام العنف. وكان المجلس الدستوري في تونس قد أعلن أمس الأول خلو منصب رئيس الدولة نهائيا وتولي رئيس مجلس النواب فؤاد المبزع الرئاسة بصورة مؤقتة واجراء انتخابات رئاسية خلال فترة ما بين 54 يوما و06 يوما. وكلف »المبزع« الوزير الأول »رئيس الوزراء« محمد الغنوشي بتشكيل حكومة وحدة وطنية.