وكم كنتُ أتمني أن يكون لدينا برلمان يضبط هذا «السيل التشريعي» ويجنبنا مُراجعات حتمية مُربكة ومُعطِلة ستشهدها ساحة مجلس النواب القادم أياً كانت تركيبته.. تنص المادة 156 من الدستور علي أنه «إذا حدث في غير دور انعقاد مجلس النواب ما يوجب الإسراع في اتخاذ تدابير لا تحتمل التأخير، يدعو رئيس الجمهورية المجلس لانعقاد طاريء لعرض الأمر عليه، وإذا كان مجلس النواب غير قائم، يجوز لرئيس الجمهورية إصدار قرارات بقوانين علي أن يتم عرضها ومناقشتها والموافقة عليها خلال خمسة عشر يوماً من انعقاد المجلس الجديد، فإذا لم تُعرض وتناقش أو إذا عُرضت ولم يقرها المجلس، زال بأثر رجعي ما كان لها من قوة القانون دون حاجة إلي إصدار قرار بذلك...إلخ»، وهذا يعني أن البرلمان الجديد سيكون أمامه مهمة عاجلة ومُعقدة للتعامل مع التشريعات التي أصدرها الرئيس المؤقت عدلي منصور والرئيس المنتخب عبد الفتاح السيسي..وربما كان أخطر ما سيواجه النواب تلك القوانين المثيرة للجدل وخاصة ما كان يمكن تأجيله لحين انعقاد البرلمان، أي التي تحتمل التأخير، وأبرزها القانون الكارثي الذي أصدره عدلي منصور والخاص بإجراءات الطعن علي العقود التي تبرمها الدولة وهو ما من شأنه تحصين الفساد، إلي جانب قانون الاستثمار.. والمُلفِت للنظر أن معظم التشريعات التي صدرت في الفترتين ذات طبيعة اقتصادية وتستهدف إرضاء المستثمرين ورجال الأعمال لجذب استثمارات جديدة، ولكنها صدرت دون حوار مجتمعي وتم إعدادها وصياغتها من نخب بيروقراطية تربت وتكونت خبراتها الاقتصادية علي مدي ما يقرب من نصف قرن، علي مفاهيم انفتاح اقتصادي «بلا ضوابط» لا يري دوراً للدولة في عملية الإنتاج، ولا يفكر خارج إطار تعليمات صندوق النقد والبنك الدوليين وإملاءات المعونة الأمريكية والتي خلقت اقتصاداً ريعياً بامتياز تسيطر عليه «رأسمالية المحاسيب»، ودمرت القطاع العام وفتحت أبواب الفساد علي مصاريعها ولم تقدم للأغلبية الساحقة من الشعب المصري سوي الفقر والجوع والقهر والقمع والمرض والتخلف، وهو ما مهد التربة لاندلاع ثورة 25 يناير 2011..والمُلفت أيضاً أن هذه التشريعات تعيد إنتاج أفكار وسياسات نظام مبارك «الكارثية» وسوف تعيدنا بالقطع إلي أسوأ ما كنا عليه عشية قيام الثورة!!.. وكم كنتُ أتمني أن يكون لدينا برلمان يضبط هذا «السيل التشريعي» ويجنبنا مُراجعات حتمية مُربكة ومُعطِلة ستشهدها ساحة مجلس النواب القادم أياً كانت تركيبته حتي ولو كانت بأغلبية من فلول الحزب الوطني والإخوان!!..فما تفتقت عنه عقلية ترزية قوانين محترفين ورثناهم من عهد مبارك لا يحقق المصلحة العامة ولا يقيم إقتصاداً قوياً قابلاً للنمو، ناهيك عن أنه يتجاهل دور الدولة ويضرب عرض الحائط بكل مطالب العدالة الإجتماعية والكرامة الإنسانية والاستقلال الوطني التي رفعتها الملايين في 25 يناير و30 يونيو!!.. ومن غير المُستبعد أن يكون «ترزية القوانين» أولئك وبيروقراطية دولة مبارك الفاسدة، والتي مازالت في مواقعها، وراء إصدار قوانين انتخابية تشوبها عدم الدستورية لنواصل الدوران في حلقة جهنمية مفرغة ويستمر تغييب دور الرقابة الشعبية التي يمثلها البرلمان كي يخلو الجو لصدور المزيد من التشريعات المناهضة للعدالة الإجتماعية وتطلعات الجماهير لوطن أكثر عدلاً يجدون فيه حداً معقولاً من الحياة الآدمية.. ولو كان لدينا برلمان يمثل إرادة الجماهير التي خرجت إلي الشوارع والميادين في صورة أبهرت وألهمت العالم، منادية بالعيش والعدل والحرية، لما أوغلت حكومات ما بعد 30 يونيو في سياسات وقرارات لم يجرؤ علي الاقتراب منها حتي نظام مبارك بكل بشاعته وقسوته، مثل رفع الدعم وإطلاق يد شركات الكهرباء والغاز والمياه في زيادة أسعار خدماتها بصورة فاحشة، وترك الأسواق لجشع التجار.. نعم..كان يمكن أن يكون نواب الشعب حائط صد يحمي الغلابة والفلاحين من ظلم وفُجر العولمة، فمتي يكون لدينا برلمان..أي برلمان؟!!..