لا يمكن ان تظل مصر مرهونة بهذا الخطر الكامن، ويجب ايجاد الحلول العملية التي تضمن عدم تكرار مثل هذه الحوادث المؤسفة التي نراها بعد كل حادث يتم تصنيفه تجاوزا فتنة طائفية، ولا يكفي في كل أزمة ان يلتقي شيخ الأزهر والبابا وعدد من رجال الدين ليؤكدوا ان كل شيء تمام ثم نفاجأ بفتنة جديدة في مكان آخر ولسبب آخر! لقد أصبح المصريون مسلمين وأقباطا أسرع إلي التحرك الاهوج بعد كل شائعة أو حادثة عن وجود ما يمس عقيدتهم وأول الإجراءات المطلوبة تجريم الخوض في العقيدة وان يلتزم كل طرف باحترام عقيدة الآخر والتركيز علي ما يجمعنا كمصريين نعيش علي هذه الأرض والتركيز علي ما يجمعنا كأتباع لديانتين سماويتين فالإسلام يأمرنا باحترام المسيح، بل ان إسلام المسلم لا يكتمل إلا بالإيمان بالأنبياء السابقين، ويجب ان نعرف ان الدين أقوي من ان ينال منه حادث هنا أو هناك. الشارع القبطي أصبح سريع الاستثارة أمام مواقف كانت تحدث كثيرا مثل تغيير مواطن لدينه وهي حالات تحدث دائما في مصر وفي كل مكان في العالم دون الاثارة التي تحدث مع كل واقعة، وهنا لابد ان نعرف ان هناك خللا في الشارع المصري، ففي الحالتين سواء وجود طرف قبطي أو مسلم يتحرك الشارع وراء شائعات وحوادث يمكن ان تقع في أي مكان ولأي إنسان، إن الذين خرجوا في مظاهرات خلال الأيام الماضية لم يعرفوا أسباب ودوافع وأهداف حادث كنيسة القديسين في الإسكندرية، حتي مع كل الشواهد والادلة التي أكدت ان الحادث جريمة إرهابية ضد مصر وشعب مصر بمسلميه واقباطه، ولم ينتظروا أجهزة التحقيق التي تواصل عملها وتسابق الزمن لتحديد مرتكبي الحادث والجهات التي تقف خلفهم. دور صحافة الفتنة وفضائيات الإثارة أصبح واضحا ومتكررا سواء كان في ممارسة هذا الدور عن قصد أو جهل بمدي التزامهما بأخلاقيات المهنة وآدابها فيما يخص الأمور الدينية وتناول الحياة الخاصة للمواطنين والتحقق من المعلومات قبل النشر والاحزاب من جانبها مطالبة بالالتزام بمصالح وقضايا المواطنين المصريين التي تخص حياتهم جميعا بعيدا عن التمسح بالدين.. وأمامنا علي الجهة الأخري أوروبا بكل دولها التي لم تتقدم الا بالاحزاب السياسية القوية التي تهتم بحياة شعوبها ولا تعيش إلا بما تقدمه لهذه الشعوب. وعلي الجانب الآخر يجب علي رجال الدين ان يبتعدوا عن الانغماس في السياسة وان يقصروا دورهم علي القضايا الروحية الخاصة بالدين، ينطبق هذا علي رجال الأزهر كما ينطبق علي رجال الكنيسة. فقد أصبح ابتعاد الرموز الدينية عن السياسة مطلب قطاع عريض من المواطنين المصريين، وقد طالبت به مجموعة من المفكرين في بيان تقدموا به إلي مجلس الشعب منذ سنوات بل وطالبوا فيه أيضا بفتح الملف الطائفي بموضوعية وشفافية لمعرفة الأسباب الحقيقية ليس في حادث الإسكندرية الذي نتج عن تسريب المسرحية فقط أو حادث كنيسة القديسين وما بينهما وإنما في حالة الاحتقان الذي أصبح واضحا ويتجدد في كل الحوادث التي تقع والتي تزايدت بشكل ينبيء بالخطر. لم يعد الأمر يحتمل المسكنات وسياسة إطفاء الحرائق اعتمادا علي لقاء المحبة بين عنصري الأمة ممثلا لفضيلة شيخ الأزهر وقداسة البابا. ويجب علي أجهزة الدولة ان تمارس دورها في اقرار القانون وتطبيق مبدأ المواطنة، وإعادة الانضباط إلي الشارع المصري وان تمنع محاولات النيل من العقائد من البعض. والتهرب من مخالفات البناء كما نعلم وكما حدث في إقامة مبان خدمية سرعان ما تطلب تحويلها إلي دور للعبادة أو كنيسة! منذ أيام احتفل شعب مصر أقباطا ومسلمين بعيد الميلاد المجيد، كما كنا نحتفل به منذ عشرات السنين.. مر أمامي شريط سريع من أحلي الذكريات وطفولتي في حي شبرا العريق.. تذكرت جيراني القدامي فردا فردا وأصدقائي جرجس وصموئيل ومارسيل وتريزا وصاحب المنزل الذي نسكن فيه المقدس أبوناشد كما كنا نحب ان نسميه وزوجته وأبناءه وصديقي رأفت وشقيقه نبيل تذكرت كل هؤلاء كنا نأكل الكعك ثلاث مرات في العام كعك عيد الفطر وكعك عيد الميلاد وكعك عيد القيامة، كما نتبادل الطعام في الأعياد والمواسم ونحتفل بالاعياد والمناسبات الدينية والأفراح معا، كما كانت احزاننا واحدة، نحتفل معا بعيد العذراء ومار جرجس ونوقد الشموع في كنيسة سانت تريزا المجاورة لمنزلنا، كنا نقتسم حلوي المولد النبوي ونحتفل معا بشهر رمضان المعظم. أيام العدوان الثلاثي عام 6591 كنت طفلا صغيرا أرتعد خوفا من صوت المدافع وازيز الطائرات نتجمع كلنا في شقة حرم صاحب المنزل المقدسة أم ناشد، كما بكي جيراننا الأقباط والمسلمون علي شهدائنا عام 76 وفيهم شقيقي الأكبر رحمه الله، تذكرت حالة البكاء التي انتابت أسرتي وجيراني ونحن ننتقل إلي مسكن جديد وفراق جيراني والحي الجميل الذي نشأت فيه.. أما اليوم فقد أصبح جلوس أحمد مع جرجس خبرا غريبا! تذكرت د.مكرم واشقاءه وقد سافر إلي أمريكا للدراسة واستقر هناك منذ عشرات السنين لأذكره بالماضي الجميل وأطلب منه مرة اخري ان يحكي للأمريكان ما كان بيننا ولا يزال من علاقات واننا نسيج واحد لكل عقيدته ويجمعنا حب الوطن وان أقباط مصر لا يحتاجون لحماية من احد حتي ولو كان الأمريكان! إعادة السلام إلي النسيج الوطني تتطلب جهود الجميع من خلال الالتزام بالقانون أولا وانتباه جميع أجهزة الدولة إلي جانب المبادرات الشعبية من أجل إصلاح اجتماعي وسياسي يجمع كل المصريين اقباطا ومسلمين حول هدف واحد هو تحقيق الأمن والاستقرار الضروري لبناء مصر قوية تصمد في وجه التحديات الخارجية وهي كثيرة ولا تنقصها هذه الزوابع التي لا تفيد دينا ولا دنيا.